الإثنين, 1 ديسمبر 2025 11:56 AM

دير الزور: عودة إلى البوعمر والعبد تكشف دماراً واسعاً وأزمة خدمات خانقة

دير الزور: عودة إلى البوعمر والعبد تكشف دماراً واسعاً وأزمة خدمات خانقة

علي البكيع – دير الزور

على امتداد الطريق المحاذي لنهر الفرات، كان محمد حمدان الذياب يسير ببطء نحو منزله في البوعمر. بعد سنوات قضاها نازحاً في دمشق، كان يحلم بالعودة إلى بيته الذي بدأ ترميمه منذ عام 2018. لكن عند وصوله إلى مشارف القرية، توقف مذهولاً أمام مشهد يوحي وكأن الحرب انتهت للتو: جدران متصدعة، طرقات مظلمة، وخدمات شبه معدومة. يقول محمد لنورث برس: "انصدمت (...) كأن الحرب انتهت للتو".

محمد هو واحد من مئات العائدين إلى قريتي البوعمر والعبد في ريف دير الزور الشرقي، حيث يكتشف السكان يومياً أن عودتهم إلى منازلهم لا تعني العودة إلى الحياة الطبيعية، بل إلى واقع أشد قسوة مما كان عليه. تقف القرية على ضفاف النهر كشاهد صامت على حرب خلّفت دماراً يقدر بنحو 70% في بعض الأحياء، وسط شلل شبه كامل في الخدمات وبيئة غير صالحة للعيش.

أزمة المياه: خطر يومي يهدد السكان

تتصدر مشكلة مياه الشرب قائمة المعاناة. يشرح محمد الذياب لنورث برس: "لدينا قرية مدمرة تعاني من نقص حاد في مياه الشرب، والمياه ملوثة جداً. السكان مجبرون على شراء المياه من محطات التصفية، ومعظمهم لا يملك القدرة على شراء الفلاتر أو صيانتها".

يضطر الكثيرون لجلب المياه المفلترة من الميادين أو مركز مدينة دير الزور، في ظل غياب أي بديل محلي. ويضيف أحمد علي، أحد سكان القرية: "خزانات مياه الشرب معطلة تماماً ومدمرة. التلوث يأتي من الأوساخ العائمة قرب الشراقات التي يتم سحب المياه منها. نطالب بتمديد الشراقات خمسة أمتار داخل النهر لضمان مياه نظيفة (...) الوضع لا يطاق".

الأزمة لا تقتصر على مياه الشرب، بل تمتد إلى مياه الري. يقول الذياب: "مياه السقي سيئة للغاية وتنقطع باستمرار بسبب الأعطال، والكثير من الأراضي لا تصلها المياه"، مما يزيد من أعباء المزارعين.

خدمات مدمرة وكهرباء متردية

لا ماء ولا كهرباء ولا بنى تحتية. يؤكد السكان أن البوعمر والعبد تعانيان من دمار بنسبة 70%، يشمل الطرقات والإنارة وشبكات المياه والري. ويقول أحمد علي لنورث برس إن الكهرباء شبه معدومة: "الكهرباء سيئة، والمحول مدمر. لدينا محول 50 في قرية الإصلاح، ومن شدة الحمولة ينزل القاطع الرئيسي دائماً. علينا المناوبة لرفع القاطع عند انقطاع التيار". يناشد السكان المنظمات الدولية التدخل قبل أن تصبح الحياة مستحيلة.

منذ 14 عاماً، لا يوجد فرن خبز يعمل في القرية. يوضح مصعب خليل الخميس، صاحب مخبز الخميس في القرية لنورث برس: "الفرن خارج الخدمة منذ عام 2014، دمره النظام البائد بالطيران الحربي. نعاني من تأمين الخبز، ولا توجد إمكانية لإعادة تأهيل الفرن".

يضطر السكان للذهاب يومياً فجراً إلى قرية مو حسن لتأمين الخبز، وتزداد الأزمة مع بدء الموسم الدراسي. يقول الخميس: "نذهب الساعة الخامسة صباحاً لجلب الخبز. طلاب المدارس غالباً ما يذهبون بدون فطور بسبب عدم توفر الخبز".

أما الزراعة، التي يعتمد عليها معظم السكان، فهي تواجه تحديات خطيرة. يقول حمادي الهايس من قرية العبد لنورث برس: "نعاني من صعوبات كبيرة في الزراعة. لم نستلم ثمن محاصيل القمح والقطن منذ سنة تقريباً. حياة الناس تعتمد على هذا المال. الزراعة تحتاج عمال وسماد وبذور وحراثة… والفلاح عاجز الآن". ويطالب الهايس بإيصال صوت المزارعين وتسليمهم مستحقاتهم، خاصة مع استمرار أعطال محطات الري.

العائدون بين الصدمة والأمل

بسبب قرب البوعمر والعبد من مطار دير الزور العسكري، تعرضت القرية لقصف كثيف خلف دماراً كبيراً. يقول محمد الذياب: "بلدتنا تضررت كثيراً لقربها من المطار. ما زلت أسكن في الشام ونأمل الانتهاء من تجهيز المنزل للعودة بشكل نهائي".

يوضح مصعب الخميس أن 50% من القرية والبنية التحتية والمدارس والكهرباء والمياه تعرضت للدمار. ويختم قائلاً: "نطالب المحافظ والجهات المعنية بزيارة القرية لرؤية واقع الفرن ووضع السكان. كثير من الوافدين الذين عادوا من تركيا والشمال صُدموا بواقع الحال (...) الوضع مأساوي".

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: