الثلاثاء, 18 نوفمبر 2025 11:38 PM

ندوة في دمشق تبحث تأثير الإعلام على الذاكرة الجمعية وخطاب الكراهية

ندوة في دمشق تبحث تأثير الإعلام على الذاكرة الجمعية وخطاب الكراهية

نظمت "هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين" ومؤسسة "عنب بلدي" ندوة حوارية في دمشق لمناقشة تأثير الإعلام على الذاكرة الجمعية وخطاب الكراهية في سوريا. وركزت الندوة، التي عقدت يوم الاثنين 17 تشرين الثاني، على دور الإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني في إعادة تشكيل الذاكرة الجمعية، وتفكيك خطاب الكراهية، وتعزيز الاستقرار.

شارك في الندوة الحوارية حوالي 65 صحفيًا وصحفية من مختلف وسائل الإعلام العاملة في سوريا. أدارت الندوة الصحفية المستقلة والمدربة في الصحافة سلوى عبد الرحمن، بمشاركة كل من رئيس مجلس إدارة "هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين"، أكرم الأحمد، والصحفية ومراسلة جريدة "الشرق الأوسط" في دمشق سعاد جريس.

أشار المشاركون في الندوة إلى أن نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، عمل على مدى سنوات على ترسيخ خطاب الكراهية بين السوريين عبر زرع وترويج سرديات مناطقية وطائفية عززت الشرخ السوري.

تفكيك خطاب الكراهية

أوضح أكرم الأحمد، رئيس مجلس إدارة "ميثاق شرف"، أن الهدف من الندوة هو "طرق الأبواب" ووضع كل شيء على الطاولة بين "صحفيين من مشارب مختلفة". وأضاف الأحمد لـ"عنب بلدي" أن الهدف من الجلسة هو الحوار حول ملف خطاب الكراهية الذي يسهم في انتشاره بعض الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بالإضافة إلى ملف الذاكرة الجمعية، مؤكدًا على ضرورة مناقشة هذه الملفات والخروج بميثاق شفهي يتفق عليه الحضور.

وأشار الأحمد إلى أن هذه الجلسة ستؤسس لوثيقة شفهية للبدء بتفكيك خطاب الكراهية وبناء سردية سورية جديدة، تؤسس لهوية وطنية جامعة. وأكد أن "ميثاق شرف" بالتعاون مع "عنب بلدي" سيحاول تكرار هذه الجلسات لتنبثق عنها مجموعات أصغر وخطوات "عملية أكثر" للصحفيين.

من جهته، أكد الصحفي محمد العلي، المشارك في الجلسة، أهمية تعزيز الصحافة التفسيرية والصحافة التوضيحية وصحافة السلام وصحافة الحلول، إضافة إلى محاربة خطاب الكراهية، من خلال التمييز بين حرية التعبير وخطاب الكراهية. وطالب بتفعيل قانون الإعلام الذي يضبط الممارسة الإعلامية، معتبرًا أنه "لا توجد حرية مطلقة".

وصفت الصحفية في راديو "روزنة" هبة الخاروف هذا الحوار بأنه "ضروري"، حتى يتسنى للسوريين الاجتماع مع بعضهم والتعرف إلى الثقافات المختلفة، والمساهمة في بناء البلاد، بعد 14 عامًا من التوتر والشقاق.

واعتبرت سارة الأسعد، العاملة في المجال الإنساني منذ عام 2015، أن دور المجتمع في نبذ الخطاب الكراهية يكون عبر حملات توعية، و"تكثيف السياحة الداخلية بين المدن"، للتعرف إلى الثقافات والتنوع السوري، وتعزيز الروابط بين السوريين. وقالت إن الاندماج المجتمعي يمكن أن يكون ضمن المجتمع الواحد.

بينما اعتبرت الصحفية المستقلة جانسيت طام، أن من الضروري محاسبة من يتجاوز حدوده عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كونها "بؤرة للتحريض"، وطالبت بدراسة ماضي أي شخص يتدخل بمسار العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، خصوصًا إذا كان مواليًا لـ"نظام دموي" بالإشارة إلى نظام الأسد.

بناء الذاكرة الجمعية

بعد انتصار الثورة السورية في 8 كانون الأول 2024، ومرور قرابة عام على سقوط الأسد، أصبح لازمًا تخليد الحقيقة وبناء الذاكرة الجمعية التي تستند إلى مبادئ الثورة السورية، التي نادت بالحرية والكرامة عام 2011، مع مطالبات بضرورة الضغط لتنفيذ مسار العدالة الانتقالية، ومحاسبة من تورطوا بالجرائم مع الأسد.

ودعت بعض المشاركات إلى محاسبة الإعلاميين والصحفيين الذين ناصروا الأسد عبر الدعم الإعلامي ومطالبتهم بالاعتذار على الأقل، فيما رأى آخرون أن ليس كل من عمل بالإعلام الرسمي في فترة حكم الأسد وفي مناطق سيطرته كان بالضرورة "شبيحًا ومناصرًا".

كما أجمع عدد من المشاركين على عدم عدالة أن تحاكم فئة أو مكون كامل، بسبب أفراد ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان ضد طرف من أطراف الصراع الذي نشب في سوريا، مشددين على ضرورة أن يكون القانون هو الفيصل.

وتساءلت حنين عمران، وهي صحفية في "تلفزيون سوريا"، عن كيفية نبذ خطاب الكراهية، مع عدم إغفال حقائق واضحة، كوجود أشخاص وصحفيين قدموا تضحيات خلال الثورة من دماء وشهداء وسنوات اعتقال، بالمقابل فإن هناك أشخاصًا ناصروا النظام وأيدوه خلال الحرب التي شنها على الشعب السوري، مشيرة إلى ضرورة بذل مزيد من الخطوات في هذا المسار مع مسار موازٍ لا يُغفل التضحيات بل يخلدها.

وقالت يسرى المصري، مدير تحريرة صحيفة "الحرية" (تشرين سابقًا)، إن الصحفيين الذين بقوا في مناطق النظام تعرضوا لشتى القمع والتهديد والتضييق، مشيرة إلى أن "الأخبار المتعلقة بالشق السياسي كانت تفرض من الأجهزة الأمنية"، بينما كان يحاول الصحفيون المقيمون فتح ثغرات ومساءلة حكومة النظام في ممارساتها الاقتصادية والاجتماعية، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، مشيرة إلى ضرورة نبذ خطاب الكراهية بكل أشكاله، "لأننا في مرحلة بناء".

يُعرّف خطاب الكراهية، وفقًا للأمم المتحدة، بأنه أي تواصل شفهي، كتابي، أو سلوكي يهاجم أو يميز ضدّ فرد أو مجموعة بناءً على هويتهم (مثل الدين، العرق، الجنس). وتحظر التشريعات الدولية الخطاب المحرض على الكراهية والتمييز والعنف، كالمادة "20" من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة "4" من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

ونظرًا للتداخل المفاهيمي في بعض السياقات بين حرية التعبير وخطاب الكراهية، تبرز الحاجة إلى رسم حدود دقيقة بينهما، إذ لا يجوز أن تُقيّد هذه الحرية إلا ضمن الضوابط التي يجيزها القانون الدولي لحقوق الإنسان، وفق تقرير لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة".

وازداد خطاب الكراهية مع عدة حوادث جرت مؤخرًا في سوريا بدءًا من:

  • أحداث الساحل: اندلعت في آذار الماضي عقب تحركات لبعض عناصر جيش النظام السابق، استهدفت عناصر للأمن العام في ريف اللاذقية غربي سوريا. أدت تلك الأحداث إلى مقتل أكثر من 1,400 شخص، معظمهم من المدنيين، إلى جانب عناصر من قوات الأمن العام.
  • أحداث صحنايا وجرمانا: اندلعت في نيسان الماضي، بعد انتشار تسجيل صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي احتوى إساءة للنبي محمد، نُسب لأحد شيوخ الطائفة الدرزية، وهو ما نفاه الشيخ نفسه لاحقًا.
  • أحداث السويداء: بدأت في 12 تموز الماضي، بعد عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس، ذي الأغلبية البدوية، وعدد من أبناء الطائفة الدرزية، وتطورت في اليوم التالي إلى اشتباكات مسلحة، وبعد تدخل حكومي لفض النزاع تدخلت إسرائيل عبر قصف مبنى وزارة الدفاع وقصر الرئاسة وقصف نقاط للجيش السوري في السويداء، ليجري بعد ذلك التوصل لوقف إطلاق نار برعاية أردنية أمريكية.

مدونة سلوك

في 14 أيلول الماضي، عقدت ورشة في دمشق لمناقشة مدونة السلوك الخاصة بالصحفيين السوريين، لوضع ضوابط للممارسة الإعلامية، ومحاربة خطاب الكراهية السائد على وسائل التواصل الاجتماعي، في سوريا. وضمت الورشة، التي شاركت فيها عنب بلدي، عددًا من وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، ومؤسسات صحفية مستقلة، وصحفيين سوريين ممثلين لوسائل إعلام عربية وعالمية.

تتألف لجنة إعداد مدونة السلوك من 12 عضوًا، من بينهم عضوان من وزارة الإعلام، ويرأس اللجنة الصحفي السوري علي عيد.

شهدت الورشة مناقشات حول العديد من المواضيع المتعلقة بالعمل الصحفي، أبرزها دور "المؤثرين" وصانعي المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي في السياق الإعلامي الحالي، ومدى اعتبار ما يقدمونه عملًا صحفيًا. كما تم نقاش جميع بنود المدونة، بدءًا من خطاب الصحفي نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، وطريقة التعامل مع الضحايا في الكوارث والأزمات، وصولًا إلى إيجاد أرضية تضامنية بين الصحفيين حيال الانتهاكات التي قد يتعرضون لها، أو أي تجاوزات قد تُرتكب بحقهم.

وناقش الصحفيون وصول المدونة لجميع السوريين، والابتعاد عن المصطلحات الفضفاضة، ووضع مادة خاصة باحترام الحقيقة وعدم خلط المعلومة بالرأي، وإضافة مادة عن الأخلاقيات التفضيلية، والسلوكيات داخل المؤسسة الإعلامية، و إدراج ما تضمنته المدونة بالمناهج التعليمية.

ما ميثاق شرف؟

في 10 أيلول 2015، أطلقت 20 مؤسسة إعلامية سورية ميثاق شرف الصحفيين السوريين، لإيجاد دور فاعل للإعلام ليكون مساهمًا جديًا في بناء المجتمع السوري الجديد، وفق ما جاء في الميثاق.

"هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين" هي شبكة سورية تضم حاليًا 24 مؤسسة إعلامية سورية مستقلة، من بينها جريدة "عنب بلدي"، وراديو "آرتا إف إم"، ووكالة "آرا نيوز"، وراديو "روزنة" ومجلة "نسائم سوريا" وغيرها.

وتهدف الهيئة من خلال حزمة التشريعات والأنشطة الخاصة بها إلى تعزيز البعد الأخلاقي والمهني عند كوادر المؤسسات الأعضاء بهدف إنتاج محتوى إعلامي يخلو من خطاب الكراهية، غني بقيم العدالة الجندرية، الدقة، المصداقية، النزاهة، الإنصاف.

مشاركة المقال: