بينما يتطلع السوريون إلى رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على سوريا بموجب قانون "قيصر" بعد انتهاء نظام الأسد، لا يزال الطريق نحو إلغاء القانون محفوفًا بالعقبات بعد إقراره في مجلس الشيوخ الأمريكي في 10 تشرين الأول الماضي. يحتاج القانون الآن إلى تصويت في مجلس النواب، ثم التوصل إلى اتفاق لتقديمه إلى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للتوقيع عليه، لكن القانون يواجه معارضة في أروقة البيت الأبيض.
في حين يضغط البيت الأبيض بقوة على الكونجرس لإلغاء "قيصر"، تدعو بعض المنظمات والشخصيات المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، والمعارضة للسلطة في دمشق، إلى الإبقاء على العقوبات المفروضة على دولة يعتبرونها تهديدًا محتملاً لهم وللأقليات كالعلويين والدروز. وتواجه هذه الضغوط جهودًا من منظمات سورية-أمريكية تطالب بالإلغاء الكامل والفوري للعقوبات، وبالتالي السماح لشركات دولية بالانخراط في النشاط الاقتصادي في سوريا بعد الحرب. تستعرض عنب بلدي مساعي التيارات الضاغطة لإبقاء قانون "قيصر" الذي فُرض على النظام السابق، ورئيسه المخلوع، بشار الأسد، منذ عام 2020، وتبحث في إمكانيات بقائه أو إلغائه، والشروط المرافقة لذلك، وتأثير ذلك على المستوى الاقتصادي والسياسي مع الباحثين والخبراء.
مثلث الضغوط يواجه إرادة ترامب
قطع إلغاء قانون "قيصر" شوطًا كبيرًا بعد إقرار مجلس الشيوخ رفعه، من خلال تمرير الموازنة العامة لوزارة الدفاع الأمريكية، في 10 تشرين الأول الماضي، إلا أنه ما زال يواجه تيارات ضاغطة، أبرزها منظمات موالية لإسرائيل، قبيل عرضه على مجلس النواب الأمريكي. وقال مساعد كبير في الكونجرس لموقع "المونيتور" بشرط عدم الكشف عن هويته، إن المسؤولين في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والخزانة "كانوا واضحين تمامًا أمام الكونجرس بأن الموقف الرسمي للإدارة هو الإلغاء الكامل والنهائي لقانون (قيصر)".
بالمقابل، بعض المنظمات المؤيدة لإسرائيل في واشنطن تدعو إلى إبقاء العقوبات المفروضة على دولة يرونها تهديدًا محتملاً لإسرائيل وللأقليات كالعلويين والدروز، وفق الموقع. وقالت مصادر مطلعة على جهود الضغط لـ"المونيتور"، إن مسؤولين إسرائيليين كبارًا، بمن في ذلك رون ديرمر، المساعد المقرب لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، شاركوا أيضًا في التواصل مع المشرّعين. وعقب ما سرّبه الموقع الأمريكي، نشر عضو "المجلس السوري- الأمريكي" محمد علاء غانم، مقطعًا مصورًا على حسابه في "فيسبوك" قال فيه، إن المفاوضات مع مجلس النواب جارية رغم الإغلاق الحكومي، إلا النجاح غير مضمون، مبديًا أمله في نجاح المفاوضات للوصول إلى تسوية في المجلس. كما أن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، كان يدفع باتجاه رفع العقوبات، إذ سهّل عدة لقاءات بين وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ووزارة الخزانة الأمريكية، وعدد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في 19 و20 من أيلول الماضي، بينهم ليندسي غراهام وكريس فان هولن. وقال مصدر آخر في الكونجرس لـ"المونيتور"، إن براك أجرى اتصالات هاتفية مع كبار المشرّعين "الجمهوريين" في الأسابيع الأخيرة لحثهم على دعم إلغاء القانون. الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع بلتقي وفدًا من الجالية السورية في أمريكا – 22 أيلول 2025 (رئاسة الجمهورية)
شروط لرفع القانون
في 15 أيلول الماضي، أي قبل زيارة الشيباني إلى واشنطن، قدّم عضو مجلس الشيوخ ليندسي غراهام، الداعم القوي لإسرائيل، نيابة عنه وعن عضو المجلس كريس فان هولن، تعديلًا على قرار تعليق قانون عقوبات "قيصر" على سوريا. ووفق موقع الكونجرس الأمريكي، فإن غراهام قدّم تعديلًا ينص على أن "التعليق لن يكون مطلقًا" بل مشروطًا بجملة من الالتزامات الصارمة تُفرض على الحكومة الانتقالية وتُتابع دوريًا، وهي:
- الانضمام رسميًا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
 - الالتزام بمحاربة "الإرهاب".
 - حماية حقوق المكونات الدينية والإثنية وضمان مشاركتها السياسية.
 - الحفاظ على علاقات سلمية مع دول المنطقة بما فيها إسرائيل.
 - وقف دعم أو إيواء التنظيمات المصنفة "إرهابية".
 - إخراج المقاتلين الأجانب من مؤسسات الدولة والأمن.
 - محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات منذ كانون الأول 2024.
 
وقبل لقاء وزير الخارجية السوري بساعات، قال غراهام لموقع "أكسيوس"، إن الشيباني سيجتمع بعدد من النواب الأمريكيين لمناقشة إمكانية الإلغاء الدائم لعقوبات "قيصر"، موضحًا أن دعمه لذلك مشروط بانضمام سوريا رسميًا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة"، وبالتوصل إلى اتفاق أمني جديد مع إسرائيل. إلا أن هذه الشروط أصبحت بعد تمرير مشروع الإلغاء في مجلس الشيوخ "غير ملزمة". ووفق عضو "المجلس السوري- الأمريكي" محمد علاء غانم، فإن هذه الشروط غير الملزمة تُعيد عقوبات "قيصر" تلقائيًا في حال الإخفاق بتطبيقها. وأضاف أن هناك بندًا غير ملزم يقضي بأن يناقش الكونجرس مسألة إعادة فرض قانون "قيصر" في حال لم تُحرز الحكومة السورية تقدّمًا فيما هو مطلوب منها لمدة 12 شهرًا متتالية. بالنسبة للبنود غير الملزمة، قال الباحث في مركز "جسور للدراسات" محمد سليمان، إن معظمها يمكن النظر إليه كـ"بوصلة سياسية" أكثر من كونها "شروطًا قسرية"، معتبرًا أن الحكومة السورية تستطيع بـ"درجات متفاوتة" تنفيذ عدد من هذه التعهدات وهي لديها رغبة "حقيقة وجدية". المستشار السابق في الخارجية الأمريكية، حازم الغبرا، قال لعنب بلدي، إن موضوع رفع العقوبات مرتبط بـ"طلبات واضحة جدًا وبسيطة عمليًا وليست معقدة"، يتشارك بها الطرفان السوري والأمريكي، منها "حماية حقوق الأقليات وأمنهم، ومحاربة الإرهاب"، بحسب تعبيره.
مَن الداعمون والرافضون لرفع القانون؟
التحالفات بشأن قانون "قيصر" في الكونجرس وفي عموم الولايات المتحدة، انقسمت على مستوى الحزبين الأمريكيين، وعلى مستوى الجالية السورية في أمريكا نفسها، وفق ما رصدته عنب بلدي.
الداعمون لإلغاء "قيصر"
يتوزع الداعمون لإلغاء "قيصر" على:
- إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ووزارة الخزانة الأمريكية، وغرفة التجارة الأمريكية.
 - أعضاء من الكونجرس:
 - من الحزب "الديمقراطي": جين شاهين وماكسين ووترز ورشيدة طليب وإلهان عمر وجيمي بانيتا وبراميلا جايابال.
 - من الحزب "الجمهوري": جو ويلسون وراند بول وآنا بولينا لونا ومارلين ستوتزمان ولو كوريا وجاك بيرغمان.
 - عائلات المفقودين الأمريكيين في سوريا.
 - من المنظمات السورية: "المجلس السوري- الأمريكي"، "التحالف السوري للسلام والازدهار"، "المنظمة السورية للطوارئ".
 
الرافضون لإلغاء "قيصر"
- عدد من أعضاء الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي" في الكونجرس المعروفين بدعمهم لإسرائيل مثل: ليندسي غراهام ومارك لولر وكريس فان هولن وبراد شيرمان.
 - المنظمات الداعمة لإسرائيل مثل: "لجنة الشؤون العامة الأمريكية- الإسرائيلية" (آيباك)، "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" (FDD)، "المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي" (JINSA)، "المنتدى الأمني الأمريكي" (ASF).
 - ومن المنظمات السورية: "رابطة العلويين في الولايات المتحدة"، إضافة إلى منظمات أخرى تشكلت بعد سقوط النظام السابق.
 
وليست "رابطة العلويين" العقبة الأساسية أمام رفع عقوبات قانون "قيصر"، وفق ما يرى عضو مجلس إدارة "المجلس السوري- الأمريكي" زكي لبابيدي. لبابيدي اعتبر، في حديث إلى عنب بلدي، أن "رابطة العلويين" مؤسسة حديثًا في الولايات المتحدة، وليس لها نفوذ في واشنطن، كما أنها لا تملك أصدقاء في مجلسي الشيوخ والنواب، بحسب تعبيره. وأكد لبابيدي أنه رغم العقبات التي تواجههم، بسبب "اللوبي" الإسرائيلي ذي النفوذ القوي بالكونجرس، فإن الوضع في مجلس الشيوخ ممتاز، لكن المشكلة موجودة في مجلس النواب، وتعمل الجالية السورية في أمريكا لحلها. وتابع لبابيدي أن الأمر الإيجابي الذي يجابه جميع العقبات، هو أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والبيت الأبيض، يريدون رفع العقوبات، ويضغطون في هذا الاتجاه، معتبرًا أن التوازنات السياسية في الولايات المتحدة ستحدد رفع العقوبات من عدمه. بينما قال الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، إنه عقد لقاءات مع أعضاء من الكونجرس، في سبيل وضع اشتراطات أمام رفع العقوبات عن سوريا. وأشار في حديث جمعه مع ناشطين من الطائفة العلوية، وفق تسجيل بثه الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، إلى لقاءات أخرى مع أعضاء في الكونجرس، للضغط على إعادة فرض "قيصر" في حال تعدّت الحكومة السورية على الأقليات، وفق تعبيره.
ما قانون "قيصر"؟
قانون "قيصر" هو مشروع قانون أقره مجلس النواب الأمريكي، في 15 تشرين الثاني 2016، ووقّع عليه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 21 كانون الأول 2019 (خلال ولايته الأولى). وينص القانون على معاقبة كل من يقدم الدعم للنظام السوري السابق، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد المخلوع. ويشمل القانون كل من يقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام السابق، من الشركات والأشخاص والدول، حتى روسيا وإيران، ويستهدف كل من يقدم المعونات الخاصة بإعادة الإعمار في سوريا. وتعود تسميته باسم قانون "قيصر" إلى الضابط السوري المنشق عن النظام فريد المذهان، الذي سرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل عام 2014، قُتلوا تحت التعذيب، أكد مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) صحتها، وأثارت الرأي العام العالمي حينها، وعُرضت في مجلس الشيوخ الأمريكي. الرئيس السوري أحمد الشرع يلتقي وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو في واشنطن 22 أيلول 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)
الكونجرس يدرس "تحريرًا مراقبًا" للعقوبات
يعود ملف العقوبات الأمريكية على سوريا إلى واجهة الاهتمام في واشنطن، وسط نقاش معمّق حول أفضل السبل للتعامل مع النظام السوري الجديد بعد سقوط الأسد وتغير موقع سوريا على الخريطة الإقليمية والدولية. ويرى المحلل السياسي السوري عبد الله العلي، في حديث إلى عنب بلدي، أن المشهد الأمريكي لا يتجه نحو رفع كامل ونهائي للعقوبات، بل إلى تفكيك يُدار تحت سقف رقابي يوازن بين الانفتاح الاقتصادي واحتفاظ الولايات المتحدة بأدوات الضغط، فإسرائيل وملفات الإرهاب و"الكبتاجون" واللاجئين تمثل جميعها عوامل رئيسة تحدد شكل القرار الأمريكي. وأكد أن أي انفتاح سيكون مشروطًا برقابة صارمة، وليس تحريرًا كاملًا بلا قيود، حسب وصفه.
الفرصة الحالية وقيود التنفيذ
ووفق العلي، فإنه بعد سقوط نظام الأسد، بدا أن فرصة رفع العقوبات الأمريكية أصبحت أكبر من أي وقت مضى، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن القرار سيتحقق سريعًا. واعتبر أن هذه الفرصة مرتبطة بـ"اشتراطات وترتيبات دقيقة وضعتها القوى الداعمة لضمان أن يكون الانتقال السياسي متوافقًا مع مصالحها"، مبينًا أن رفع العقوبات صار أكثر قابلية للتحقق، لكنه سيترك فراغًا سيملأ بـ"آليات جديدة قد تكون عقوبات انتقائية أو تهديدًا بالعقوبات"، بهدف ضبط العملية وضمان الرقابة. ويرى أن تعقيد الوضع ناجم عن "التشكيلات العسكرية التي حلت محل النظام السابق وهي خاضعة للعقوبات الأممية، ورفعها يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن"، وهو ما ظهر عند إخفاق المجلس مؤخرًا في رفع العقوبات عن شخصين فقط رغم الحشد الأمريكي الكبير.
الانقسامات الأمريكية وتشريعات الكونجرس
لم يعد الانقسام حول العقوبات "حزبيًا تقليديًا" بين "الجمهوريين" و"الديمقراطيين"، بل صار أفقيًا داخل كل حزب، بحسب المحلل السياسي عبد الله العلي، ففي مجلس الشيوخ، اجتمعت كتل من الطرفين لدعم مسار إلغاء "قيصر" ضمن موازنة الدفاع، بينما اصطف نواب آخرون من نفس الحزبين خلف مقترح تمديد العقوبات لعامين إضافيين. وأوضح العلي أن هذا التداخل يظهر أن القضية تتجاوز حدود التكتيك الحزبي الضيق، وتدار عبر مقاربتين أساسيتين:
- الانفتاح المراقَب: إنهاء العقوبات الشاملة مع إبقاء أدوات رقابة وآلية "ارتداد سريع" لهذه العقوبات.
 - التدرّج المشروط: وضع اشتراطات مسبقة أو تمديد محدود قبل أي تحرير واسع من العقوبات.
 
ولكن المحلل السياسي ذاته يرى أن الخلاف بين أكبر حزبين في الولايات المتحدة ليس حادًا لدرجة الاستعصاء، لأن هناك قاسمًا مشتركًا هو حماية مصالح الولايات المتحدة وحلفائها مع تقليل الأعباء على السوريين.
آليات الرقابة والشروط
يتضمن نص التشريع المقدم من مجلس الشيوخ قيدًا رقابيًا مهمًا، يتمثل في تقارير دورية كل 120 يومًا عن ستة معايير، مع آلية "ارتداد سريع" لإعادة فرض العقوبات تلقائيًا إذا تراجعت المؤشرات مرتين، وهذه الآلية تحوّل أي رفع للعقوبات إلى مراقبة مستمرة وليست تحريرًا نهائيًا. وأشار العلي إلى أن أي تقارب مع موسكو لا يغلق الباب أمام رفع العقوبات، لكنه يفرض صيغة مشروطة ويحتاج إلى ضوابط إضافية وفق القراءة الأمريكية، مع التركيز على الحفاظ على قواعد عدم التصادم والهدوء على الجبهة المرتبطة بإسرائيل. وتشمل شبكة الملفات المحيطة بالسياسة الأمريكية حيال مسألة رفع العقوبات عن سوريا من عدمها وفقًا للعلي:
- إسرائيل التي تراقب الجنوب السوري ومصالحها تتجاوز حماية الحدود إلى ضبط النفوذ الإقليمي، خصوصًا تجاه تركيا، والمخاوف من الخلفية الجهادية للسلطة السورية، وذلك يترجم عبر "اللوبيات" الإسرائيلية إلى حملات ضغط تؤثر في مشاريع قوانين العقوبات.
 - الإرهاب وتنظيم "الدولة الإسلامية": رغم استعداد دمشق للتعاون، تبقى الشكوك حول البنى القتالية السابقة للسلطة الحالية، وهذا ما يفسر الحذر الأمريكي.
 - "الكبتاجون": ملف قانوني مستقل، مع استمرار التصنيع والتهريب وفق تقارير أممية وبحثية، رغم مصادرة المعامل، مما يجعل رفع العقوبات مرتبطًا بالتحكم في هذا الملف.
 - اللاجئون: وزنهم العددي محدود، لكن رمزية ملفهم عالية سياسيًا، حيث استُخدم في الحملات الانتخابية الأمريكية كرمز للتشدد أو التساهل من قبل المرشحين.
 
لا معارضات حقيقية لإلغاء "قيصر" في واشنطن
من جانبه، قال الدبلوماسي السوري في واشنطن بسام بربندي، إنه لا أحد في واشنطن يعارض سوريا بشكل جدّي، ولا أحد يعارض إلغاء العقوبات فورًا، وهناك تفاؤل لدى المسؤولين الأمريكيين حيال إمكانية استقرار سوريا، والقضاء على تنظيم "الدولة"، والحد من النفوذ الإيراني، وتحقيق سلام مع إسرائيل. وأوضح بربندي أن النقاش لا يخلو من تعقيدات، مع أسئلة حول كيفية ضمان استقرار سوريا وفرض السلم الأهلي بين جميع الأطياف السورية، مشيرًا إلى أن رفع العقوبات دون ضمانات حقيقية من الحكومة السورية ربما يبدو غير ممكن عمليًا. وقال إن الهدف من رفع العقوبات هو منح سوريا مساحة للتنفس، بشرط الالتزام بالتعهدات الرسمية، مع وجود آلية لإعادة فرض العقوبات في حال حدوث أي إخلال. ومن يرى في واشنطن ضرورة وجود شروط صارمة لرفع العقوبات، يشددون على أن الحكومة السورية لا يمكن أن تحصل على "إشارة خضراء" لتجاوز أي التزامات، أضاف الدبلوماسي السوري.
تحديات ميدانية
يتفق المحلل السياسي عبد الله العلي والدبلوماسي بسام بربندي على أن الوضع الميداني في الساحل السوري وأحداث السويداء تشكل تحديات لسياسة الحكومة تجاه الأقليات وحقوق الإنسان، وأن تأثير "اللوبيات" الأجنبية التي لها مصلحة في عدم استقرار سوريا يزيد من تعقيد المفاوضات المتعلقة بالعقوبات. ولكن بربندي أكد أن رفع العقوبات مرتبط بانتهاء هذه المفاوضات بين الأمريكيين، وأن الزمان والمكان لتطبيق قرار الرفع يحددهما مسار التوافق الأمريكي الداخلي. وتشير آراء العلي وبربندي إلى أن خيارات رفع العقوبات الأمريكية السورية اليوم لا تدور حول ما إذا كانت سترفع أم لا، بل حول كيفية رفعها، وما الشروط الواجب الالتزام بها من قبل دمشق.
توافق تاريخي مشروط بين "الجمهوريين" و"الديمقراطيين"
يقدم المحامي الأمريكي من أصل سوري سمير صابونجي، مقاربة مختلفة حول أكبر حزبين بالولايات المتحدة والتوازن بين السياسة والمصلحة، ويقول إن هناك تباينات داخل كل حزب. تاريخيًا، يميل "الجمهوريون" إلى ربط أي تخفيف بشروط صارمة وضغط مستمر، فيما يظهر لدى "الديمقراطيين" استعداد أكبر لتحسين المسارات الإنسانية والاقتصادية المشروطة. لكن المواقف تتبدّل بحسب الظرف والقيادة في الولايات المتحدة، قال صابونجي، ورغم الاستقطاب، يمكن الوصول إلى تسويات عملية، وفي حالة سوريا، غالبًا ما تدور هذه التسويات حول رفع العقوبات لإفساح المجال أمام سوريا مع توقعات بتطبيق معايير واضحة ورقابة، مشيرًا إلى وجود مناصرة في هذه المراحل، فمثلًا هناك تأييد كامل من طرف الجالية السورية- الأمريكية للحكومة السورية. ويتوقع عادة أن يُطرح قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) للتصويت، ويُقرّ في كانون الأول المقبل، أوضح صابونجي. فعلى سبيل المثال، هذا هو الشهر الذي دخل فيه قانون "قيصر" حيّز التنفيذ عام 2019، وهو أيضًا الوقت الذي جرى فيه تجديده العام الماضي بعد فترة وجيزة من سقوط النظام. الرئيس السوري أحمد الشرع يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزوجته ميلانيا ترامب 25 أيلول 2025 (الرئاسة السورية)
المسار التشريعي لقانون "قيصر"
سمير صابونجي محامٍ أمريكي من أصل سوري وعضو "مجلس الأعمال الأمريكي- السوري" تم تمرير إلغاء قانون "قيصر" ضمن نسخة مجلس الشيوخ من قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي (NDAA)، ويتعين على مجلسي النواب والشيوخ تمرير نسختيهما من قانون الدفاع سنويًا، وقد أقرّ مجلس النواب بالفعل نسخته، لكنها لم تتضمّن بند إلغاء قانون "قيصر". في المقابل، أقرّ مجلس الشيوخ نسخته من القانون، وتضمّنت نصًا صريحًا بإلغاء القانون. بعد ذلك، سيجتمع المجلسان (وأتوقع أن يتم ذلك قريبًا) فيما يُعرف بـ"اللجنة المشتركة" (Conference Committee)، وهي لجنة تُشكَّل لتسوية الخلافات بين النسختين وإعداد نص موحّد للعرض النهائي. وفي هذه المرحلة، يمكن أن تتضمن الصيغة النهائية للقانون بنودًا لم تكن مدرجة في أي من النسختين الأصليتين، إذا وافق عليها الجانبان. ومن خلال هذه اللجنة المشتركة يمكن أن يتم إدراج إلغاء قانون "قيصر" في النص النهائي أو استبعاده، ومع ذلك، فإن الاحتمالات السياسية حاليًا تُشير إلى ترجيح إدراجه في النسخة النهائية لقانون الدفاع الوطني، نظرًا إلى تزايد الزخم الحزبي المزدوج (من الحزبين) باتجاه مراجعة سياسة العقوبات الأمريكية تجاه سوريا. إلا أن الحكومة الأمريكية تمر حاليًا بحالة إغلاق (Shutdown)، ما أدى إلى تجميد العمل التشريعي مؤقتًا وتأجيل اجتماعات اللجان والتصويت على الصيغة الموحدة لقانون الدفاع، ورغم ذلك هناك دعم وحملة في الشارع الأمريكي للتصويت على قانون موازنة وزارة الدفاع.
الصيغ والخيارات المحتملة:
في حال توصّل الكونجرس إلى اتفاق لإلغاء أو تعديل قانون "قيصر"، فهناك ثلاث صيغ رئيسة محتملة:
- إلغاء كامل وغير مشروط، يتم بموجبه إلغاء قانون "قيصر" بالكامل وإنهاء الأساس القانوني للعقوبات المفروضة بموجبه بشكل فوري.
 - إلغاء مع اشتراطات تقارير دورية، حيث يُلغى القانون، لكن يُضاف شرط تقديم تقارير دورية. وفي هذه الحالة، يُلزَم الرئيس الأمريكي أو وزارة الخارجية الأمريكية بتقديم تقارير منتظمة إلى الكونجرس حول أداء الحكومة السورية، مثل التقدّم في حقوق الإنسان، والإصلاح السياسي، والوصول الإنساني، ويحتفظ الكونجرس بحق إعادة فرض العقوبات عبر تشريع جديد إذا رأى أن سوريا لم تلتزم بالمعايير المحددة.
 
- في هذا النموذج، يتم إلغاء القانون فعليًا، لكن يستمر الإشراف الرقابي للكونجرس من خلال آلية التقارير.
 - وإذا قرر الكونجرس إعادة فرض العقوبات مستقبلًا، فسيتعيّن عليه إصدار قانون جديد، وهو إجراء طويل ومعقّد بطبيعته.
 
- تعليق القانون مؤقتًا مع آلية مراجعة مشروطة، ويمكن تعليق العمل بقانون "قيصر" إلى أجل غير محدد مع تحديد فترة زمنية واضحة لتقديم التقارير (سنة أو سنتين مثلاً)، وإذا استوفت الحكومة السورية المعايير المحددة خلال تلك الفترة، يتم حينها إلغاء القانون بشكل نهائي. هذا السيناريو يعني استمرار التعليق الحالي لقانون "قيصر" ولكن مع معايير محددة وآلية زمنية واضحة تمهّد لإلغائه النهائي. وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، يرفع علم سوريا الجديد في الأمم المتحدة 25 من نيسان 2025 (أسعد حسن الشيباني / إكس)
 
اقتصاديًا وسياسيًا..
ما انعكاس احتمالات بقاء “قيصر”؟
منذ أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية العقوبات على دمشق، تأثرت مختلف قطاعات الاقتصاد السوري بشكل بالغ، ما جعل من مسألة رفع هذه العقوبات أو تعديلها موضوعًا بالغ الأهمية للمستقبل الاقتصادي للبلاد.
التغييرات لم تُترجم لتحسينات
المحلل الرئيس في قضايا العقوبات بشركة “كرم شعار الاستشارية”، فيتوريو ماريسكا دي سيراكابريولا، قال لعنب بلدي، إنه تم بالفعل تخفيف معظم العقوبات الاقتصادية الأمريكية على سوريا، إذ شُطبت معظم البنوك من قوائمها، ورُفع تصنيف “هيئة تحرير الشام” (نواة السلطة السياسية والعسكرية) كمنظمة إرهابية أجنبية، وشُطبت العديد من الكيانات والأفراد من قوائم العقوبات. نظريًا، أعاد هذا فتح قطاعات كاملة أمام التجارة والعلاقات الاقتصادية، وتم الإعفاء مؤقتًا من قانون “قيصر”، كما تم تخفيف بعض أحكام قانون محاسبة سوريا، وفق ما أوضحه دي سيراكابريولا. وأشار إلى أن هذه التغييرات لم تُترجم بعد إلى تحسينات ملموسة في العلاقات المصرفية والمالية أو مشاريع إعادة الإعمار، ويعود ذلك أساسًا لسببين: أولًا: لا تزال عقوبات أخرى سارية، ومنها قانون “قيصر”، إذ لا يزال قائمًا حتى مع الإعفاء منه حاليًا، مما يعني أن عقوباته الثانوية قد يعاد فرضها في أي وقت. ثانيًا: لا يزال هذا الغموض يردع حتى الشركات والمؤسسات المالية غير الأمريكية عن إعادة التعامل مع سوريا.
استقطاب الاستثمارات
بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد، لعنب بلدي، أنه بالرغم من أن احتمالات رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تبقى مفتوحة وتخضع للعديد من المتغيرات، فإن التطورات الحالية تشير إلى احتمال كبير لرفع العقوبات بشكل كامل. وبدأت بعض الشركات بالفعل في انتظار إزالة العقوبات لتتمكن من تنفيذ مذكرات التفاهم التي تم توقيعها مع دمشق، حيث بلغت قيمة هذه المذكرات نحو 24 مليار دولار، وهو ما يمكن أن يُحرك الاقتصاد السوري بشكل مبدئي، ويعطي دفعة لقطاع الإنتاج والصناعة في البلاد، وفق ما قاله الدكتور علي محمد. كما أن رفع العقوبات سيسهم في استقطاب استثمارات جديدة، خاصة في مشاريع حيوية مثل مشاريع الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى دخول المصارف الأجنبية والعالمية إلى السوق السورية، وهو ما يُعدّ خطوة مهمة نحو تنشيط الاقتصاد السوري، بحسب ما شرح محمد.
تدفق رؤوس الأموال لسوريا
إذا رُفعت جميع العقوبات بالكامل، سيتولد اهتمام متجدد في قطاع الأعمال، وتدفق ملموس لرؤوس المال إلى سوريا، بحسب توقع المحلل الرئيس في قضايا العقوبات بشركة “كرم شعار الاستشارية”، فيتوريو ماريسكا دي سيراكابريولا. وبالمقابل، أكد أنه ومع ذلك، من المرجح أن تستمر مشكلة “تداعيات العقوبات”، وهي حالة من عدم اليقين المستمر، ومخاطر على السمعة، ومخاوف من الامتثال حتى بعد رفع القيود الرسمية. وتتطلب معالجة هذا الأمر اتخاذ إجراءات من كلا الجانبين، تتمثل في:
- تحتاج البنوك السورية إلى تعزيز أطر مكافحة غسل الأموال وتمويل “الإرهاب” الخاصة بها.
 - استحداث آليات لتقاسم المخاطر أو الحوافز، حيث من غير المرجح أن تُخاطر الأسواق بنفسها مرة أخرى دون دعم خارجي.
 
فرص استثمارية تحتاج إليها سوريا
- القطاع المالي: يعد فرصة استثمارية مهمة جدًا، وذلك من خلال فتح فروع من البنوك والمصارف العالمية، وعبر شركات مالية كبيرة.
 - القطاع السياحي: قادر على إدخال عملة أجنبية بنسبة كبيرة، وهو قادر على تشغيل عدد من المرافق، كالفنادق والمنتجعات والمدن السياحية وغيرها.
 - القطاع التكنولوجي والاتصالات والذكاء الاصطناعي: يشكل فرصة مهمة في سوريا اليوم، لأن القاعدة موجودة ولكن تفتقر للأدوات، ويمكن أن يكون رافعة الاقتصاد، لأن نجاحه يؤثر على بقية القطاعات، كالصناعي والزراعي والسياحي.
 الدكتور مجدي الجاموس أستاذ جامعي وخبير اقتصادي
بقاء العقوبات
إذا بقيت بعض العقوبات، توقع المحلل الاقتصادي فيتوريو ماريسكا دي سيراكابريولا، أن تسير عملية إعادة الإعمار في سوريا ببطء، مستبعدًا معظم التدخل الغربي، ومرجحًا أن تُثني حتى بعض دول الخليج التي لا تزال حذرة من التعرض المحتمل للعقوبات الأمريكية. بينما شرح الدكتور في الاقتصاد علي محمد، أنه في حالة الرفع الجزئي للعقوبات، وهو السيناريو الأقل احتمالًا، فإن معظم العقوبات الأوروبية قد تكون رفعت بالفعل، لكن هناك بعض القطاعات التي قد تبقى تحت القيود، فمثلًا يمكن أن تبقى مجالات إعادة الإعمار والطاقة، وإن استمرت العقوبات على هذين القطاعين، سيعني ذلك تعثر الاستثمار في البنية التحتية والإسكان. تحتاج سوريا إلى حوالي 500 ألف وحدة سكنية بالإضافة إلى صيانة وإعادة تأهيل الطرق والجسور، وهو ما قد يعوق أي تقدم اقتصادي ملموس، إذا بقيت العقوبات على قطاعات معينة تتصل بالبنية التحتية، وفق ما أضافه الدكتور علي محمد. أما إذا تم السماح بقطاع الإسكان والبنية التحتية مع استمرار منع الاستثمار في قطاع الطاقة، فإن ذلك سيخلق تحديات أخرى، خاصة فيما يتعلق بشبكات الكهرباء والتوريد، مما قد يؤدي إلى حالة من الركود الاقتصادي. مواطنون على صرافات المصرف التجاري وسط دمشق – 12 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/مارينا مرهج)
سياسيًا.. آثار داخلية وخارجية
على الجانب السياسي، سعت السلطة السورية منذ توليها الحكم إلى رفع العقوبات للمضي بمسارها السياسي، الداخلي والخارجي، خصوصًا مع النجاحات التي حققتها الحكومة على الصعيد الخارجي والمتمثلة بفك العزلة المفروضة على سوريا منذ سنوات. ومع احتمالية بقاء قانون “قيصر” تبقى المخاوف حول إمكانية كبح تقدم السياسة الخارجية، والتأثير على السياسة الداخلية التي لا تزال في مستويات متراجعة. الباحث السياسي الدكتور نادر الخليل، يرى أن القانون قد يُعزز عزلة سوريا الدولية ويحرمها من قدرتها على بناء علاقات طبيعية مع دول الغرب والدول المجاورة. وتشمل القيود التعاملات الاقتصادية والتجارية مع الحكومة السورية، وتستهدف الشركات والأشخاص الذين يدعمونها في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والطيران. كما تخضع الدول والكيانات التي تتعامل مع سوريا للعقوبات الأمريكية، مما سيُصعّب على الحكومة الجديدة إيجاد شراكات دولية تُسهم في إعادة الإعمار، وفق حديث الباحث إلى عنب بلدي. وسيكون من الصعب على الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وحكومته، كسب الثقة محليًا ودوليًا، وذلك لأن العقوبات لا تزال سارية. بالمقابل، يمكن أن تكون هذه المرحلة فرصة لإثبات قدرة الحكومة على إدارة البلاد بشكل مختلف عن النظام السابق، بحسب الخليل، وهذا يمهد الطريق لتخفيف القيود وإزالتها بالكامل.
حلول نادرة لكنها ممكنة
رغم أن الخيارات المتاحة للحكومة السورية تبدو محدودة، في حال بقاء قانون “قيصر”، وفق ما يراه الباحث نادر الخليل، فإنها ليست قدرًا محتومًا لا يمكن تجاوزه. وفي الوقت الذي يتزايد الضغط من بعض الأطراف الأمريكية للحفاظ على وجود قانون “قيصر”، لا تزال هناك حلول لمواجهة الواقع من خلال تعزيز التعاون الإقليمي وإطلاق مبادرات حيوية شفافة تعيد الثقة مع الشعب والمجتمع الدولي. البديل في حال وجود قانون “قيصر” يتمثل بعدة نقاط، بحسب الباحث نادر الخليل:
- التوجه إلى حلفاء غير تقليديين، مثل الصين والدول غير المتأثرة، للتعاون الاقتصادي معها.
 - تنويع الاقتصاد المحلي عبر التركيز على الصناعات المحلية والزراعة لتقليل الاعتماد على الواردات والاستيراد.
 - التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويتطلب ذلك تبادل بعض التنازلات السياسية، مثل حقوق الإنسان والقضايا الإقليمية.
 - الاستفادة واستغلال الدعم الإنساني الدولي، من خلال العمل مع الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لضمان تلبية احتياجات الناس خارج القيود المفروضة والمسيّسة.