الأربعاء, 5 نوفمبر 2025 11:38 PM

إعادة هيكلة المؤسسة العامة للسينما في سوريا: من أداة إيديولوجية إلى منبر للوطن

إعادة هيكلة المؤسسة العامة للسينما في سوريا: من أداة إيديولوجية إلى منبر للوطن

تعتبر السينما من أقوى الأدوات المؤثرة في تشكيل الوعي الجمعي وتوجيه الرأي العام. وقد شهدت صناعة السينما تحولات كبيرة في العديد من الدول، سواء على مستوى الإنتاج أو في إيديولوجيات المؤسسات السينمائية نفسها. في السياق السوري، وبعد سنوات من الاستبداد، يبرز السؤال عن كيفية إعادة صياغة دور المؤسسات السينمائية بعد التغيير السياسي كقضية تستحق النقاش العميق.

يجب أن تقوم هذه إعادة الصياغة على إيديولوجية جديدة تحتفي بالوطن بتاريخه وتنوعه، وتقدم أعمالاً سينمائية تلامس واقع الناس وتطلعاتهم. كما يجب أن تكون المؤسسة منارة للحرية الفكرية والإبداع، ومكاناً يحتفي بتعدد الأصوات وتنوع القصص.

تأسست المؤسسة العامة للسينما في أواخر عام 1963، ولعبت دوراً محورياً في الإنتاج السينمائي السوري، خاصة في حقبة الستينيات والسبعينيات، التي تعتبر "العصر الذهبي للسينما السورية". دعمت المؤسسة تطور السينما السورية على مر العقود، ووفرت بيئة خصبة للفنانين والمبدعين لتطوير مشاريعهم السينمائية، مما سمح للسينما السورية بالظهور بأعمال متميزة ومتنوعة على الساحة العربية والعالمية.

لكن بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، استُخدمت المؤسسة كأداة للترويج للإيديولوجية الحاكمة، وسعت معظم الأفلام التي أنتجتها إلى تعزيز الولاء للنظام البائد، ونشر الثقافة الرسمية التي تتماشى مع توجهاته.

لكي تصبح المؤسسة ناطقة باسم الوطن، يجب أن تركز السينما على تنوع الهوية الثقافية والوطنية للشعب السوري، وأن تعكس تاريخ البلاد بكل مراحله، بما في ذلك المعاناة والآمال والتضحيات. يجب أن تصبح السينما أداة تعليمية تُستعرض من خلالها البطولات الشعبية وتاريخ الوطن الحقيقي، بعيداً عن تاريخ النظام الحاكم. يجب أن تتحرر المؤسسة من أي تأثير سياسي مباشر يفرض عليها أجندة معينة، فالسينما ليست أداة لتسويق خطاب سياسي ضيق، بل وسيلة للتعبير عن المساهمات الاجتماعية والثقافية للأفراد والجماعات.

من أبرز التوجهات التي يجب أن تتبعها المؤسسة العامة للسينما هو دعم المشاريع السينمائية المتنوعة، وخلق بيئة تسهم في تطوير صناعة سينمائية تقدم قصصاً تتسم بالعمق والإبداع. يتطلب ذلك فتح المجال أمام المخرجين والكتاب والفنانين الشباب للتعبير عن رؤاهم بحرية، دون الخوف من الرقابة. مع التحولات الديمقراطية، من الضروري أن تتنوع موضوعات السينما، وأن تسلط الضوء على تاريخ نضال الشعب السوري في وجه النظام الاستبدادي، مما يعزز الوعي الجماعي بأهمية الحريات الشخصية والعامة.

في السابق، لم يكن هناك مجال كبير للإبداع أو التطوير الشخصي للعاملين في قطاع السينما. لذلك، يجب إعطاء الأولوية لتطوير مهارات العاملين في المجال السينمائي من خلال ورش تدريبية ومبادرات للتعلم المستمر، مع تشجيع التعاون الدولي مع صناع أفلام عالميين. ولإعادة بناء الثقة مع الجمهور، يجب على المؤسسة أن تظهر التزامها بالجودة الفنية وتقديم أعمال تلامس هموم الناس وتناقش قضاياهم. ينبغي أن تكون هناك شفافية في عمليات الإنتاج بحيث يصبح الجمهور جزءاً من العملية الإبداعية.

من خلال السينما، يمكن تسليط الضوء على التنوع الثقافي والديني والعرقي في المجتمع، مما يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية. يجب أن تركز الأعمال السينمائية على تعبيرات مشتركة تجمع بين جميع مكونات المجتمع، مع تجنب خطاب التحريض أو الفتن. يمكن للسينما أن تسهم بشكل كبير في إحياء الثقافة الشعبية من خلال توثيق التقاليد والفنون المحلية وتقديمها بطريقة عصرية، مما يساعد في بناء هوية وطنية غنية ومتنوعة، ويعزز التقدير للفنون والتقاليد المحلية.

يجب تخصيص حملات توعوية لتعليم الجمهور فنون السينما وكيفية نقدها بشكل موضوعي، مما يعزز من وعي الجمهور وإقبالهم على السينما الوطنية. كما يمكن تنظيم مهرجانات سينمائية محلية لعرض الأفلام المستقلة ومناقشة موضوعاتها. من المهم أيضاً أن تنشئ المؤسسة العامة للسينما صالات عرض حديثة ومتطورة تعكس الجماليات السينمائية المعاصرة، مما يساعد في جذب جمهور الشباب الذين يفضلون استخدام منصات العرض الحديثة.

أخيراً، يجب على المؤسسة أن تسعى إلى بناء شبكة تعاون مع مؤسسات سينمائية عالمية من خلال المشاركة في مهرجانات سينمائية، والإنتاج المشترك، وتبادل الخبرات. من خلال هذه التعاونات، يمكن للسينما الوطنية أن تحصل على الاعتراف الدولي والانتشار في الأسواق العالمية. يمكن أيضاً استضافة مخرجين وممثلين ومؤلفين من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في ورش عمل ومشاريع سينمائية، مما يسهم في تبادل الخبرات والنظريات الفنية التي تضيف قيمة حقيقية للمشهد السينمائي المحلي.

الوطن – وائل العدس

مشاركة المقال: