الثلاثاء, 18 نوفمبر 2025 11:02 PM

التسوّل في سوريا: أسباب هيكلية وتحديات مجتمعية وحلول مقترحة

التسوّل في سوريا: أسباب هيكلية وتحديات مجتمعية وحلول مقترحة

تعتبر ظاهرة التسوّل من بين أكثر الظواهر الاجتماعية تفشياً في سوريا خلال السنوات الأخيرة، حتى أصبحت مشهداً مألوفاً في الشوارع والأسواق وأمام المؤسسات الحكومية. وقد تفاقمت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ نتيجة للظروف القاسية التي يمر بها المجتمع السوري، بالإضافة إلى عوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية متشابكة.

إن فهم ظاهرة التسوّل وأسبابها وتأثيراتها وسبل الحد منها يعتبر خطوة حاسمة نحو معالجتها بشكل فعال، لأنها ليست مجرد سلوك فردي، بل مشكلة اجتماعية معقدة. لقد أدت الأزمات الاقتصادية المتتالية التي شهدتها سوريا إلى تغيير جذري في حياة العديد من الأسر. فقد ارتفعت معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، وأصبح تأمين الاحتياجات الأساسية تحدياً كبيراً.

مع تدهور القدرة الشرائية وانخفاض الدخل وارتفاع معدلات البطالة، وجد بعض الأفراد أنفسهم مجبرين على طلب المساعدة في الشوارع من أجل البقاء. كما أثرت الحرب على البنية التحتية الاقتصادية للبلاد، مما أدى إلى توقف العديد من الشركات والأعمال، وبالتالي زيادة البطالة وتقليل فرص العمل المتاحة، خاصة بين الشباب والفئات الأقل تعليماً.

لعب النزوح الداخلي دوراً كبيراً في انتشار هذه الظاهرة. فقد فقدت العديد من العائلات منازلها وممتلكاتها، ووجدت نفسها في ظروف معيشية صعبة للغاية. ومع غياب مصادر الدخل وعدم حصول الكثيرين على الدعم الكافي، أصبح التسوّل وسيلة أساسية لتلبية الاحتياجات اليومية.

بالإضافة إلى ذلك، أدى تفكك بعض الأسر نتيجة للحرب، سواء بسبب الوفاة أو السفر أو الاعتقال، إلى ترك العديد من الأطفال والنساء بلا معيل، مما جعلهم أكثر عرضة للتسوّل أو الاستغلال من قبل أطراف أخرى.

لا يمكن تجاهل وجود شبكات منظمة تستغل الفقر والحاجة، وتدفع الأطفال والنساء إلى التسوّل مقابل المال. هذا الاستغلال يزيد من خطورة الظاهرة، حيث تتحول من حالة فردية إلى عملية منظمة تستفيد منها جهات معينة مادياً. غالباً ما تعتمد هذه الشبكات على إشراك الأطفال نظراً لما يثيرونه من تعاطف لدى المارة، مما يزيد من أرباح هذه الجهات.

لمواجهة هذه الظاهرة، هناك مجموعة من الحلول الممكنة. من أهمها دعم الأسر الفقيرة من خلال برامج حكومية أو مجتمعية تساعد على تلبية الاحتياجات الأساسية دون اللجوء إلى التسوّل. كما يجب توفير فرص عمل مناسبة لذوي الدخل المحدود، وتشجيع المشاريع الصغيرة التي توفر للعائلات مصدراً ثابتاً للدخل. يعتبر الاهتمام بالأطفال وإعادتهم إلى المدارس خطوة ضرورية للحد من استغلالهم. كذلك، ينبغي تعزيز الرقابة على الشوارع ومحاسبة الشبكات التي تستغل الفئات الضعيفة.

للمجتمع أيضاً دور هام، حيث يفضل توجيه المساعدات إلى جهات موثوقة بدلاً من تقديم المال مباشرة للمتسولين، لأن ذلك قد يساهم في استمرار الظاهرة بدلاً من الحد منها.

في الختام، يعكس التسوّل في سوريا عمق التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المجتمع، ويشكل عبئاً على استقراره ومسار تنميته. ولا يمكن الحد من انتشاره إلا من خلال دعم الفئات المتضررة، وتوفير فرص عمل حقيقية، وتفعيل دور المؤسسات المسؤولة في حماية الفئات الهشة. إن معالجة هذه الظاهرة ضرورة أساسية لبناء مجتمع أكثر تماسكاً وقدرة على النهوض من آثار الأزمات التي مر بها.

(أخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: