أصدرت محكمة النقض السورية قراراً يوقف إصدار الأحكام القضائية التي تتضمن مبالغ "الفائدة القانونية"، معتبرةً ذلك مخالفاً لمبادئ الشريعة الإسلامية والإعلان الدستوري، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً بين الحقوقيين.
سناك سوري _ دمشق
جاء قرار محكمة النقض استجابةً لطلب "الغرفة المدنية الثالثة" باعتماد مبدأ قانوني حول الفائدة القانونية والتعويض الذي يحمل معنى الفائدة. وأكدت المحكمة أن أي زيادة ربوية على المبالغ المحكوم بها تعتبر من الربا المحرم بنصوص قطعية الثبوت والدلالة.
كما رأت المحكمة أن الحكم بالفائدة القانونية يتعارض مع الإعلان الدستوري، حيث تتعارض المواد 227 وما بعدها من القانون المدني مع نص المادة 3 من الإعلان الدستوري التي تنص على أن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع.
واستندت الغرفة المدنية إلى أن الدستور أسمى من القانون وأولى بالتطبيق، ما دفعها إلى طلب عدم تطبيق النصوص القانونية والاجتهادات القضائية المخالفة لأحكام الشريعة في مسائل الفوائد والتعويضات المترتبة على المبالغ والديون المحكوم بها والتي تجري مجرى الفائدة.
محكمة النقض أشارت في قرارها إلى أن الإعلان الدستوري يعتبر الفقه الإسلامي المصدر الرئيس للتشريع، ما يجعل هذه المادة قاعدة دستورية آمرة وملزمة لجميع سلطات الدولة بما فيها السلطة القضائية، ويترتب على القضاء أن يجعل من أحكام الفقه الإسلامي مرجعاً رئيسياً في وضع النصوص وتفسيرها وتطبيقها.
كما رأت المحكمة أن الحكم بالفائدة يخالف المادة 3 من الإعلان الدستوري، ويخالف أحكام الشرع والفقه الإسلامي التي تعتبر من أحكام النظام العام، فيما لا تستند الفائدة أيضاً إلى سبب مشروع في ميزان العدالة.
وبناءً على ذلك، أقرت محكمة النقض مبدأ التوقف عن الحكم بين الأفراد بأي نص أو اجتهاد قضائي يقضي بالحكم بالفائدة القانونية أو بالتعويض الذي يجري مجرى الفائدة في الديون والمبالغ التي تحكم فيها المحاكم السورية وعلى مختلف درجاتها وأنواعها.
الفوائد في القانون المدني السوري
تنص المادة 227 من القانون المدني السوري الصادر بالمرسوم 48 لعام 1949 على أنه إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود، وكان معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به، كان ملزماً بأن يدفع للدائن، على سبيل التعويض عن التأخر، فوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية، وخمسة في المائة في المسائل التجارية.
وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، إن لم يحدد الاتفاق، أو العرف آخر لسريانها.
وتقول المادة 228 يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على معدل آخر للفوائد، سواء أكان ذلك في مقابل تأخير الوفاء، أم في أية حالة أخرى تشترط فيها الفوائد، على ألّا يزيد هذا المعدل على تسعة في المائة. فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا المعدل وجب تخفيضها إلى تسعة في المائة، وتعين رد ما دفع زائداً على هذا المقدار.
وتشرح المواد التالية في القانون المدني السوري أحكام الفوائد ونسبتها القانونية، والتي استمر العمل بها على مدار السنوات الـ 76 الماضية.
حقوقيون يحذرون من تجاوز المحكمة لصلاحياتها
اعتبر المحامي "محمد درويش" أن الاجتهاد حين يصبح أداة لإلغاء القانون، تصبح العدالة مهددة من داخل القضاء نفسه، مشيراً إلى أن قرار محكمة النقض بالتوقف عن الحكم بين الأفراد بالفائدة القانونية بحجة مخالفة الشريعة الإسلامية مصدر التشريع الرئيس في الإعلان الدستوري، يظهر اضطراباً واضحاً في فهم حدود السلطة القضائية ومبادئ الشرعية الدستورية.
وأضاف "درويش" عبر على فيسبوك، أن الفوائد والتعويض مكرّسان في القانون المدني بنصوص صريحة ما تزال نافذة، ولا يملك أي قاضٍ صلاحية تعطيلها لأن الحكم في مدى دستوريتها من اختصاص المحكمة الدستورية العليا فقط.
ورأى أن الاستناد إلى أن الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع لا يبرّر إلغاء النصوص القانونية، لأن المبدأ هنا موجّه للمشرّع وليس للقاضي، معتبراً أن ما قامت به محكمة النقض يعدّ تأويلاً دستورياً في غير محله وتجاوزاً لاختصاصها يمسّ مبدأ فصل السلطات.
وختم بالإشارة إلى أن هذه القرارات تزعزع الثقة بالقضاء وتهدد استقرار المعاملات المدنية والمالية لأن القاضي لا يملك أن يلغي القانون باسم الاجتهاد على حد قوله.
المحامي رأى أيضاً أن التصدي لمسألة دستورية القوانين ليس من اختصاص محكمة النقض، وقد امتدّ اجتهادها في هذا القرار إلى مجال عمل السلطة التشريعية من خلال تعطيل العمل بنصوص قانونية، في حين أنه لا شأن لها بالسياسة التشريعية التي ينتهجها المشرّع لتنظيم أوضاع معيّنة باعتباره المعبّر عن الإرادة الشعبية.
وأضاف في منشور عبر فيسبوك أن الإعلان الدستوري نفسه ينص على استمرار العمل بالقوانين ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها، كما أن محكمة النقض تستمد اختصاصها من القوانين كقانون السلطة القضائية وقوانين أصول المحاكمات.
وعن مسألة اعتبار الفقه الإسلامي المصدر الرئيس للتشريع بحسب الإعلان الدستوري، رأى "الكريدي" أن هذه القضايا تحسم باتفاق السوريين عند صياغة الدستور الدائم، وفق آليات ديمقراطية وتشاركية حقيقية تعبر عن إرادة غالبية السوريين/ات، مبيناً أن مسألة تفسير مبدأ اعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع عند فحص دستورية القوانين، تعود إلى المحكمة الدستورية العليا وحدها.
يذكر أن القرار حمل توقيع "أنس منصور السليمان" الذي تم تعيينه في كانون الثاني الماضي رئيساً لمحكمة النقض، وهو خريج كلية الشريعة بجامعة دمشق، وكان يعمل قاضياً في المحاكم الشرعية منذ 2012، وتم تعيينه عام 2019 وزيراً للعدل في حكومة الإنقاذ في "إدلب" ورئيساً لمحكمة الاستئناف فيها.