في أقصى ريف حلب الشمالي، تكابد بلدة كفر كلبين للبقاء على قيد الحياة في ظل غياب الخدمات الأساسية. تتكرر المعاناة اليومية بسبب الطرقات المتضررة، وانقطاع المياه المستمر منذ أشهر، والمدارس غير القادرة على استيعاب الطلاب، وتراجع الزراعة نتيجة الجفاف ونقص الدعم.
وعلى الرغم من الزيادة السكانية والتوسع العمراني، لا تزال البلدة مهمشة، بعيدة عن أي خطة جادة لتحسين الأوضاع أو استعادة ما فقدته على مر السنين.
يصف المواطن أبو محمود الوضع الخدمي في كفر كلبين بأنه "سيئ جداً"، مشيراً إلى أن انقطاع المياه هو المشكلة الأكبر التي تواجه الأهالي، بالإضافة إلى تدهور الطرقات الذي وصل إلى حد "عدم صلاحيتها للاستخدام".
ويضيف في حديثه لموقع *سوريا 24* أن غياب الدعم للزراعة، وهي مصدر الرزق الرئيسي للأهالي، فاقم من معاناة المزارعين، خاصة مع الجفاف وارتفاع تكاليف البذور.
ويرى أبو محمود أن أكبر مشكلتين تواجهان السكان اليوم هما:
- أزمة المياه
- تراجع قطاع التعليم
ويشير إلى أن السكان لم يشعروا بأي تحسن خلال العام الماضي، بل إن الوضع ازداد سوءاً بسبب تجاهل المناطق المحررة منذ سنوات، والتركيز على المشاريع في المناطق المحررة حديثاً.
ويواجه الأهالي غلاء الأسعار بالبحث عن السلع الأرخص في ظل غياب الرقابة الميدانية على الأسواق. ويؤكد أبو محمود أن حرمان مناطق الشمال من الخدمات الأساسية "ظلم كبير"، وأن تحسين حياة الناس يبدأ بمعالجة ملفات المياه والطرقات والتعليم بشكل عاجل.
يتفق رامي محمد هاني جبران، رئيس المجلس المحلي، مع ما قاله الأهالي، مؤكداً لموقع *سوريا 24* أن البلدة تعاني من:
- انقطاع المياه منذ أشهر دون أي محاولة جادة لإعادة الضخ.
- تدهور كامل في الطرقات، وخاصة في أول 400 متر من الطرق الحيوية: طريق جارز، طريق ندة، طريق عين دقنة، والطريق المؤدي إلى المدرسة.
- ضعف كبير في النظافة نتيجة غياب التمويل، على الرغم من استمرار عمل سيارة النظافة للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمة.
ويشير جبران إلى أن عدد سكان البلدة يبلغ حوالي 12 ألف نسمة، مع وجود وافدين جدد من تركيا، وعدم عودة النازحين، مما يزيد الضغط على الخدمات.
أما القطاع التعليمي، فيتكون من مدرستين، ابتدائية وإعدادية، إلا أنهما تعانيان من صفوف ومقاعد متهالكة وغياب شبه كامل للتجهيزات، ولا يوجد أي دعم رسمي سوى أجور بسيطة للمعلمين.
ويضيف أن الوضع الصحي أفضل نسبياً بعد بقاء مستوصف واحد فقط، عقب انسحاب نقطة الدفاع المدني الطبية بعد التحرير. أما الكهرباء، فوضعها جيد، لكن الشركة المشغلة تضغط على البلدية لدفع فواتير الإنارة العامة، في حين أن المجلس غير ممول، مما يؤدي إلى تأخر في السداد.
ويوضح رئيس المجلس أن أكبر العقبات الإدارية هي أن كفر كلبين غير مدرجة كبلدية مستقلة منذ ضمها إلى بلدية جبرين بموجب مرسوم عام 2010، مما أدى إلى تعطيل عدد كبير من الخدمات. وقد وجه المجلس عدة كتب للمطالبة باستحداث بلدية جديدة، وهناك وعود، لكن "القرار ما يزال معلقاً"، والشتاء يقترب والطرق غير مهيأة إطلاقاً.
بين شهادة المواطن أبو محمود ورؤية رئيس المجلس المحلي، تبرز صورة واحدة: بلدة أنهكها الإهمال وغياب الخدمات الأساسية. وعلى الرغم من حجم المشكلات في المياه والطرقات والتعليم والزراعة، ما تزال مطالب الأهالي بسيطة وواضحة: مياه تصل إلى البيوت، طرقات صالحة للاستخدام، مدارس آمنة، ودعم زراعي يخفف العبء عن المزارعين.
كفر كلبين، التي احتضنت آلاف المهجرين خلال سنوات الثورة، تنتظر اليوم خطوة إدارية واحدة قد تعيد لها حقها الطبيعي: استحداث بلدية مستقلة تكون قادرة على إدارة شؤونها وتنفيذ مشاريع تخدم مجتمعاً ينتظر أبسط مقومات الحياة.