علي عيد يلهم "الجيل Z" في المغرب وفي العالم، وليس فقط في المنطقة العربية، مما يدل على ظهور قوة سياسية جديدة وغير متوقعة، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في المشهد السياسي والاقتصادي بشكل عام، والإعلامي بشكل خاص.
يعيش الإعلام العربي اليوم أزمة ثقة كبيرة مع "الجيل Z"، الذي نشأ في كنف التكنولوجيا ولا يرى العالم إلا من خلال الشاشات المضيئة. هذا الجيل لا ينتظر نشرة الأخبار المسائية، بل يصنع نشرته الخاصة من خلال مقاطع الفيديو والصور والأخبار الموجزة على منصات التواصل الاجتماعي مثل "إنستجرام" و"فيسبوك" و"تيك توك" و"ريلز" و"يوتيوب شورتس".
في سوريا، يصبح الوضع أكثر تعقيدًا، حيث تشير بيانات "DataReportal" لعام 2025 حول الوضع الرقمي إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت بلغ تسعة ملايين (35.8% من السكان)، بينما يصل عدد خطوط الهواتف المحمولة إلى 19.5 مليون (77%). ومع ذلك، فإن السرعة المحدودة (12.7 ميغابت/ثانية للهاتف المحمول و3.4 ميغابت/ثانية للثابت) تجعل الفيديو القصير هو الشكل المهيمن للمحتوى.
يواجه الإعلام السوري الرسمي والخاص عزوفًا واضحًا من الجيل الجديد الذي يرى فيه تكرارًا للأوجاع وليس انعكاسًا للأمل. هذا الجيل يريد قصصًا عن مستقبله لا عن ماضيه، ويريد مساحة للتعبير عن رأيه لا قوالب خطابية جاهزة. إنه جيل لا يحتاج إلى وسيط لفهم العالم ولا يقبل وصاية لتفسيره. لذلك، يجد الإعلام التقليدي نفسه في صراع مع جمهور جديد يمتلك لغته وسرعته ومنصاته ومرجعياته الخاصة.
وفقًا لقاعدة بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن ربع سكان العالم (حوالي ملياري شخص) هم دون سن 14 عامًا، وهم على وشك تشكيل أغلبية فاعلة في المشهد الاجتماعي خلال عقد واحد. أما فيما يتعلق بالسلوك الرقمي، فتشير دراسة "Common Sense Media" لعام 2023 إلى أن 48% من الأطفال في العالم دون سن الثامنة شاهدوا مقاطع قصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن 40% من الأطفال بعمر سنتين لديهم جهاز لوحي خاص (Tablet)، و58% من الأطفال بعمر أربع سنوات يمتلكون واحدًا، وبعمر ثماني سنوات يمتلك طفل من كل أربعة هاتفًا محمولًا. وتظهر الدراسة أن 51% من الأطفال دون سن الثامنة لديهم جهاز محمول شخصي (هاتف أو تابلت).
تدل هذه الأرقام على ملامح مستقبل الجيل القادم، ما بعد "Z"، الذي تربى على الاكتشاف لا التلقي التقليدي، وعلى النقد وليس الخضوع. الإعلام العربي، الذي لا تزال معظم مؤسساته تُدار من قبل جيل أقدم، لم يدرك بعد أن "الخبر" لم يعد يُستهلك بنفس الطريقة. وبينما يتحدث المنظرون والمسؤولون عن "الوطنية" و"المصداقية"، يتحدث "الجيل Z" عن "الشفافية" و"المشاركة"، إذ لا يريد من يخبره بل من يسمع قصته.
لم تعد وسائل الإعلام التقليدية مناسبة لهذا الجيل، وتظهر دراسة "Morning Consult" لعام 2024 أن 63% من "الجيل Z" يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي أسبوعيًا للحصول على الأخبار، مقابل 27% فقط يتابعون التلفزيون. ويؤكد تقرير معهد "رويترز" للأخبار الرقمية 2025 أن أكثر من 60% من الفئة العمرية 18-24 عامًا حول العالم يعتمدون على المنصات الاجتماعية كمصدر أول للأخبار. وفي العالم العربي، تظهر دراسة "ASDA’A BCW" 2024 أن 80% من الشباب يعتبرون وسائل التواصل الاجتماعي مصدرهم الأكثر ثقة مقارنة بالإعلام التقليدي، فيما يستخدم تسعة من كل عشرة شباب إحدى المنصات الاجتماعية يوميًا.
من المغرب جاءت أحدث الإشارات في أواخر أيلول الماضي، إلى قدرة "الجيل Z" على تحويل العالم الافتراضي إلى قوة سياسية. قاد شباب مغاربة في عمر 18-25 عامًا احتجاجات سلمية تحت شعار #GenZ212، انتشرت من الإنترنت إلى الشوارع للمطالبة بتحسين التعليم والصحة ومحاسبة الفساد المالي المرتبط بالمشاريع الرياضية. نُظّمت التحركات عبر منصة "Discord" التي تجاوز عدد أعضائها 200 ألف، وبتنسيق واسع على "تيك توك" و"إنستجرام"، مع هتافات مثل "الملاعب هنا، لكن أين المستشفيات؟". وهو أول حراك عربي واسع تقوده فعليًا أدوات "الجيل Z"، عبر "الهاشتاغ" والبث المباشر، بعيدًا عن الإعلام الرسمي، في نموذج يمكن أن تلهم تجربته شباب المنطقة بأسرها.
تقول التحليلات، إن هذه التعبئة لم تأتِ من الأحزاب أو النقابات بل من جيل رقمي يخطط من هاتفه ويحتج بلا قائد مركزي. إذا كان شباب المغرب قد استخدموا "ديسكورد" و"تيك توك" للتعبئة، فماذا يمنع الإعلام السوري وغيره من استخدام الأدوات ذاتها للتفاعل، لا للدعاية. "الجيل Z" لا يبحث عن مذيع، بل عن مشارك. ويريد محتوى يمكنه التعليق عليه، وإعادة نشره، أو حتى نقده، وأن يرى صحفيين يشبهونه في اللغة والجرأة والاهتمامات. حين يتحدث الإعلام معه بعقل مفتوح لا بخطاب أبوي، فإن "الجيل Z" قادر على منحه شرعية جديدة. لكن عندما يُعامَل كـ"طفل رقمي"، سيتركه ويصنع منصاته بنفسه. لقد تغيّر المشهد، والسؤال ليس كيف نعلّم "الجيل Z" بل كيف نتعلّم منه؟ ومن لا يسمعه اليوم، سيسمع عنه غدًا.. وللحديث بقية.