بينما وصف بعض الجزائريين الموقف الفرنسي بـ "الجحود"، رأى آخرون أن تبني الجمعية الوطنية الفرنسية قرارًا يهدف إلى إلغاء اتفاقية عام 1968 بين البلدين، هو نتيجة لأزمة عميقة ومتفاقمة.
وكانت الجمعية الوطنية الفرنسية قد تبنت قبل أسبوع قرارًا غير ملزم، باقتراح من التجمع الوطني اليميني المتطرف، يدين الاتفاقية الفرنسية الجزائرية، الأمر الذي أثار جدلاً في المشهد السياسي الفرنسي. ومع ذلك، لم يبدُ أن الجزائريين الذين تحدثوا لوكالة فرانس برس قد تابعوا القرار بتفاصيله أو أولوه أهمية كبيرة.
تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية الثنائية المبرمة عام 1968، بعد ست سنوات من انتهاء حرب الجزائر وفي وقت كانت فرنسا بحاجة إلى الأيدي العاملة لاقتصادها، منحت امتيازات للجزائريين، حيث لم يكونوا بحاجة لتأشيرات خاصة للبقاء في فرنسا أكثر من ثلاثة أشهر، وكان بإمكانهم الحصول على تصاريح إقامة لمدة عشر سنوات بسرعة أكبر من غيرهم، بما في ذلك بالنسبة للمّ الشمل الأسري.
وقال بلعيد حموشي، وهو تاجر يبلغ من العمر 57 عامًا، في الجزائر العاصمة: "لم أسمع بهذا القرار إلا عندما تحدث عنه عطاف"، في إشارة إلى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الذي أدلى بحديث مؤخرًا لقناة الجزائر الدولية عن الموضوع.
وأضاف: "لم أفهم كلّ شيء، لكن لا أعتقد أن المشاكل والأزمة بين بلدنا وفرنسا ستحلّ أو تتأزّم بسبب هذا".
وقالت خيرة عروسي (91 عامًا) إنها لا تفقه "كثيرًا في السياسة". لكنها مقتنعة بأن "فرنسا لا تريد لنا الخير".
وأضافت السيدة التي عملت في مصانع عدّة في فرنسا بين عامي 1960 و1980: "فرنسا اليوم بُنيت على ظهورنا وعلى تضحياتنا، في الورشات والمصانع منذ خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم".
وقال كمال (33 عامًا)، وهو نادل في مطعم بالعاصمة، بدوره، إنه لم يسمع عن تصويت الجمعية الوطنية على مقترح التجمّع الوطني اليميني، لكنه تحدّث عن "جحود" فرنسا.
وبدا علي وعيل، وهو موظف حكومي يبلغ 44 عامًا، مستاءً، وقال: "أصبحنا موضوع نقاش دائم في فرنسا. في كلّ مرّة أفتح التلفزيون على قناة إخبارية فرنسية، لا أسمع إلا الجزائر وأوكرانيا. وكأنه لا يوجد في العالم سوى نحن".
ومثل العديد من الجزائريين، يشير أيضًا إلى أن الإلغاء قد يكون في مصلحة بلده. "سمعت شخصًا يقول على قناة فرنسية إنه إذا ألغيت اتفاقيات 1968، فسنعود إلى اتفاقيات إيفيان التي تنص على حرية تنقّل الأشخاص. لا أعرف إن كان ذلك صحيحا، لكنه سيكون في صالحنا".
كما هو الحال منذ بداية الأزمة، ندّد العديد من سكان العاصمة الجزائرية بـ "مناورة" انتخابية من اليمين المتطرف قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2027.
بالنسبة لعبد الرحمن بلحيمر، وهو بائع كتب يبلغ 48 عامًا، فإن التجمع الوطني "يحاول تحويل النقاش السياسي في فرنسا في وقت تعاني فيه هذه البلاد من أزمة غير مسبوقة".
وقال: "لا أعتقد أن العلاقة بين الجزائر وفرنسا ستعود إلى طبيعتها".
وتابع: "بعد أكثر من 60 عاما على الاستقلال، (الفرنسيون) ما زالوا ينظرون إلينا بازدراء".
وتتفاقم أزمة دبلوماسية بين باريس والجزائر منذ أكثر من عام، بعد اعتراف فرنسا في صيف 2024 بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وشهدت تصعيدًا كلاميًا عند محطات عدّة بينها توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 في الجزائر بتهمة تأييد موقف المغرب في النزاع، ثم في كانون الثاني/يناير 2025 مع توقيف عدد من المؤثرين الجزائريين في فرنسا بتهمة التحريض على العنف، غالبا ضد معارضين للحكومة الجزائرية.
واعتبر وزير الخارجية أحمد عطاف في مقابلة مع قناة الجزائر الدولية الإخبارية الأحد، أن مصادقة الجمعية الوطنية الفرنسية على مشروع قرار يدين الاتفاقية الفرنسية الجزائرية لعام 1968، "شأن فرنسي بحت".
وقال: "من المؤسف أن نرى دولة بحجم فرنسا تجعل من تاريخ دولة أخرى مستقلة وذات سيادة مادة للتنافس الانتخابي المبكر"، مضيفًا: "بصراحة، أنا أكن احتراما كبيرا للجمعية الوطنية الفرنسية، ولكن عندما رأيت هذا التصويت (…)، أول ما تبادر إلى ذهني هو أن التسابق على الأمور الصغيرة مستمر".
وأضاف: "لم يصلنا شيئ (من جانب الحكومة الفرنسية) ونأمل ألا نرى شيئا".