حسن حردان: من الواضح أنّ الخروقات الإسرائيلية لوقف النار في غزة مستمرة، وذلك بحجة تأخر حركة حماس في تسليم باقي جثث الجنود الإسرائيليين. لكن يبدو أن هذه الخروقات تهدف إلى إبقاء الضغط على حركات المقاومة لفرض الشروط الإسرائيلية المتعلقة بالمرحلة الثانية من خطة ترامب، وخاصة فيما يتعلق بنزع سلاح المقاومة، وشروط تشكيل القوة الدولية ودورها، والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
هل يعني هذا التوجه الإسرائيلي، المدعوم أمريكياً تحت سقف الحفاظ على اتفاق وقف النار وعدم انهياره، أن "إسرائيل" قررت تنفيذ الاستراتيجية المعتمدة في لبنان منذ اتفاق وقف النار وبدعم أمريكي؟ وهل يمكن أن تقبل حركات المقاومة بهذه الشروط الإسرائيلية الأمريكية، دون حل عادل للقضية الفلسطينية يؤمن استعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها إقامة دولته الوطنية المستقلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وديارهم؟
أولاً، من المؤكد أن الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار في غزة، وخاصة بحجة تأخر تسليم جثث الجنود، تستهدف الإبقاء على الضغط والمساومة لفرض الشروط الإسرائيلية المتعلقة بالمرحلة الثانية من الخطة، والتي تتضمن بنوداً جوهرية مثل:
- نزع سلاح المقاومة: يعتبر هذا الهدف الإسرائيلي الرئيسي لضمان عدم تشكيل غزة أي تهديد مستقبلي. وقد نصت الخطة على أن تكون غزة "منطقة منزوعة السلاح".
- شروط تشكيل القوة الدولية ودورها: تسعى "إسرائيل" لضمان أن تكون أي قوة دولية يتم نشرها في غزة ذات صلاحيات ودور يخدم المصالح الأمنية الإسرائيلية، ويسهل نزع السلاح أو مراقبته.
- الانسحاب الإسرائيلي الكامل: تسعى "إسرائيل" لتحقيق الشروط الأمنية قبل الانسحاب الكامل، وقد تربط الانسحاب بتقدم حماس في نزع السلاح.
ثانياً، اعتماد الاستراتيجية الإسرائيلية في لبنان، في غزة أيضاً: يمكن القول إن "إسرائيل" قررت اعتماد استراتيجية مشابهة للنموذج المتبع في لبنان منذ اتفاقات وقف إطلاق النار هناك، مدعومة بموقف أمريكي، من أجل تحقيق ما يلي:
- الضغط المستمر: في لبنان، استمرت "إسرائيل" في التموضع العسكري في نقاط استراتيجية واعتبرتها ضرورية لأمنها حتى بعد سريان وقف إطلاق النار (مثل التمسك بـ 5 نقاط على الحدود).
- ربط الانسحاب بالنزع من السلاح: ربطت "إسرائيل" في الحالة اللبنانية تقليص تواجدها في المناطق المحتلة بسحب سلاح حزب الله، وفقاً لـ "مبدأ الخطوة مقابل خطوة" الذي طرحه مسؤولون أمريكيون سابقاً.
- انتهاكات ومبررات أمنية: تبرر "إسرائيل" خروقاتها وانتهاكاتها لوقف إطلاق النار أو تأخير الانسحاب بالضرورات الأمنية أو عدم التزام الطرف الآخر بالشروط، وهو ما تفعله الآن في غزة بذريعة تسليم الجثث.
- الهدف الاستراتيجي: يتمثل الهدف في الحالتين بتثبيت معادلة أمنية طويلة الأمد تضمن تفوقها، وتعمل على تحييد أو نزع سلاح المقاومة، وإن كان ذلك تدريجياً وتحت الضغط.
باختصار، التصعيد الجزئي (مثل الخروقات) يستخدم كأداة للمساومة في المرحلة الثانية، لفرض تطبيق الشروط الإسرائيلية الأمريكية التي تهدف إلى تحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح ومحايدة أمنياً لـ "إسرائيل"، على غرار ما تسعى إليه في لبنان.
ثالثاً، موقف حركات المقاومة من الشروط الإسرائيلية: من المستبعد جداً أن تقبل حركات المقاومة بشروط إسرائيلية ـ أمريكية أحادية الجانب (مثل نزع السلاح) دون أي ضمانات واضحة أو مسار ملزم لتحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية الكاملة، وعلى رأسها إقامة الدولة وعودة اللاجئين.
- رفض التخلي عن سلاح المقاومة قبل نهاية الاحتلال:
- نزع السلاح هو خط أحمر: بالنسبة لحركات المقاومة، يعتبر السلاح هو أداة المقاومة الرئيسية ضد الاحتلال وورقة الضغط التفاوضية الوحيدة لانتزاع الحقوق. التخلي عنه دون نهاية فعلية للاحتلال وإقامة الدولة وعودة اللاجئين، يعني عملياً الاستسلام وإنهاء القدرة على المطالبة بالحقوق.
- ربط السلاح بالدولة: أعلنت قيادات في حركة حماس، على وجه الخصوص، أن قضية السلاح يمكن أن تكون موضع نقاش فقط في سياق إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. بمعنى آخر، يكون حصر السلاح بيد الدولة الفلسطينية المستقبلية، وليس تسليمه للاحتلال أو قوة دولية تخضع للشروط الإسرائيلية.
- السلاح كضمانة: يُنظر إلى السلاح الفلسطيني على أنه الضمانة الأخيرة ضد تكرار الغزو الإسرائيلي أو استمرار الحصار والاحتلال. التخلي عنه دون نهاية دائمة ومضمونة للحرب يعني فتح الباب أمام احتلال جديد.
- شروط المقاومة للمرحلة الثانية: تتمسك حركات المقاومة عموماً بمطالب رئيسية تعتبرها الأساس لأي تسوية دائمة، والتي تتجاوز مجرد وقف إطلاق النار المؤقت. هذه الشروط تشمل:
- وقف إطلاق نار دائم وكامل بما يؤدي الى وضع نهاية لحرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني.
- الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كلّ قطاع غزة بما في ذلك المحاور الحدودية.
- البدء الفوري في إعادة الإعمار ورفع الحصار ورفع القيود عن حركة البضائع والافراد.
- الرابط بين السلاح والحل العادل للقضية الفلسطينية: تعتبر حركات المقاومة أن الحل العادل لا يمكن أن يقتصر على إنهاء حكمها في غزة أو نزع سلاحها. بل يجب أن يضع خطة واضحة ومضمونة لتحقيق:
- إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
- حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم وفقاً للقرارات الدولية (القرار 194).
انطلاقاً مما تقدم يمكن القول: إن التناقض الأساسي يكمن في أن الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية تهدف إلى نزع السلاح أولاً وتأجيل أو ربط المسار السياسي (إقامة الدولة) بـ "التقدم" و "السلوك" الفلسطيني، بينما تصر المقاومة على أن نزع السلاح لا يمكن أن يتم إلا كجزء من تسوية شاملة ونهائية تضمن الحقوق الوطنية، أو أن يتم حصر السلاح بيد الدولة الفلسطينية المستقلة بمجرد قيامها.
هذا التباين الجوهري هو السبب الرئيسي في هشاشة أي هدنة مؤقتة أو صعوبة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة… (أخبار سوريا الوطن1-الكاتب)