فردوس دياب: تحت قوس حي القنوات بدمشق، يفترش الطفلان محمد (5 سنوات) وأخوه لؤي (3 سنوات) الرصيف، في صورة تعكس أزمة مجتمعية عميقة تتطلب مقاربة حكومية جادة لمواجهة تفاقم هذه الظاهرة. وفي هذا السياق، أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ضمن خطتها الوطنية لمعالجة التسول، حملة ميدانية في 30 تشرين الثاني 2025، استهدفت مناطق حيوية مثل جسري الحرية وفيكتوريا وساحة الأمويين والشامي، وذلك بالتنسيق مع وزارات الأوقاف والداخلية والدفاع المدني ومحافظتي دمشق وريفها، وبمشاركة متطوعين وأخصائيين وداعمين نفسيين، بهدف إقناع الأطفال بأن الشارع ليس مكانًا آمنًا وتوجيههم نحو مراكز الرعاية والتأهيل.
وفي تصريح لـ "الثورة السورية"، أوضحت رئيسة مكتب مكافحة التسول والتشرد بدمشق، خزامى النجاد، أن الإحصائيات تشير إلى وجود حوالي 1200 حالة تسول في دمشق و900 في ريفها. وأضافت أنه تم تدريب الكوادر المشاركة في الحملة وتجهيز ثلاثة مراكز جديدة لرعاية المتسولين في منطقة باب مصلى بدمشق، الأول للإناث (4-18 سنة) بطاقة استيعابية 90 حالة، والثاني للعائلات (40 حالة)، والثالث في مدينة الكسوة بريف دمشق.
على مقربة من الطفلين محمد ولؤي، يركض خمسة أطفال (5-10 سنوات) عند إشارة مرور المجتهد، بعض المارة يعطيهم نقودًا، والبعض الآخر يتجاهلهم. وفي مدخل أشرفية صحنايا بريف دمشق، يتضح أن التسول أصبح مهنة يمتهنها الأطفال، وعندما يقل دخلهم اليومي، يلجؤون إلى جمع القمامة بحثًا عن الكرتون والبلاستيك لبيعها.
الدكتورة رشا شعبان، أستاذة كلية الآداب بجامعة دمشق، ترى أن ظاهرة تسول الأطفال ليست جديدة، بل هي نتيجة طبيعية لـ 14 عامًا من الحرب وتداعياتها على الأسر والأطفال. وتحذر من التعامل مع الظاهرة كأمر عادي، مؤكدة أنها تستغل من قبل شبكات منظمة للاتجار بالأطفال، وأن التسول والتشرد وجهان لعملة واحدة، يؤديان إلى أمراض اجتماعية خطيرة مثل تعاطي المخدرات والانحرافات. وتضيف أن "طفل الشارع" قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.
تؤكد الدكتورة شعبان على أهمية التعاون بين الوزارات لتحليل الظاهرة وفهم أسبابها ومعالجتها، مشددة على ضرورة دراسة الأسباب الحقيقية للتسول، مثل التسرب المدرسي وعدم محاسبة الأهل، وضرورة وجود شرطة متخصصة بمتابعة أطفال الشوارع، بالإضافة إلى برامج التوعية في الجوامع والمراكز الثقافية.
أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بالتعاون مع محافظتي دمشق وريف دمشق وعدد من الوزارات والمنظمات غير الحكومية، حملة ميدانية لمعالجة التسول في المحافظتين، تهدف إلى مكافحة تسول الأطفال وحمايتهم من الاستغلال من خلال فرق تطوعية تقوم بتوجيه الأطفال إلى مراكز آمنة لفترة تتراوح بين ستة أشهر وعام، وتمكين ذويهم. وأكد العقيد أحمد محمد دغمة من وزارة الداخلية تشكيل غرفة طوارئ تضم مندوبين من مختلف الوزارات، وتكليف مديريات الأمن بتقسيم العمل إلى قطاعات بالتعاون مع المجتمع المدني.
تشمل الخدمات التي تقدمها المراكز التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل: الإيواء، إدارة الحالة، الدعم النفسي وتعديل السلوك، التدريب المهني (15-18 عامًا)، الرعاية الصحية، الخدمات القانونية للأطفال مكتومي القيد، وتعليم الأطفال المتسربين من المدارس، وفقًا للنجاد. وتتراوح مدة الإقامة بين 6 أشهر وعامين، يخضع خلالها الطفل للتأهيل وتعديل السلوك، مع تمكين الأهل اقتصاديًا واجتماعيًا، وتخصيص مختص لكل 20 حالة، مع متابعة لاحقة لضمان عدم العودة إلى الشارع. وكانت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات قد ناقشت خطة وطنية لمعالجة الظاهرة، وعقدت لجنة معالجة التسول اجتماعها الأول لبحث الاستعدادات لإطلاق حملة وطنية للحد من انتشار التسول وتعزيز آليات الحماية والتأهيل.