الأربعاء, 14 مايو 2025 03:20 PM

العقوبات الأمريكية على سوريا: قصة أربعين عامًا من الضغوط.. وهل تحمل انفراجة قريبة؟

العقوبات الأمريكية على سوريا: قصة أربعين عامًا من الضغوط.. وهل تحمل انفراجة قريبة؟

دمشق – نورث برس

منذ عام 1979، بدأت الولايات المتحدة الأميركية فرض عقوبات على سوريا عندما أدرجتها ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب دعمها المعلن لفصائل مثل حزب الله وحركات فلسطينية مصنفة كـ “إرهابية” من قبل واشنطن. ومنذ ذلك الحين، تراكمت العقوبات على دمشق، وتوسعت لتشمل قطاعات حيوية، بدءاً من الأسلحة وحتى الاقتصاد والطاقة.

بداية مسار تصعيدي

في عام 2004، وقّع الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن “قانون محاسبة سوريا”، الذي شدد القيود الاقتصادية بسبب دعمها لحزب الله والتدخل في الشأن اللبناني. مثّل هذا القانون نقلة نوعية في السياسة الأميركية تجاه دمشق، إذ فرض عقوبات اقتصادية وسياسية شملت حظر تصدير معظم السلع الأميركية إلى سوريا، ومنع الطيران السوري من دخول الأجواء الأميركية، وتجميد أصول شخصيات سورية.

جاء القانون على خلفية اتهام سوريا بدعم الجماعات المسلحة مثل حزب الله وحماس، وامتلاك أسلحة دمار شامل بالإضافة إلى الوجود العسكري السوري في لبنان آنذاك، والذي كانت واشنطن تعتبره انتهاكًا للسيادة اللبنانية. ورغم أن تأثيراته الاقتصادية المباشرة كانت محدودة نسبيًا بسبب العلاقات التجارية المحدودة أصلًا، إلا أنه شكّل بداية مسار تصعيدي في السياسة الأميركية تجاه سوريا. كما مهد الطريق لعقوبات أوسع بعد اندلاع الثورة السورية.

وجاءت نقطة التحول الكبرى بعد عام 2011، حيث فرضت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما سلسلة من العقوبات الواسعة ضد النظام السوري السابق (نظام بشار الأسد)، متهمة إياه بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان. وفي عام 2019، جاء “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، الذي أقره الكونغرس الأميركي وبدأ تطبيقه في عهد دونالد ترامب، ليكون أشد العقوبات صرامة على سوريا حتى الآن، مستهدفاً الأفراد والمؤسسات المرتبطة بالنظام، وشملت العقوبات حتى داعمين غير سوريين، مثل شركات روسية وإيرانية.

وقد أصبح ساري المفعول في يونيو/حزيران 2020 بعد أن وقّعه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في ديسمبر 2019 كجزء من ميزانية الدفاع الأميركية. ويحمل القانون اسم “قيصر” تيمّنًا باسم مستعار لمصوّر عسكري سوري منشق (فريد المذهان) الذي سرّب آلاف الصور التي توثّق تعذيب وقتل معتقلين داخل سجون النظام السوري بين عامي 2011 و2013، وقد تم عرض هذه الصور في الكونغرس الأميركي كدليل على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

واستهدف القانون كل من كان يموّل أو يدعم النظام السوري السابق أو يتعامل معه، بما في ذلك: الأفراد والشركات الذين يقدمون الدعم المالي أو المادي للنظام أو لمؤسساته العسكرية والأمنية، كما استهدف الكيانات الأجنبية (بما فيها الروسية والإيرانية) التي كانت توفر خدمات أو صفقات تجارية تساعد النظام على الاستمرار.

وكان الهدف الرسمي من العقوبات حماية المدنيين السوريين من انتهاكات حقوق الإنسان، والضغط على النظام السوري للانخراط في عملية سياسية انتقالية وفق القرار الدولي 2254، ومنع إعادة الإعمار دون ضمانات سياسية واضحة، ولمنع وصول الشركات الداعمة للأسد إلى مشاريع مربحة.

آثار العقوبات

أدت العقوبات الأميركية إلى تدهور الليرة السورية، وازدياد التضخم، وشحّ في السلع، ورغم وجود “استثناءات إنسانية” نظريًا، إلا أن كثيرًا من المنظمات والجهات المانحة تجنبت العمل في سوريا خشية العقوبات، ما زاد من صعوبة إيصال المساعدات. كما حدّت العقوبات من جهود بعض الدول العربية في تطبيع العلاقات مع دمشق، ورغم أنها كانت تهدف إلى الضغط على النظام السوري السابق للقبول بانتقال سياسي وفق القرار الأممي 2254، وردع الانتهاكات، ووقف دعم الإرهاب.

لكن العقوبات فاقمت معاناة الشعب السوري، إذ ساهمت في انهيار الليرة، وتضييق الخناق على الاقتصاد، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية، كما أنها ساهمت فعلياً في تعقيد وصول الغذاء والدواء إلى سوريا.

وفي 20 شباط/ فبراير من العام الجاري، أي بعد نحو شهر من سقوط النظام السابق، قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن سوريا بحاجة إلى أكثر من 50 عامًا على الأقل، للعودة إلى المستوى الذي كان عليه في 2010 قبل اندلاع النزاع إذا ما واصل النمو بالوتيرة الحالية.

وقال حينها، أخيم شتاينر، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنّه “بالإضافة إلى مساعدات إنسانية فورية، يتطلّب تعافي سوريا استثمارات طويلة الأجل للتنمية، من أجل بناء استقرار اقتصادي واجتماعي لشعبها”. وشدّد المسؤول الأممي خصوصاً على أهمية “استعادة الإنتاجية من أجل خلق وظائف والحدّ من الفقر، وتنشيط الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنى الأساسية للخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والطاقة”.

وبحسب معدّل النمو الحالي (حوالي 1.3 بالمئة سنوياً بين عامي 2018 و2024)، فإنّ “الاقتصاد السوري لن يعود قبل عام 2080 إلى الناتج المحلّي الإجمالي الذي كان عليه قبل الحرب”. وتطالب القيادة السورية الجديدة بضرورة رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، والتي تعتبرها أحد العوامل الرئيسة، التي تؤثر على التعافي الاقتصادي في البلاد.

انفتاح مشروط

انتهجت إدارة ترامب نهجاً حذراً تجاه سوريا الجديدة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، حيث لم تعترف رسمياً بحكومة الشرع، لكنها قد أبدت إمكانية للانفتاح مشروط بأفعال إيجابية على الأرض من جانب الحكومة الجديدة.

ومؤخراً قامت إدارة ترامب بخطوة نحو الانفتاح على سوريا اقترنت بقائمة شروط بعضها شديد الصعوبة لرفع العقوبات، تضمنت: التعاون الفعال في مكافحة الجماعات الإرهابية ومنع المقاتلين الأجانب من تولي مناصب حكومية رفيعة، ومساعدة الحكومة الأميركية في تحديد أماكن المواطنين الأميركيين المفقودين وإعادتهم لأميركا خاصة الصحفي أوستن تايس، وتصنيف الحرس الثوري الإسلامي الإيراني رسميا ككيان إرهابي، وتدمير ما لدى سوريا من أسلحة كيماوية، وتنفيذ إصلاحات دستورية واسعة مع بدء حوار وطني وتأسيس برلمان تمثيلي.

ومساء أمس الثلاثاء، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من العاصمة السعودية الرياض، أنه سيوقف العقوبات عن سوريا لمنح الحكومة السورية فرصة جديدة، وهو ما رحّبت به وزارة الخارجية السورية على الفور.

ويرى مراقبون وخبراء اقتصاد أن رفع العقوبات الأميركية يمكن أن يُحدث تحولًا جذريًا في الاقتصاد السوري، حيث سيسمح بفتح الأسواق أمام البضائع والسلع الأساسية، مما يسهل الحصول على المواد الغذائية والدوائية في حين رأى الخبير السوري في التحليل الاقتصادي, عابد فضيلة، أنه “ربما من المبكر الحديث عن حجم التأثير الإيجابي لرفع العقوبات الأميركية الذي تم الإعلان عنه مؤخراً، لكنه سيخلق مبدئياً مناخاً استثمارياً إيجابياً وقوياً للمستثمرين السوريين وغير السوريين”، بحسب موقع العربية نت.

فيما رغم التخفيف المحتمل للعقوبات الأميركية، تبقى هناك تحديات كبيرة تواجه هذا المسار، بما في ذلك استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والتهديدات الأمنية، فالأوضاع الحالية تتطلب استعادة الثقة بين مختلف فئات المجتمع السوري، وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: