الأربعاء, 3 ديسمبر 2025 10:04 PM

ألمانيا: تصاعد مقلق في التطرف وجرائم العنف بين القاصرين.. ما الأسباب؟

ألمانيا: تصاعد مقلق في التطرف وجرائم العنف بين القاصرين.. ما الأسباب؟

تشهد ألمانيا تصاعدًا ملحوظًا في جرائم العنف التي يرتكبها القاصرون، بالإضافة إلى تنامي ظواهر التطرف بينهم، مدفوعين بضغوط نفسية وأزمات متلاحقة وعزلة رقمية. هذه العوامل تجعل بعض الشباب عرضة للاستقطاب ومحاولات تنفيذ هجمات تستنفر الأجهزة الأمنية.

من الأمثلة على ذلك، الهجوم الذي كان يستهدف سوقًا لعيد الميلاد في مدينة ليفركوزن الألمانية بولاية شمال الراين وستفاليا. الشابان، البالغان من العمر 15 و17 عامًا والمرتبطان بتنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي (داعش)، كانا يخططان لقتل أكبر عدد ممكن من الناس باستخدام شاحنة. تم إلقاء القبض عليهما قبل يومين من تنفيذ الهجوم المخطط له، وذلك بعد تتبع محادثاتهما على الإنترنت. وفي عام 2024، حُكم على هذين القاصرين، المنحدرين من أفغانستان وجمهورية الشيشان الروسية ذات الحكم الذاتي، بالسجن لمدة أربع سنوات. وتعتبر هذه القضايا مصدر قلق متزايد لسلطات الأمن الألمانية.

سجل المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية في ألمانيا زيادة حادة في جرائم العنف منذ سنوات. ارتفع عدد المراهقين المشتبه بهم (حتى 17 عامًا) بنحو الثلث تقريبًا منذ عام 2019، بينما ارتفع عدد الأطفال (حتى 13 عامًا) بنحو الثلثين. تشير إحصاءات الجرائم الشرطية الحالية إلى وجود مؤشرات على ظهور ضغوطات نفسية متزايدة لدى الأطفال والمراهقين. وعلى الرغم من أن الضغوطات النفسية ليست سببًا مباشرًا للسلوك الإجرامي، إلا أنها يمكن أن تزيد من احتمالية ارتكاب الجرائم (العنيفة) بالاشتراك مع عوامل سلبية أخرى.

تشمل المخاطر بشكل خاص العنف داخل الأسرة، وانعدام المودة والعطف لدى الوالدين، والفقر، والخوف من المستقبل بسبب الأزمات المجتمعية المتعددة مثل الحرب وتغير المناخ وجائحة كورونا. يرى المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية أن القاصرين الذين فروا من بلدانهم الأصلية معرضون للخطر بشكل خاص، لأنهم وحيدون ويبحثون عن إجابات لأسئلتهم حول معنى الحياة على الإنترنت، مما يجعلهم عرضة لمواقع المتطرفين دينيًا أو سياسيًا.

منذ أكثر من 20 عامًا، تهتم “شبكة الوقاية من العنف” (VPN) ومقرها في برلين بهؤلاء الأشخاص. هذه المنظمة غير الحكومية تعتبر جهة اتصال مهمة للسلطات الأمنية في ألمانيا في مكافحة التطرف. يحذر مديرها توماس موكه من تزايد عدم التواصل مع الأطفال والشباب، ويؤكد على أهمية الحوار مع الشباب وفيما بينهم في إطار محمي حتى لا ينحرفوا عن الطريق الصحيح. ويضيف موكه أنهم يستطيعون هنا أن يقولوا ما يصعب على البالغين قوله، مما يتيح النقاش معهم وجعلهم منفتحين على وجهات نظر جديدة. ويختتم موكه بالقول: “وإذا فقدنا هذه القدرة على التواصل، فسيكون المتطرفون قد انتصروا”.

يذكر تقرير المكتب الاتحادي لحماية الدستور لعام 2024 أن جرائم العنف اليمينية المتطرفة غالبًا ما يسبقها تطرف على الإنترنت، ويشمل ذلك استهلاك الدعاية في منصات مثل إنستغرام وتيك توك، بالإضافة إلى شبكة تواصل واسعة النطاق مع أشخاص متشابهين في التفكير عبر منصات مثل تيليغرام أو ديسكورد. ويخلص التقرير إلى أن الإنترنت يشكل فضاءً افتراضيًا للشباب للتعبير عن آراء معادية للبشر وعنيفة.

كمثال على ذلك، مجموعة “يونغ أوند شتارك” (شباب وأقوياء)، التي اشتهرت في عام 2024 عبر حسابها على إنستغرام. هذه المجموعة اليمينية المتطرفة، المنفصلة عن المشاهد اليمينية المتطرفة الإقليمية وفوق الإقليمية القائمة، تمثل تحول العديد من الشباب – وبعضهم قاصرين – إلى التطرف اليميني. يستخدم أعضاء “يونغ أوند شتارك” عناصر أيديولوجية للتحريض، ويستهدفون صور العدو، التي تشمل حركة “أنتيفا” اليسارية وكذلك “مجتمع الميم”.

تلاحظ شبكة الوقاية من العنف أن إخراج الأطفال والشباب المتطرفين من عزلتهم الافتراضية يزداد صعوبة باستمرار. فريدة أكتاش، من قسم “التطرف بدوافع دينية”، تشعر بقلق متزايد بشأن الخطاب السياسي والاجتماعي، وتؤكد على ضرورة استعادة القدرة على الحوار. وتشدد على أهمية عدم تصنيف الشباب مباشرة في زاوية معينة بسبب تصريحات مشكوك فيها، بل التعامل مع مشاعرهم. وتضيف أكتاش أنها تشهد حتى في عام 2025 في حوارات مع قاصرين متطرفين أن تداعيات جائحة كورونا ما تزال تلعب دورًا، وأن الكثيرين يشعرون أن لا أحد وقف إلى جانبهم، مما يدفعهم إلى التواصل في مجموعات قد تجذبهم إلى التطرف اليميني أو الإسلاموي.

يشير توماس موكه إلى أن المشكلة الأساسية التي يواجهها الكثير من الآباء والأمهات هي عدم تعرفهم على خطر تحول أطفالهم إلى التطرف، مما يزيد من أهمية الاتصال بمراكز الإرشاد في حالة الشك. وقد تعاملت شبكة الوقاية من العنف خلال العشر سنوات الماضية مع 431 حالة “ذات صلة بالخطر”، من بينهم 75 “شخصًا شديدي الخطر” يشكلون خطرًا كبيرًا جدًا على السلامة العامة، بالإضافة إلى 65 شابًا متطرفًا انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) وعادوا من سوريا إلى ألمانيا.

يقيس موكه نجاح عمله من خلال معدل العودة للإجرام بين الشباب الذين يبحث معهم عن طريق للخروج من الأوساط المتطرفة، والنتيجة مشجعة جدًا: فقد عاد للإجرام شخصان فقط من بين 431 فتى وفتاة. (DW)

مشاركة المقال: