الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 03:54 PM

معرض "صلة" في الشارقة: التطريز الفلسطيني يحكي قصة هوية وصمود

معرض "صلة" في الشارقة: التطريز الفلسطيني يحكي قصة هوية وصمود

لم تتخلَّ نساء فلسطين عن خيوط التطريز منذ النكبة، متمسكاتٍ بأصالته وتراثه، ومؤكداتٍ على وجودهنّ وروايتهنّ للتاريخ ببصماتٍ تتوارثها الأجيال، تجسيداً لعقود من المقاومة والانتماء والنضال من أجل الهوية.

فالتطريز الفلسطيني ليس مجرد غرز زخرفية، بل هو فن عريق، يحكي كل نقش فيه قصص قرى عانت من الاحتلال، ويحمل ذاكرة المكان والتاريخ. هذا ما دفع "مركز مرايا للفنون" في الشارقة إلى تخصيص معرض باسم "صلة" و"خيوط الذاكرة"، يستحضر تقاليد التطريز الفلسطيني عبر الزمن، وصولاً إلى أعمال تعكس مأساة أهالي غزة ونزفهم المستمر منذ عامين.

انطلقت فكرة المعرض من مبادرة لتكريم الحرفيات الفلسطينيات من خلال عرض الأثواب المطرزة التقليدية المشغولة يدوياً، قبل تحديثها بطابع فني معاصر يستعيد الذاكرة الفلسطينية من خلال الخيوط والألوان والروائح والأصوات.

تستقبل لوحة "الموناليزا الفلسطينية" الزائرين، متفوقة على اللوحة الأصلية في متحف اللوفر الفرنسي. فالمرأة الفلسطينية، بوصفها "الأم وحارسة الحرفة"، أحيطت بقطع أصلية من زمن السبعينيات، تأكيداً على ديمومة التراث عبر الزمن.

بتصميم يحاكي ملامح قطاع غزة المنكوب، كواجهات المنازل المدمرة والأحياء التي تحولت إلى ركام، وباللون الرمادي والطلاء المنقوص، استقبل المعرض زواره. كما أُضيف عنصر الرائحة إلى هويته عبر وسائد مطرزة بشتلة الزعتر الفلسطيني العتيقة ورائحة برتقال يافا المحتلة.

الحصار الإسرائيلي حاضر من خلال عمل للفنان عبد الرحمن قطناني بعنوان "أمهاتنا وأخواتنا". استخدم قطناني صفائح الزينكو وأغطية الزجاجات والحديد الصدئ المستخرج من مخيمات اللاجئين، ليحول بقايا الدمار إلى مادة جمالية تعكس صمود المرأة الفلسطينية.

تستنفر الزائر قطعة لافتة في منتصف الطريق: قذيفتان داخل عمودين مدمرين ورأسين متفجرين متجهان نحو السماء. لا حاجة للتفسير هنا، فالقطعة تشرح نفسها، بعدما أضاف التطريز إليها روحاً تعاند الموت وآلة القتل الإسرائيلية. تتبعها لوحات قماشية تجريدية بعنوان "قبور الشهداء"، عُرضت بأسلوب هادئ ومكثف، يوازن بين الفقد ورهبة الموت.

بهدف تكامل الأعمال، تلا مجسم القذيفة تجربة سمعية لافتة للفنانة الشابة نعيمة مجذوبة، التي أدخلت نقوش التطريز في برنامج صوتي لتوليد مقاطع موسيقية مستخدمة آلة العود العربي، محولة بذلك الخيط إلى موجة مسموعة.

في معرض "صلة" أيضاً، قدمت فرح مهبهاني سلسلة لوحات من قماش النجف الرقيق، خُصص كل منها لأحد أنواع الأعشاب مثل المرامية والزعتر والسماق، مستحضرة العلاقة بين الأرض والمرأة. واستكمل الفنان هازن هد المشهد بعمل يوحد القرى الفلسطينية في لوحات كولاج مطرزة تشبه الخرائط.

بإيمان بأن "الكمال لله"، تركت إحدى المصممات عملها "منقوصاً عمداً"، وقد نسجته بأسلوب الحياكة الفارسية، الذي يُترك فيه جزء غير منسوج تواضعاً للخالق.

في زاوية أخرى، قدمت مجموعة "بوكجة" اللبنانية معلقة ضخمة جمعت رموز الذاكرة الفلسطينية مثل حنظلة وبرتقال يافا وشجرة الزيتون والبطيخ الذي غدا رمزاً جديداً لفلسطين بعد 7 أكتوبر.

تُختتم الجولة في المعرض بسلسلة أعمال لسمية خالد وناسا لبس من تنفيذ مؤسسة "إنعاش" اللبنانية، شملت اثني عشر ثوباً مطرزاً يمثل كل منها بيتاً فلسطينياً قديماً. لكل بيت حكايته مع حق العودة، والاحتفاظ بمفتاح البيت الأثري الذي صار رمزاً للنضال لعقود من اللجوء والإقصاء إلى خارج الحدود.

من خلال برنامجها، سعت "إنعاش" إلى تمكين النساء الفلسطينيات اللاجئات من الحفاظ على فن التطريز التقليدي، ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، عبر توفير فرص عمل مدعومة بالتراث الثقافي.

هكذا قدم معرض "صلة" في الشارقة تجربة حسية متكاملة تعيد تشكيل الهوية الفلسطينية عبر الحواس الخمس. فالتطريز هنا لم يبق مجرد حرفة تراثية، بل لغة وجودية تحول الخيط إلى ذاكرة حية، وتثبت أن فلسطين، رغم الجراح، لا تزال تطرز حضورها بخيوط من صبر لا ينقطع.

عن: بتول بزي - أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: