في الوقت الذي تقدم فيه تل أبيب نفسها كحامية لدروز سوريا، انتشر خطاب الكراهية ضد هذه الطائفة التي تشكل ثلاثة بالمئة، رغم موقف العديد من الناشطين الدروز ضد إسرائيل.
سوريون ينددون بالعدوان الإسرائيلي على بلادهم، ضمن مظاهرة في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية. خرج السوريون في جميع أنحاء البلاد، في 18 آذار/ مارس الحالي، إلى الشوارع إحياءً لذكرى الثورة، باستئناف إسرائيل حربها على غزة، بالإضافة إلى غاراتها على سوريا ولبنان. المتظاهرون في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، وفي ضاحية جرمانا بدمشق، المعروفة بكثافة السكان الدروز هتفوا “سوريا حرة حرة، صهيوني اطلع برا”. في الليلة السابقة للمظاهرات، شنت إسرائيل أكثر من 30 غارة جوية على محافظة درعا المجاورة للسويداء، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين وإصابة 18 آخرين. وفي 25 شباط/ فبراير، خرجت مظاهرات مماثلة في جرمانا ومدينة السويداء تنديداً في محافظتي القنيطرة ودرعا جنوب غرب البلاد.
ومن المعروف أن جرمانا والسويداء -وبعض قرى القنيطرة- تضم أعداداً كبيرة من الدروز، وهم أقلية دينية تشكل من إجمالي سوريا. مفيد كرباج، 43 عاماً، ناشط مدني درزي مقيم في جرمانا، شارك في مظاهرات 18 آذار/ مارس و25 شباط/ فبراير ضد إسرائيل، معتبراً أنها “حتى اليوم هي دولة احتلال وقتل“، في إشارة إلى الحرب المستمرة ضد غزة واحتلال الضفة الغربية، وأضاف: “كما كنا نرفض التدخل الإيراني فإننا نرفض أي تدخل إسرائيلي في سوريا“.
وبينما تسعى إسرائيل إلى وجودها في الأراضي السورية، أصدرت مراراً وتكراراً بيانات تصور نفسها على الحامي لدروز سوريا. في الأول من آذار/ مارس، وفي أعقاب التي وقعت في جرمانا بين الفصائل الدرزية المحلية وقوات الأمن العام التابعة للحكومة المركزية، هددت تل أبيب بالتدخل العسكري. “نحن ملتزمون تجاه إخواننا الدروز في إسرائيل ببذل كل ما في وسعنا لمنع إلحاق الأذى بإخوانهم الدروز في سوريا، وسنتخذ كل الخطوات المطلوبة للحفاظ على سلامتهم”، هذا ما أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في له في اليوم نفسه. وفي الأسبوع الماضي، قال كاتس أنه سيتم للدروز السوريين بعبور الحدود والعمل في مرتفعات الجولان المحتل. وفي الأسابيع الماضية، قدمت إسرائيل أيضاً مساعدات إنسانية إلى المجتمعات الدرزية في جنوب سوريا، وفقاً لوزارة خارجيتها. وفي 14 آذار/ مارس، سمحت تل أبيب لمئة رجل دين درزي بزيارة تاريخية والاجتماع مع نظرائهم في مرتفعات الجولان المحتل.
وفي الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بمبادرات متزايدة تجاه دروز سوريا، انتشر خطاب الكراهية ضد الطائفة الدرزية في سوريا، كما يقول سكان جرمانا والسويداء، على الرغم من الجهود التي يبذلها العديد من النشطاء الدروز للنأي بأنفسهم عن إسرائيل.
“ورقة ضغط”
”عندما أعلنت [إسرائيل] للعالم أنها ستحمي الأقليات، بما في ذلك الدروز، لم يكن ذلك من أجل الدروز”، كما قالت الناشطة المدنية والنسوية رولا عبد الباقي (اسم مستعار)، 40 عاماً، طالبة من “سوريا على طول” عدم الكشف عن هويتها. شاركت عبد الباقي في الاحتجاجات ضد التدخل الإسرائيلي في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء في أواخر شباط/ فبراير الماضي. وأضافت عبد الباقي: ”نحن ذريعة لتنفيذ أجندة إسرائيل ومصالحها“، مشيرة إلى أن “إسرائيل تريد السيطرة على الجنوب لمنع القوات الجهادية من التواجد على حدودها“.
كان الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع (المعروف سابقاً باسمه الحركي أبو محمد الجولاني) قائداً لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، التابعة لتنظيم القاعدة قبل أن يعلن فك ارتباطه بها. ”في النهاية، تريد إسرائيل حماية حدودها، لذا طلبت إقامة منطقة منزوعة السلاح في السويداء ودرعا” قال الصحفي عادل شرف الدين المقيم في السويداء لـ”سوريا على طول”، مشدداً على أن تل أبيب تعمل “من أجل حماية حدودها وليس لأنها تحب الدروز”. في الأيام التي أعقبت سقوط نظام الأسد، قصفت إسرائيل معظم الترسانة العسكرية السورية، مستهدفةً القواعد العسكرية في جميع أنحاء البلاد. وفي 23 شباط/ فبراير، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل لن تسمح للجيش السوري الجديد ”دخول المنطقة الواقعة جنوب دمشق“، مطالباً بـ”نزع السلاح“ من المحافظات الجنوبية.
“نحن ورقة ضغط”، قال ضياء العبد الله، 52 عاماً، من السويداء، الذي تعرض للاعتقال والتعذيب أكثر من مرة، مرة في عام 2000 ومرة أخرى في عام 2011 على خلفية مشاركته في الثورة السورية المناهضة للأسد. لكن بالنسبة لكل من عبد الباقي والعبد الله، ليس على دروز سوريا أن يدافعوا عن أنفسهم من محاولات إسرائيل لاستخدامهم كأداة سياسية، وإنما “هذه قضية سورية داخلية من مسؤولية الحكومة المؤقتة الرد عليها”، بحسب العبد الله. بعد 14 عاماً من الثورة والدعوات إلى وحدة الصف السوري ليس من ”مسؤولية” مجتمعهِ أن يستجيب لها، بحسب العبد الله الذي أمضى سنوات في السجن، ويعتقد أنه أثبت وطنيته. ومن جهتها، قالت عبد الباقي أن نتنياهو “الذي أدلى بتلك التصريحات هو المسؤول عنها، لسنا بحاجة إلى تبرير وطنيتنا”، مضيفة بحزم “نحن لسنا انفصاليين”. كانت عبد الباقي من المشاركات الثابتات في حراك السويداء بساحة الكرامة. بدأت احتجاجات السويداء المطالبة بإسقاط النظام في عام 2023، وبعد سقوطه استمرت عبد الباقي في المشاركة بالوقفات أسبوعياً للتعبير عن رأيها في التطورات المتغيرة في البلاد.
تصاعد الطائفية
قال عادل شرف الدين، الصحفي المقيم في السويداء، أن “تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تتسبب في زيادة الطائفية ضد الدروز”. وأيضاً، هناك نوع من خطاب الكراهية “من قبل الفصائل المتشددة التي تتحدث باسم الإسلام ضد الدروز بسبب تصريحاته [نتنياهو] بشأن الانفصال وحماية الدروز”. واستشهد شرف الدين بتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتليجرام. على سبيل المثال، في 13 آذار/ مارس، نشرت قناة الجزيرة مقطع فيديو يُظهر تسليم إسرائيل عشرة آلاف طرد غذائي إلى السويداء بشكل أساسي. وجاء في أحد التعليقات “ليعلم الدروز أن الذين قدموا لهم هذه المساعدات هم نفسهم الذين منعوها عن أهل غزة”، معممين بذلك على جميع السكان الدروز. وفي تعليق آخر على خبر الجزيرة وصف أحد الأشخاص الشيخ حكمت الهجري، وهو من أهم الزعماء الروحيين للدروز في سوريا، بأنه “عميل لإسرائيل”. تعرض الهجري لانتقادات في الأسابيع الأخيرة في إطار موقفه السياسي المعارض للاتفاق بين السويداء وحكومة دمشق.
بالنسبة للناشط السياسي باسل جانبيه، 54 عاماً، وهو من السويداء، فإن أي ارتفاع في خطاب الكراهية لا يعود إلى إسرائيل بقدر ما يعود إلى حرية التعبير، قائلاً: “مع سقوط الطاغية بشار الأسد وصعود الجولاني [الشرع] إلى السلطة، وجد الناس نوعاً ما مساحة من الحرية، وهذا أدى إلى ارتفاع خطاب الكراهية”. ”لقد وصل أهل السنة إلى الحكم بعد 54 عاماً من القمع والاضطهاد، لكنهم للأسف وقعوا في نفس الفخ، ومارسوا القمع والاضطهاد ضد بقية الطوائف”، من وجهة نظر جانبيه.
من جهته، رأى إبراهيم الخطيب من ، وهي منظمة مجتمع مدني سورية تعمل على بناء السلام، أن الكراهية نمت جذورها في عهد نظام الأسد، مشيراً إلى أن النظام نصّب نفسه “حامي الأقليات” وروّج إلى أن الدروز موالون له. لم تخضع محافظة السويداء، على عكس أجزاء كثيرة من البلاد، لسيطرة المعارضة، رغم حركة الاحتجاجات القوية المناهضة للنظام، التي بدأت في آب/ أغسطس 2023. وقد احتفظ الدروز بدرجة من الاستقلالية عن النظام خلال الحرب، واستفادوا بشكل خاص من الإعفاء الفعلي من التجنيد الإجباري.
وقال الخطيب في حديثه لـ”سوريا على طول”: ”هناك ميل لدى الكثير من السوريين اليوم للقول بأن الدروز كانوا موالين للنظام السابق، والتحريض [الحالي] مبني على ذلك”. رسخ نظام الأسد لدى السوريين على أن “الدروز انفصاليون ويريدون إقامة دولة”، رغم أنهم يفتخرون بشخصيات وطنية مثل سلطان باشا الأطرش الذي قاوم الفرنسيين ودعا إلى سوريا موحدة، بحسب الخطيب. وذهب الخطيب أيضاً إلى أن التحريض ضد الدروز تفاقم بسبب التصريحات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة. ونتيجة لذلك، هناك تصور أن الدروز “يريدون الانفصال عن سوريا لصالح إسرائيل، وهذا الأمر قد يقودنا إلى تصورات سيئة للغاية تؤدي إلى اقتتال أهلي”، أو قد تصل إلى “حرب طائفية أو أهلية”.
وإدراكاً منها لهذه المخاطر، تعمل منظمات المجتمع المدني، مثل ، التي تتخذ من السويداء مقراً لها، على مكافحة خطاب الكراهية، وفي هذا الإطار وفرت المنظمة تدريباً للصحفيين لمواجهة خطاب الكراهية بين السويداء ودرعا المجاورة، بالإضافة إلى أجزاء أخرى من سوريا. “حاول النظام المخلوع زعزعة السلم المجتمعي [بين المحافظتين] من مبدأ فرّق تسد”، كما أوضح هشام الجوهري، مدير المشاريع في منظمة بلدي، لذا “يجب أن يكون هناك تواصل [مباشر] بين جميع المكونات الاجتماعية للشعب السوري، بعيداً عن الخطاب على صفحات التواصل الاجتماعي”، وقد يكون ذلك على شكل جلسات حوارية، وفقاً له.
ومع ذلك، شدد الجوهري في حديثه لـ”سوريا على طول” على أن مكافحة خطاب الكراهية ليس من اختصاص منظمات المجتمع المدني فقط، وإنما “الحكم التشاركي وبناء الدولة وصياغة الدستور يساعد في الحد من الانقسامات بين مكونات سوريا”، وهذا بدوره “يخفف من العداوة بين الأفراد ويوحدهم في بناء الوطن الذي يحلم به كل سوري”.