في قلب مدينة منبج، ينبض السوق القديم بالحياة رغم تغير المهن والوجوه. رائد الشوخي، صائغ ذهب من أبناء المدينة، يصف السوق بأنه "قديم وله تاريخ طويل منذ أيام الآباء والأجداد". ويضيف أن السوق "يحمل طابعاً تراثياً بسيطاً، ليس أثرياً بالكامل، لكنه قديم ومليء بالذكريات. في الماضي كان متنوع المهن، أما اليوم فقد تحوّلت معظم المحال إلى مهنة الصياغة".
لمحة تاريخية عن سوق منبج
يُعدّ سوق منبج من أبرز معالم المدينة التاريخية والتجارية، وهو القلب النابض الذي رافقها منذ نشأتها. نشأ السوق مع تطوّر منبج عبر التاريخ، حيث كانت المدينة مركزاً زراعياً وتجارياً مهماً منذ العصور الآرامية والرومانية، وكانت القوافل القادمة من الفرات باتجاه حلب والأناضول تمر بها. ومع تعاقب العصور الإسلامية والعثمانية، حافظ السوق على طابعه كمركز للتبادل التجاري والاجتماعي، جامعاً بين الحرفيين والفلاحين والتجار.
في العهد العثماني توسّع السوق تدريجياً، ثم ازدهر خلال القرن العشرين. غير أنّ العقود الأخيرة شهدت تراجعاً بسبب الحرب وتقلّب الأوضاع الأمنية، ما أدى إلى تقلّص المهن التقليدية وتركّز النشاط التجاري في مجالات محددة كالصياغة وبيع التحف والمقتنيات القديمة. ورغم هذه التحوّلات، لا يزال السوق يحتفظ بجزء من نسيجه التاريخي وشكله المعماري المميّز.
مهنة الصياغة بين الماضي والحاضر
يقول رائد الشوخي لسوريا 24 إنّ مهنة الصياغة تأثّرت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، خاصة في الفترة التي سبقت التحرير، موضحاً أنّ الطرقات كانت مقطوعة، والذهب كان يُجلب من حلب، وأيّ ذهب يدخل إلى مناطق خارج سيطرة النظام كان يُعتبر مهرّباً. ويضيف أن النقابة اليوم تؤدي دورها بمتابعة دقيقة لجودة العيارات.
أما عن الأسعار، فيؤكد الشوخي أنّ سعر الذهب تضاعف تقريباً بنسبة مئة في المئة خلال العام الفائت، ويرى أنّ هذا الغلاء مرتبط بالأزمة الاقتصادية الدولية، ومع ذلك هناك إقبال على الشراء خوفاً من ارتفاع الأسعار أكثر في المستقبل.
تجارة التحف: ذاكرة منبج الحيّة
يقول محمد، صاحب محل للتحف القديمة قرب خان الوزير، إنّه يبيع قطعاً قديمة ومستعملة، أغلبها من النوع التراثي. ويؤكد أنّ الناس تحب رؤية الأشياء التي تذكّرها بالماضي، حتى وإن كانت ظروفها صعبة. ويشير إلى أنّ السوق فقد جزءاً من تنوّعه السابق، إلا أنّه لا يزال يحتفظ بجوّه التقليدي.
البسطات: ملاذ الباعة الصغار
أما أحمد العلي، صاحب بسطة في السوق المغطّى، فيقول: إنّ إيجارات المحال مرتفعة، فقرر أن يظل على بسطة، ويقتنع بأرباح بسيطة. ويعبّر عن أمله بأن تركز إدارة منبج على الخدمات الأساسية وتأمين فرص عمل للشباب.
الضرائب والجمرك: عبء يثقل كاهل السوق
يرى أبو إبراهيم، أحد تجار السوق، أنّ الأسعار ما زالت مقبولة إلى حدّ ما، لكن المواد المستوردة ارتفعت بشكل ملحوظ بسبب الضرائب الجمركية. ويشير إلى أنّ تراجع القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف النقل والرسوم الجمركية أثّرا على حركة البيع والشراء.
بين الماضي والحاضر
رغم كل التحدّيات، يبقى سوق منبج القديم شاهداً على تاريخ المدينة وحيويتها. بين صائغ يتابع تقلبات أسعار الذهب العالمية، وتاجر يعيد إحياء ذاكرة المكان بقطع تراثية، وبائع بسيط يحلم بفرصة عمل مستقرة، تواصل منبج محاولتها للنهوض من جديد.