الثلاثاء, 4 نوفمبر 2025 04:30 PM

سوريا على خريطة الاستثمار: انفتاح اقتصادي متسارع واهتمام دولي متزايد

سوريا على خريطة الاستثمار: انفتاح اقتصادي متسارع واهتمام دولي متزايد

في تحول ملحوظ يشهده الخطاب الاقتصادي والدبلوماسي السوري، ترأس الرئيس أحمد الشرع اجتماعًا لمجلس التنمية الأعلى يوم الثلاثاء، وذلك لمتابعة ملف جذب الاستثمارات وإعادة الإعمار. يأتي ذلك في خضم زخم دبلوماسي أعقب مشاركة دمشق اللافتة في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عقد في الرياض، وما تلاه من اتصالات مع واشنطن وأنقرة والدوحة.

يثير هذا النشاط المتزايد تساؤلات حول دوافع القوى الإقليمية والدولية للانفتاح الاقتصادي على سوريا، وإلى أي مدى يمكن الرهان على الاستثمار كمدخل لتعافي الاقتصاد السوري بعد أكثر من عقد من الحرب والعقوبات.

الرياض… بوابة الانفتاح الخليجي

تحمل زيارة الرئيس الشرع إلى الرياض ومشاركته في مؤتمر الاستثمار دلالات سياسية واقتصادية مهمة. فالمملكة العربية السعودية، التي تقود توجهًا إقليميًا لإعادة دمج سوريا في المنظومة العربية، تعتبر، بحسب الخبراء، "البوابة الاقتصادية الكبرى" لدخول رؤوس الأموال الخليجية إلى السوق السورية.

ويرى الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي أن "المشاركة السورية في المنتدى أعادت فتح قنوات الثقة بين دمشق والعواصم الخليجية"، مشيرًا إلى أن صناديق الاستثمار السيادية السعودية يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في إعادة الإعمار، من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية والزراعة والطاقة. كما تجسدت رغبة متبادلة في تعزيز التعاون خلال لقاءات الرئيس الشرع مع رجال أعمال ومسؤولين سعوديين، بمن فيهم الأمير محمد بن سلمان ووزراء الاقتصاد والاتصالات، خاصة في القطاعات التقنية والزراعية والمصرفية.

الولايات المتحدة: تواصل حذر تحت سقف التنمية

من الملاحظ في هذا السياق الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد اقتصادي سوري إلى واشنطن، والتي أسفرت عن تفاهمات وُصفت بـ "المهمة" مع البنك الدولي وصندوق النقد ووزارة الخزانة الأميركية. يرى مراقبون أن هذا التواصل يشير إلى تحول تكتيكي في السياسة الأميركية تجاه دمشق، حيث يُسمح بمساحات محدودة للتعاون الاقتصادي ضمن أطر "الاستقرار الإنساني والتنمية"، دون كسر نظام العقوبات بشكل كامل.

أشار وزير المالية السوري محمد يسر برنية إلى أن الوزارة انتقلت من مرحلة التشاور إلى "الشراكة والتعاون"، مؤكدًا أن المشاريع التنموية المشتركة مع الصناديق العربية والدولية ستنطلق قريبًا.

الاهتمام التركي والقطري: شراكة عبر بوابة “الكومسيك”

بالتزامن مع التحركات في الرياض وواشنطن، تستضيف إسطنبول اجتماعات اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري في منظمة التعاون الإسلامي "الكومسيك"، بمشاركة سورية فاعلة. يشير جدول أعمال المؤتمر إلى اهتمام تركي وقطري واضح بملف إعادة الإعمار، مع التركيز على تحسين بيئة الاستثمار وتوفير فرص العمل وتنشيط القطاع الخاص في سوريا.

ووفقًا لوكالة "الأناضول"، فقد خُصصت جلسات لمناقشة آليات التنسيق المؤسسي ودور القطاع الخاص، مما يعكس رغبة أنقرة والدوحة في لعب دور فني واستثماري في المرحلة المقبلة من إعادة الإعمار، ربما بالتنسيق مع الرياض.

تقاطع مصالح بغض النظر عن الاصطفاف السياسي

يتضح من هذا الزخم أن الملف الاقتصادي السوري أصبح نقطة التقاء مصالح إقليمية ودولية، أكثر من كونه ملفًا سياسيًا. فالسعودية تسعى إلى تعزيز دورها كضامن اقتصادي في المنطقة وتوسيع نفوذها في مشاريع إعادة الإعمار، بينما ترى تركيا وقطر في الاستثمار وسيلة لإعادة الانخراط التدريجي في المشهد السوري بعد سنوات من القطيعة. أما الولايات المتحدة، فتراقب المسار لضمان ألا يتحول الانفتاح إلى كسر للعقوبات، بل إلى دعم "التنمية المشروطة"، بحسب مراقبين.

من جانبها، تبذل الحكومة السورية جهودًا مكثفة لتوفير بيئة استثمارية أكثر جاذبية، من خلال إصلاحات مالية وتشريعية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. وقد أكد الرئيس الشرع خلال اجتماع مجلس التنمية الأعلى أن تحسين بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات الإدارية يمثلان أولوية في المرحلة المقبلة.

في المقابل، لا تزال التحديات الداخلية كبيرة، مع محدودية التمويل المحلي والقيود المفروضة على التحويلات الخارجية. ورغم ذلك، يشير خبراء إلى تحسن ملحوظ في التنسيق بين وزارات المالية والتجارة والاقتصاد والبنك المركزي مقارنة بالسنوات السابقة، خاصة فيما يتعلق بإدارة الدعم وتحرير الأسعار تدريجيًا وتشجيع القطاع الخاص المحلي.

ويمكن القول إن سوريا تدخل مرحلة "التطبيع الاقتصادي" مع محيطها تدريجيًا، بعد سنوات من العزلة. ويرى الخبراء أن الاهتمام السعودي والتركي والقطري والأميركي يمثل تحولًا اقتصاديًا في التعامل مع واقع جديد في المنطقة.

مشاركة المقال: