في بلدة دركوش بريف إدلب الغربي، يواجه مستشفى "الرحمة" خطر الإغلاق بعد توقف الدعم الأممي عنه نهاية نيسان/أبريل 2025. ويثير هذا التوقف قلقًا واسعًا بين السكان والكوادر الطبية، نظرًا لأهمية المستشفى كجهة وحيدة تقدم الخدمات الصحية لآلاف العائلات في منطقة تعاني من تهميش إعلامي وغياب البدائل الطبية.
من مستشفى مرجعي إلى خطر التوقف الكامل
مدير مستشفى "الرحمة"، الدكتور أحمد غندور، يشرح في حديث خاص لمنصة سوريا 24 الواقع الحالي قائلاً: "افتتحت مستشفى الرحمة وبدأ العمل بها منذ أواخر عام 2012، في وقت كانت فيه المنطقة تفتقر لأدنى مقومات الرعاية الصحية، واليوم أصبح يغطي خدماته لنحو 750 ألف نسمة، بين نازحين ومقيمين في منطقة جغرافية واسعة تمتد من ريف دركوش إلى الحدود مع الساحل".
ويضيف: "نستقبل شهريًا أكثر من 25 ألف مستفيد، في أقسام متعددة تشمل العيادات الخارجية، وأقسام الأشعة (التصوير الطبقي والإيكو)، المخبر، الصيدلية، قسم غسيل الكلى، الأطفال، العناية المركزة للبالغين، الجراحة، الطوارئ، وحتى التعقيم".
ما يميز مستشفى "الرحمة" بحسب غندور، هو أنه بات مرجعًا طبيًا للمناطق المجاورة، نظرًا لاحتوائه على تخصصات غير متوفرة في معظم المشافي العاملة في المنطقة، "بعض هذه المستشفيات أُغلقت، وأخرى دُمّرت خلال سنوات الحرب، مما جعل مستشفانا الخيار الأول والأخير للكثيرين"، وفق تعبيره.
توقف الدعم يهدد كل شيء
الصدمة الكبرى جاءت مع إعلان الأمم المتحدة عن توقف المنحة المقدمة عبر مكتب الشؤون الإنسانية (OCHA) اعتبارًا من 30 نيسان، وهو ما انعكس فورًا على واقع المستشفى. يوضح غندور: "أوقفنا عددًا من الخدمات الجراحية بسبب نفاد المواد الطبية، والمولدات لم يعد بالإمكان تشغيلها بشكل مستمر، ما أثر على أقسام العناية والإسعاف، وبدأنا بتقليص ساعات العمل تدريجيًا. الكادر الطبي الآن يعمل بشكل تطوعي، لكنه مهدد بالتوقف هو الآخر إذا لم يتم إيجاد حلول فورية".
ويتابع بأسف: "نحن لا نملك رفاهية الانتظار، فالمنطقة تضم كثافة سكانية مرتفعة، وهناك فئات هشة مثل الأطفال، والمرضى المزمنين، والحوامل، لا يمكنهم تحمل تبعات هذا الانقطاع. المستشفى يخدم منطقة حيوية ليس فقط طبيًا، بل هي أيضًا منطقة زراعية وسياحية وتجارية، يقصدها السكان من مناطق مختلفة".
قلق وتخوف بين الأهالي
الشارع المحلي في دركوش لم يكن بمنأى عن تبعات الأزمة. عباس علاء الدين، أحد أبناء المنطقة، يقول لمنصة سوريا 24: "إيقاف الدعم عن مستشفى الرحمة كارثة حقيقية، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعيشها، المستشفى كان الملاذ الوحيد للفقراء. لا أحد منا يستطيع تحمل تكلفة العيادات الخاصة، وأقرب مشفى مجهّز يبعد أكثر من 40 كم في مدينة إدلب، وفي الحالات الطارئة هذا يعني فرقًا بين الحياة والموت".
ويتابع علاء الدين: "نحن نطالب المنظمات الدولية والمحلية بإعادة النظر فورًا بهذا القرار، لأن نتائجه ستكون وخيمة على مئات الآلاف من الناس الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يعيشون في منطقة منكوبة".
مستشفى الرحمة… رحمة الفقراء
بدوره، يقول أيمن نادر حاج حسن، وهو أحد سكان بلدة دركوش: "مشفى الرحمة هو فعلاً رحمة للفقراء، يخدم مناطق واسعة من ريف إدلب الغربي، وحتى من مناطق الساحل القريبة، أنا شخصيًا أجريت لزوجتي عملية جراحية هنا، كان يمكن أن تكلفنا أكثر من 300 دولار في مشفى خاص، بينما هنا أُجريت مجانًا".
ويضيف بحرقة: "هذا المشفى يستقبل أكثر من 30 ألف مراجع شهريًا، ولا يمكن تخيّل حجمه الحقيقي إلا من كان قريبًا منه. القائمون عليه من أفضل الكوادر الطبية الموجودة في الشمال، من أطباء إلى ممرضين، المرضى هنا يشعرون وكأنهم في منازلهم، وهذا نادر جدًا في ظروف الحرب".
ويختم حاج حسن: "نطالب كل من يستطيع أن يساعد، من منظمات وجهات حكومية وإنسانية، بألّا يُترك هذا المستشفى ينهار. نحن لا نطلب ترفًا، نطلب فقط الحق في الحياة".
إنذار مبكر لأزمة أكبر
إن ما يحدث في مستشفى "الرحمة" ليس حالة منفصلة، بل مؤشر على أزمة صحية كبرى تتفاقم في شمال غرب سوريا، حيث باتت المنظومة الصحية هشّة، تعتمد بشكل كامل على المساعدات الإنسانية التي تتقلص عامًا بعد عام. ومع توقف الدعم عن أكثر من 150 منشأة صحية في المنطقة، قد يشهد العام الجاري انهيارًا تدريجيًا للرعاية الطبية المجانية، ما يترك ملايين السوريين عرضة للموت البطيء بصمت.