الخميس, 20 نوفمبر 2025 01:14 AM

استمطار السحب: حل مبتكر لمواجهة الجفاف وتحديات التغير المناخي

استمطار السحب: حل مبتكر لمواجهة الجفاف وتحديات التغير المناخي

دمشق-سانا: في ظل تفاقم أزمة الجفاف وتراجع المساحات الخضراء حول العالم نتيجة ندرة المياه وشح الأمطار الناجمين عن التغيرات المناخية، تتجه الدول إلى حلول مبتكرة. من أبرز هذه الحلول تقنية استمطار السحب، أو ما يعرف بـ "التلقيح السحابي"، التي تهدف إلى تحفيز الغيوم لتسريع هطول الأمطار.

أدى تزايد عدد سكان العالم والاستهلاك غير المنظم للمياه إلى انخفاض خطير في الموارد المائية، مما دفع العلماء للبحث عن طرق علمية لزيادة معدلات الهطول في المناطق التي تعاني من شح المياه. هنا تبرز الحاجة إلى تقنية الاستمطار كوسيلة لزيادة كمية ونوعية الأمطار، وتلبية الاحتياجات المائية، وتحفيز الهطول في مناطق محددة، وتعزيز المخزون المائي في السدود والخزانات الجوفية.

فوائد بيئية متعددة

يرى خبراء البيئة أن الاستمطار يساهم في التعامل مع البيئات الجافة، وزيادة كثافة الغطاء النباتي، والحد من العواصف الترابية، وتقليل أضرار البرد، وإخماد حرائق الغابات، وإعادة ملء السدود وزيادة مخزون المياه الجوفية للاستخدام المستقبلي. تعود أولى التجارب الناجحة في هذا المجال إلى عامي 1946 و1947، حين تمكن الباحثان "فونيغت" و"شايفر" من إجراء عملية استمطار باستخدام مركبات مثل يوديد الفضة ويوديد الرصاص. ومنذ ذلك الحين، توسعت الأبحاث لتصبح تقنية الاستمطار أداة رئيسية في مواجهة الجفاف.

دول رائدة في الاستمطار

كانت أستراليا والولايات المتحدة من أوائل الدول التي اعتمدت هذه التقنية. اليوم، تطبق أكثر من 40 دولة حول العالم برامج استمطار، من بينها الصين وروسيا وتايلاند والهند. استخدمت الصين الاستمطار عام 2008 للتحكم بالطقس، بينما لجأت إليه الهند للحد من تلوث الهواء وتقليل الضباب الدخاني، إضافة إلى استخدامه في فترات الجفاف بين عامي 1983 و1994. أما في العالم العربي، فتُعد الإمارات والأردن والسعودية والمغرب وعُمان من أبرز الدول التي اعتمدت هذه التقنية. بدأت الإمارات منذ عام 2010 بتنفيذ برامج استمطار، وأطلقت مؤخراً مشروعاً دولياً لأبحاث علوم الاستمطار لتعزيز معدلات الهطول في المناطق الجافة.

آلية عمل التقنية

تتم عملية الاستمطار عبر رش مواد كيميائية مثل يوديد الفضة أو الثلج الجاف أو أملاح معينة داخل السحب باستخدام طائرات أو صواريخ خاصة. تقوم الطائرات المجهزة بإطلاق هذه المواد نحو السحب الركامية الغنية بالبخار، ما يؤدي إلى تغيير العمليات الفيزيائية الدقيقة داخل السحابة، وتشكيل بلورات ثلجية تتحول بفعل حرارة الجو إلى قطرات مطرية تهطل في النهاية على الأرض.

التكلفة والجدوى

رحلات الاستمطار التي تستغرق ساعات تكلف آلاف الدولارات، وقد تصل ميزانية المشاريع السنوية لتغطية منطقة محدودة إلى ملايين الدولارات، بحسب حجم المشروع والتقنيات المستخدمة. يؤكد خبراء أن الاستمطار يمكن أن يزيد من هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 4%، ما يرفع المحاصيل الزراعية بنسبة تصل إلى 20%. ومع ذلك، تبقى هذه التقنية حلاً مؤقتاً لا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل.

المخاوف والانتقادات

رغم الفوائد، هناك مخاوف من آثار جانبية محتملة، مثل ارتفاع نسبة المواد الكيميائية في الهواء، أو هطول أمطار غزيرة في مناطق غير معتادة، ما قد يؤدي إلى فيضانات أو تدهور التربة. كما أن الهندسة المناخية قد تُحدث تغييرات غير متوقعة في الرطوبة النسبية، مسببة حالات جفاف في مناطق جديدة أو عواصف شديدة. يشير خبراء إلى أن تغير المناخ قد يزيد من الظواهر الجوية مثل العواصف والبرق والبرد وحتى الأعاصير.

أزمة المياه العالمية

تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن المياه العذبة لا تتجاوز 2.5% من إجمالي المياه على الأرض، معظمها في شكل أنهار ومسطحات جليدية. ووفقاً لليونيسف، يعيش 2.3 مليار شخص تحت تهديد شح المياه، بينهم 733 مليوناً في مناطق تعاني أصلاً من الجفاف. خلال السنوات الثلاث الماضية، أعلنت أكثر من 30 دولة حالات طوارئ بسبب الجفاف، من الهند والصين إلى الولايات المتحدة وكندا وإسبانيا وجنوب إفريقيا. وفي قمة المناخ الأخيرة بالبرازيل (Cop30)، وُصفت أزمة المياه بأنها أحد أكبر التهديدات المستقبلية للبشرية.

مشاركة المقال: