الأربعاء, 14 مايو 2025 12:49 AM

"مشروع مارشال السوري": رؤية جديدة لإعادة إعمار سوريا وتنمية الشرق الأوسط

"مشروع مارشال السوري": رؤية جديدة لإعادة إعمار سوريا وتنمية الشرق الأوسط

يسرى المصري:

يرى مراقبون أن البراغماتية التي يتمتع بها الرئيس أحمد الشرع تمنح فرصة كبيرة لإعادة إعمار سورية وبناء نموذج تنموي ناجح في المنطقة. وتعتبر مرحلة إعادة الإعمار المفتاح الأساسي لمستقبل سوريا، حيث يعتمد النجاح فيها على الاستفادة من التجارب الدولية السابقة، وعلى رأسها مشروع "مارشال" الذي ساهم في إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وتتطلع الرؤية الحكومية اليوم إلى تكرار هذا النموذج في سوريا.

ومع الدعوات الخليجية والغربية لعودة الاستقرار إلى سوريا والخروج من حالة الركود الاقتصادي، يكتسب "مشروع مارشال السوري" زخماً حقيقياً إذا طُرح ضمن تفاهمات دولية أوسع. وتؤكد البراغماتية السورية دعم المصالحة المجتمعية وتنمية الاقتصاد وإطلاق بنية تحتية تكنولوجية وسياحية فاعلة.

مع تطور الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، تكتسب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج أهمية استثنائية في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتفاقمة. وبينما تتناول اللقاءات ملفات الاستثمار والطاقة والأمن الإقليمي والسلام، يبرز "مشروع مارشال السوري" كبند محتمل على جدول المباحثات، بوصفه رؤية إستراتيجية متكاملة لإعادة إعمار سوريا وإعادة ضبط التوازن الإقليمي عبر التنمية لا النزاع.

في عالم عربي مثقل بالصراعات، وأمام قوى دولية تتردد بين التدخل والانسحاب، يقدّم "مشروع مارشال السوري" بصيص أمل ونموذجاً بديلاً، لا يقوم على تقاسم النفوذ، بل على شراكة تنموية حقيقية. ويتوقف نجاح هذا المشروع على إرادة سياسية سورية صادقة منفتحة على الجميع، وشبكة إقليمية- دولية ترى في سوريا فرصة للتعافي، لا ساحة للصراع المفتوح.

لا يقتصر المشروع على الداخل بل يضع سوريا في قلب منظومة اقتصادية جديدة تربط الخليج بتركيا وأوروبا عبر الموانئ وخطوط الغاز والطاقة.

ما هو مشروع مارشال الأميركي؟

هو برنامج اقتصادي ضخم أُطلق عام 1947 لإعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. سُمّي المشروع باسم وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جورج مارشال، وتم تقديمه رسمياً في 5 يونيو/حزيران 1947. بلغت قيمته 13 مليار دولار، وامتد تنفيذه من أبريل/نيسان 1948 حتى يونيو/ حزيران 1952. خلال هذه الفترة، استعادت غالبية دول أوروبا الغربية عافيتها الاقتصادية، وأعادت بناء قدراتها الإنتاجية الصناعية والزراعية، وتمكنت خلال أربعة أعوام من تحقيق معدلات نمو عالية للناتج القومي الإجمالي تراوحت بين 15% و25%.

شراكة إنمائية أم مقايضة سياسية؟

في سياق سياسي لافت، طرح الرئيس أحمد الشرع مشروع مارشال خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس إيمانويل ماكرون. وأعرب عن رغبته في تعزيز العلاقات مع الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، من خلال رؤية لإعادة إعمار سوريا على غرار خُطّة مارشال. كما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال بأن الرئيس الشرع بعث برسائل إلى البيت الأبيض يعرض فيها رؤيته لإعادة الإعمار، ومن المتوقع عقد اجتماع مع الرئيس الأميركي ترامب خلال زيارته إلى الخليج.

نجاح هذا المشروع مشروط بدعم غربي جادّ، ليس من أجل سوريا فحسب، بل من أجل إعادة هندسة توازنات الشرق الأوسط على أسس تنموية تشاركية، بديلاً عن التنافس العسكري التقليدي. كما إن الاتحاد الأوروبي يرى فيه وسيلة لاحتواء تداعيات ما بعد سقوط النظام البائد سواء من حيث موجات اللجوء، أو التهديدات الأمنية.

بصيغة سورية يستعير المشروع اسمه من الخطة الأميركية، لكنه لا يكتفي بالمساعدات أو إعادة الإعمار التقليدي، بل تطرح الرؤية السورية تصوراً شاملاً لإعادة بناء الدولة السورية على أسس سياسية واقتصادية عادلة، من خلال تأسيس بنى مؤسساتية مدنية .ودعم العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية. وتنمية الاقتصاد الإنتاجي بعيداً عن الرَّيعية. وإطلاق بنية تحتية تكنولوجية وسياحية فاعلة. ويُقدّر الخبراء الاقتصاديون التكلفة الإجمالية للمشروع بأكثر من 250 مليار دولار، تمتد على ثلاث مراحل حتى عام 2035، بتمويل من دول الخليج، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى استثمارات خاصة.

الخليج وأوروبا شريكان

لا يقتصر المشروع على الداخل السوري، بل يضع سوريا في قلب منظومة اقتصادية جديدة، تربط الخليج بتركيا، وأوروبا عبر الموانئ وخطوط الغاز والطاقة. يتوقع أن يلعب الخليج دوراً مركزياً في تمويل مشاريع البنية التحتية والطاقة، وتحفيز القطاع الخاص الخليجي للدخول في شراكات طويلة الأمد.

ويرى خبراء أنّ هذا التكامل يمكن أن يقلص موجات الهجرة غير الشرعية.ويضعف من بيئات التطرف.ويفتح أسواقاً جديدة للاستثمار الخليجي والأوروبي. كما يعيد تعريف سوريا كممر إستراتيجي للطاقة والتجارة.

وادي السيليكون

من أبرز ابتكارات المشروع، اقتراح إنشاء "وادي السيليكون السوري" في مدينة حلب، كمنطقة تكنولوجية حرة، تحتضن الشركات الناشئة والابتكار الرقمي، وتُشجّع على عودة الكفاءات السورية من المهجر.

كما يسعى المشروع إلى إحياء المواقع السياحية التاريخية في تدمر، حلب القديمة، دمشق، إدلب، وحماة، وربطها بسياحة دينية وثقافية تُدرّ دخلًا طويل الأمد وتعزز من الهوية الوطنية.

ضمانات النجاح

يرتكز نجاح المشروع حسب الخبراء على إنشاء هيئة رقابة مستقلة تخضع لبرلمان انتقالي سوري، وتنشر تقارير مالية ربع سنوية، وتخضع لتدقيق خارجي من شركات عالمية. ويُعد إشراك المجتمع المدني السوري عنصراً حاسماً في منع تسييس المشروع وتحويله إلى أداة نفوذ بيد أي طرف. الاستفادة من الكفاءات السورية الاقتصادية والتقنية والإدارية، خاصة المغتربين الذين اطلعوا خلال الأعوام الماضية على معايير الجودة والتنفيذ للاستفادة منها وتجاوز السلبيات التي كانت تعترضهم.

سوريا جديدة

لا يهدف المشروع فقط إلى معالجة تداعيات ما بعد الحرب بل إلى إعادة تشكيل الدولة السورية من خلال تعزيز اللامركزية الإدارية، ودعم الإنتاج المحلي، وربط سوريا بشبكات نقل وطاقة إقليميّة.

يرى مراقبون أن المشروع قد يوجّه اهتمام القوى الدولية نحو أدوات التنمية بدل القوة، إذا ما توافرت تسوية سياسية وتوافق إقليمي- دولي يمنح المشروع شرعيته.

أخبار سوريا الوطن

١-الحرية

مشاركة المقال: