السبت, 3 مايو 2025 12:58 AM

انطلاقة جديدة للإخبارية السورية: هل تنجح في استعادة ثقة الجمهور بعد سنوات من التحديات؟

انطلاقة جديدة للإخبارية السورية: هل تنجح في استعادة ثقة الجمهور بعد سنوات من التحديات؟

مروة جردي

بعد مرور أكثر من ستة عقود على بدء البث الرسمي في سوريا، يعود التلفزيون السوري بمحاولة جديدة لإحياء دوره الإعلامي، وذلك عبر إطلاق قناة الإخبارية السورية بحلة جديدة في 5 مايو (أيار) القادم.

يأتي هذا الإطلاق بعد توقف جميع الفضائيات الحكومية عقب انهيار النظام السابق، وسط تساؤلات حول قدرة القناة الجديدة على استعادة ثقة الجمهور الذي هجر الشاشات الرسمية منذ سنوات، خاصة بعد الحرب التي عمقت الانقسام السياسي والشعبي والإعلامي في البلاد.

قناة واحدة من بين أربع... لماذا «الإخبارية»؟

من بين أربع قنوات فضائية كانت تمثل التلفزيون الرسمي السوري، لم يكتب الاستمرار إلا لقناة «الإخبارية»، في إشارة رمزية إلى رغبة السلطات الجديدة في التركيز على البعد السياسي والإخباري في مرحلة ما بعد النظام السابق. وبينما تتضارب التسريبات حول شكل البث الافتتاحي، تتحدث مصادر عن خطاب متلفز للرئيس أحمد الشرع، يُعد الأول على شاشة رسمية، بعد سلسلة من الخطابات التي أثارت جدلاً واسعاً حين نُشرت عبر تطبيقات غير رسمية، فيما ترجح مصادر أن الانطلاقة قد تعيد سيناريو افتتاح التلفزيون السوري لأول مرة، ببث النشيد الوطني مع ظهور العلم على الشاشة. وكان آنذاك النشيد والعلم الخاصين بالجمهورية العربية المتحدة، تليه تلاوة من القرآن مرفقةً بالآيات التي تظهر مكتوبة على الشاشة، ثم كلمة افتتاح لأحد مؤسسيه.

وكان التلفزيون السوري قد تأسس أيضاً بقناة واحدة عام 1960 زمن الوحدة مع مصر، وجاء بثه في ذكرى قيام الثورة المصرية ضد الملكية.

ورغم محاولة القائمين على التلفزيون السوري إعادة إطلاق قناة رسمية على قمر نايلسات في الذكرى الـ 14 للثورة السورية، في 13 آذار الماضي، إلا أن مشاكل تقنية وقانونية مع نايلسات حالت دون ذلك، وتمَّ الاتفاق على اختيار وقت بديل لإطلاق القناة بحلتها الجديدة بتاريخ 5/5/2025 عند الساعة الخامسة مساءً.

وفي حديثه معنا، قال مدير قناة الإخبارية السورية الجديدة جميل سرور إنه «تم خلال الفترة الماضية إعداد دورة برامجية مميزة، يشغل فيها المحتوى الإخباري والتحليلي الجزء الأكبر، إلى جانب باقة منوعة من البرامج التي تهمّ المجتمع السوري، خصوصاً البرامج الخدمية» بعد «بذل جهد كبير في تطوير الرؤية البصرية، والعمل على الجوانب الفنية والإخراجية، لتواكب الإخبارية كبرى وسائل الإعلام من حيث الشكل والمضمون» على حد تعبيره.

الهوية البصرية بين التكرار والتجديد

تسعى القناة الجديدة إلى تقديم رؤية بصرية حديثة تُعيد الثقة بالمحتوى الرسمي. إذ كشف مديرها جميل سرور عن «إعداد دورة برامجية تركّز على الأخبار والتحليل السياسي، إلى جانب برامج خدمية واجتماعية تستهدف مختلف شرائح المجتمع السوري».

واختير اسم «الإخبارية» كشعار للقناة مع تدرجات من اللون الأزرق، بصورة مشابهة لشعار أول قناة سورية وهو «التلفزيون السوري» بالأبيض والأسود، ربما في محاولة لربط الماضي بالمستقبل. لكن التحدي الأكبر لا يكمن في الألوان أو الشعارات، بل في المضمون، وفي القدرة على بناء خطاب إعلامي يُشعر السوريين أنهم ممثلون على الشاشة لا مغيبون عنها.

ولا يزال التلفزيون السّوري يبحث عن هوية يتصالح فيها مع جمهوره الذي هجره منذ تسعينيات القرن الماضي لصالح الفضائيات اللبنانية والعربية الأخرى.

وتراجعت متابعة السوريين لقنواتهم بشكل أكبر خلال الحرب لأسباب تتعلق بزيادة شعبية منصات التواصل الاجتماعي والراديوهات مع الانقطاع الكبير في الكهرباء، إضافة إلى السياسات التحريرية الإقصائية السابقة.

علماً أنه خلال حكم حزب «البعث»، غيّر التلفزيون السوري هويته أربع مرات منذ افتتاحه، آخرها في عهد وزير الإعلام السوري السابق عماد سارة عام 2018، الذي قرّر تغيير الهوية بعد تلقي العديد من الانتقادات لعدم وجود معان ودلالة للوغو السابق، فتم استبدال البوابة الدمشقية بالوردة الدمشقية، من مجموعة اقتراحات قدمت له.

كوادر بين الفائض والكفاءة والثورة

لم يكن الطريق إلى الانطلاقة الجديدة سهلاً. فقد ورثت إدارة قناة «الإخبارية» مبنى «في حالة يُرثى لها» على حد تعبير مدير القناة جميل سرور، الذي أشار إلى أنّ أوّل التحديات تمثلت في إعادة تأهيل المبنى وتحديث الحد الأدنى من المعدات اللازمة للعمل.

ورغم إدخال بعض التقنيات الحديثة، فإنّ البنية التحتية لا تزال بحاجة إلى تحديث شامل يواكب المعايير العالمية في الإنتاج التلفزيوني.

أما على صعيد الكوادر، فقد اتبعت الإدارة الجديدة سياسة انتقائية، فاحتفظت بالعاملين من أصحاب الكفاءة والخبرة، فيما جرى استبعاد كل فريق المذيعين باعتبارهم وجوهاً مرتبطة بالنظام السابق تجنباً لإثارة الجدل. وبعض هؤلاء غادر العمل أو انتقل إلى أقسام أخرى، فيما آخرون موقوفون عن العمل في انتظار «محاسبة قانونية محتملة» تتعلق بانتهاكات مهنية سابقة.

وحول الحضور النسائي ضمن كوادر القناة وفريقها من المذيعين، أكدت إدارة القناة بأنّ عدد الصحفيات في قسم الإعداد وغرفة الأخبار يبلغ 32، إضافة إلى مخرجات ومهندسات صوت ومصمّمات. وتقول الصحافية أريج حمود، التي التحقت أخيراً بالقناة، إنها وجدت في التجربة «بيئة عمل مريحة ومتفهمة للنساء»، بعد سنوات من رفضها العمل في مؤسسات إعلامية حكومية خلال حكم النظام السابق.

وعن التحديات في إعداد الكادر الجديد، تحدث سرور لنا عن «تحديات تتعلق ببناء فريق عمل يقدم محتوى صحافياً متميزاً في ظل هذه الظروف »، مشيراً إلى «بذل جهود استثنائية لاستقطاب الكفاءات، وتمهيد الطريق أمامها للعمل في بيئة سليمة ».

ووفق مصدر من داخل القناة، كان الشرط السياسي الوحيد للانضمام هو ألا يكون المذيع قد ظهر على شاشات النظام السابق أو قدّم محتوى سياسياً يتعارض مع توجهات السلطة الحالية.

وفيما تمّ الحفاظ على بعض آليات الترشيح القديمة، مثل الاعتماد على توصيات من كلية الإعلام في جامعة دمشق، ظهرت أسماء جديدة قادمة من مشهد إعلام المعارضة، أبرزها الصحافية السابقة في قناة «الجزيرة» إيلاف ياسين، التي أوكلت إليها مهمة اختيار المذيعين والمقدمين الجدد. وتشير المعلومات إلى أنّها استعانت بمعرفتها الشخصية بإعلاميين من شمال سوريا وتركيا، من بينهم معاذ محارب، المذيع السابق في تلفزيون سوريا، الذي سيقدم برنامجاً سياسياً حوارياً بعنوان «على الطاولة ».

شاشة تبحث عن مكان في ذاكرة السوريين

في خمسينيات القرن الماضي، دعا مؤسس التلفزيون السوري صباح قباني المواطنين إلى استقبال «صديق جديد» في بيوتهم، يحمل رسالة ثقافية ووطنية.

واليوم، وبعد سنوات من الحرب والانقسام، تبدو الحاجة أكثر إلحاحاً إلى إعلام وطني قادر على رأب الصدع، وتقديم خطاب جامع يتجاوز الاصطفافات.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل تستطيع قناة «الإخبارية» الجديدة أن تتحرر من إرث الإعلام الدعائي، وأن تبني ثقة جمهور هجَر الشاشات الرسمية لمصلحة المنصات الحرة والبديلة؟ وهل تكفي النوايا الطيبة والتغييرات الشكلية لتغيير صورة رُسمت طيلة عقود من الخطاب الأحادي والإقصائي؟ الرهان اليوم لا يكمن فقط في تحديث المعدات أو تغيير الوجوه، بل في امتلاك شجاعة السرد الحقيقي لسوريا كما هي: بكل جراحها، وتعددها، وتطلعات أبنائها.

مشاركة المقال: