الأربعاء, 5 نوفمبر 2025 11:45 AM

تزوير العملات يفاقم الأزمة الاقتصادية في دير الزور ويهدد ثقة السكان

تزوير العملات يفاقم الأزمة الاقتصادية في دير الزور ويهدد ثقة السكان

عمر عبد الرحمن – دير الزور

في أسواق دير الزور الصاخبة، حيث تتداخل أصوات الباعة مع روائح الخضروات والتوابل، لم يعد الخوف من القصف أو انعدام الأمن هو الشغل الشاغل للسكان. بل هناك حرب خفية جديدة، غير مرئية، تدور رحاها على الورق الذي يفترض أن يمثل رمز الثقة: النقود. ففي الأشهر الأخيرة، تفاقمت ظاهرة تداول العملات المزورة، سواء كانت سورية أو أجنبية، لتتحول إلى كابوس يومي يطارد كل من يبيع أو يشتري. فالعملة التي يحملها السكان لم تعد مصدر أمان، بل قد تكون سبب خسارتهم الوحيدة.

بين الادخار والخسارة

يسترجع حميد العبد الرزاق، من مدينة دير الزور، تفاصيل يوم لا يزال عالقاً في ذهنه: "ذهبت لشراء أدوات كهربائية من محل معروف، ودفعت بأوراق من فئة الخمسين والمئة دولار. رفضها صاحب المحل بحجة أنها مزورة. لم أصدق، فذهبت إلى ثلاثة مكاتب صرافة مختلفة، وكانت النتيجة واحدة: ورقتان من أصل أربع مزورتان. خسرت ما يعادل راتب ثلاثة أشهر، وما زلت أخشى فحص ما تبقى من مدخراتي في المنزل خوفاً من أن تكون مزورة أيضاً". ويضيف حميد، بنبرة يمزجها الغضب بالمرارة، لنورث برس: "كنا نخاف من القصف والاعتقال والحرب، أما اليوم فنخاف من النقود التي في جيوبنا". قصة حميد تجسد جانباً إنسانياً من أزمة اقتصادية متصاعدة، حيث لم يعد السكان قادرين على الوثوق بأموالهم أو بالطرف الآخر الذي يتعاملون معه.

الصرافون على خط النار

في مدينة هجين بريف دير الزور الشرقي، يجلس يوسف الرجا خلف طاولته الزجاجية، محاطاً بعدسات مكبرة وأجهزة كشف بالأشعة فوق البنفسجية. يقول لنورث برس: "نعيش بين العدسة والجهاز، ونرفض يومياً عشرات الأوراق النقدية المزورة، بعضها من فئة 5000 ليرة سورية وأخرى من الدولار. أصبح التزوير مرعباً ومتقناً، لدرجة أن العلامة المائية والشريط الأمني يُقلّدان بدقة يصعب تمييزها بالعين المجردة". ويتحدث يوسف عن مكاتب صرافة كثيرة تعاني من المشكلة نفسها: "في الأيام العادية نرفض من ثلاث إلى ثماني أوراق دولار مزورة يومياً، بالإضافة إلى عملات سورية. يتجاوز عدد مكاتب الصرافة في المنطقة الثلاثين، وكلها تواجه المشكلة نفسها. العصابات تمتلك الآن طابعات وأوراقاً خاصة، ويبدو أن جزءاً من العملات يأتي عبر المعابر غير الشرعية مع العراق، بينما يُعتقد أن ورش تزوير محلية نشطت داخل الأحياء الآمنة"، على حد قوله. ويقدم الرجا نصائح عملية للحد من الخطر: "عدم قبول أي ورقة ممزقة أو مجعدة، واستخدام قلم كشف التزوير، أو مراجعة مكاتب الصرافة عند الشك. هذه الأدوات بسيطة لكنها قد تنقذ الناس من خسائر كبيرة".

جذور الأزمة العميقة

يرى سامر العبود، وهو ناشط في مجال التنمية المجتمعية، أن المشكلة تتجاوز الجانب التقني للتزوير، لتصل إلى بنية الاقتصاد والإدارة نفسها: "الأزمة ليست مجرد ورقة نقدية مقلدة، بل هي انعكاس لغياب سلطة المؤسسات وضعف القانون. دير الزور محافظة حدودية، تتقاسمها أطراف متعددة، وتفتقر إلى رقابة مالية وأمنية فعالة، مما يخلق بيئة مثالية لازدهار التزوير والتهريب". ويضيف العبود أن الاقتصاد المحلي يعتمد بشكل شبه كامل على التداول النقدي المباشر، وليس على القنوات المصرفية، مما يسهل تسريب العملة المزورة دون رقابة. ويشير إلى أن "الفقر والبطالة واليأس جعلت بعض البسطاء – عن قصد أو غير قصد – جزءاً من حلقة التزوير، سواء بتمرير العملات أو ترويجها لتأمين لقمة العيش".

تداعيات اقتصادية واجتماعية

لا تتوقف انعكاسات الأزمة عند خسارة الأفراد، بل تمتد إلى الثقة العامة في السوق. يقول العبود: "انهيار الثقة بين البائع والمشتري أخطر من التزوير نفسه". ويضيف: "كل شك في ورقة نقدية يتحول إلى شجار، وقد يتطور إلى مشكلة أمنية، فضلاً عن تراجع حركة البيع والشراء بسبب خوف التجار من التعامل مع زبائن جدد، مما يؤدي إلى شح السلع وارتفاع الأسعار بشكل غير مباشر". ويصف بعض الاقتصاديين ما يحدث بأنه "شلل تدريجي للاقتصاد المحلي"، حيث يتراجع التداول التجاري لصالح الادخار السلبي، ويزداد الطلب على الدولار الحقيقي، مما يضغط على سعر الصرف ويرفع التضخم في المنطقة.

ويرى العبود وآخرون أن المعالجة لا يمكن أن تقتصر على التوعية الفردية، بل تحتاج إلى استراتيجية شاملة تشمل: "تفعيل دور المصارف وتشجيع السكان على استخدام التحويلات الإلكترونية والبطاقات المصرفية، وتنفيذ حملات توعية عبر الجمعيات الأهلية والمساجد حول طرق كشف العملات المزورة، وملاحقة ورش التزوير وتفكيك شبكات التهريب بدلاً من الاكتفاء بالمراقبة، وإطلاق خطة لاستبدال العملات القديمة بأخرى جديدة بتقنيات أمان متقدمة".

يقول العبود: "استبدال العملة خطوة مكلفة لكنها ضرورية، فهي الطريقة الوحيدة لحماية الفقراء الذين يقعون ضحايا دون قصد، وإعادة الثقة بالنظام النقدي".

في النهاية، لا تبدو أزمة العملات المزورة مجرد خلل مالي، بل أزمة ثقة تضرب أساس العلاقة بين الناس في السوق. فكل ورقة نقدية مشكوك فيها تعني صفقة خاسرة، وكل شك بين بائع ومشترٍ يضيف طبقة جديدة من الخوف إلى حياة أنهكتها الحرب. وفي دير الزور اليوم، لا يخشى الناس صوت المدافع، بل ملمس الورقة التي يدفعونها أو يستلمونها.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: