الخميس, 23 أكتوبر 2025 07:06 PM

المرسوم 66 في دمشق: شهادات مؤلمة تكشف عن تهجير وسلب ملكيات وتغيير ديموغرافي

المرسوم 66 في دمشق: شهادات مؤلمة تكشف عن تهجير وسلب ملكيات وتغيير ديموغرافي

منذ بداية الثورة في ريف دمشق ومناطق العاصمة عام 2011، أصبحت أحياء مثل المزة وكفر سوسة بؤر توتر مستمر مع سلطات النظام. يروي محمد مازن الدمشقي، أحد سكان كفر سوسة، أن الاحتجاجات في المنطقة قوبلت بقمع أمني شديد، بما في ذلك اشتباكات مسلحة وهجمات أدت إلى سقوط ضحايا، من بينهم شقيقه البالغ من العمر 18 عامًا. لاحقًا، استُخدمت هذه الأحداث كذريعة لتطبيق المرسوم 66 الصادر عام 2012، والذي سمح لـ "التنظيم العمراني" في دمشق بإعادة تخطيط المناطق التي صنفتها السلطة على أنها "عشوائية" وتحويلها إلى مشاريع عقارية ضخمة مثل ماروتا سيتي وباسيليا سيتي.

ويشير الدمشقي إلى أن "إجرام النظام" امتد إلى مناطق أخرى، فبعد سنوات من صدور المرسوم، شمل القدم والعسالي والدحاديل ونهر عيشة وجورة الشيباني، على الرغم من أنها لم تكن مشمولة به في الأصل. يصف السكان المحليون هذه التجربة بأنها ليست مجرد قرار تخطيط حضري، بل هي عملية انتقامية وسياسة تغيير ديموغرافي تستهدف المناطق التي شهدت مقاومة ونشاطًا ثوريًا. ويتهم المرسوم بأنه استُخدم لنهب عقارات السكان ونقلها إلى جهات نافذة ومستثمرين مقربين من السلطة، بينما تُرك أصحاب الملكيات إما مهجرين أو مستأجرين لسنوات دون تعويض عادل أو سكن بديل مناسب. وقد وثقت تقارير حقوقية ومتابعات محلية ودولية هذه الانتقادات، وربطت تطبيق المرسوم بعمليات مصادرة وحرمان من العودة.

في شهادته، يذكر الدمشقي أن النظام "أخرج الناس من بيوتهم على عجل ودمر وسحق البيوت" بحجة التطوير وإزالة العشوائيات، وأن العديد من السكان يعيشون اليوم في إيجارات بعيدة عن مسقط رأسهم، وأن تعويضات المحافظة عن الإيجارات ضئيلة ولا تغطي التكاليف الفعلية. ويؤكد أن العديد من السكان يمتلكون أوراق ملكية (الطابو الأخضر)، وأن الادعاءات بأن الأراضي ملك للدولة غير دقيقة في كثير من الحالات.

تتزامن هذه الشهادات مع جدل سياسي وقانوني حديث: ففي 20-21 أكتوبر 2025، أعلن محافظ دمشق تعليق تنفيذ بعض بنود المرسوم في مناطق مثل «باسيليا سيتي» مؤقتًا لبحث آليات حماية حقوق المالكين وإعادة تقييم التطبيق، في خطوة اعتبرها المتضررون بداية اعتراف بمظلومية طال انتظارها، بينما وصفها آخرون بأنها غير كافية ما لم تُترجم إلى إلغاء فعلي أو تعويض عادل وإمكانية العودة.

ووثقت المنظمات الحقوقية نماذج للحرمان من العودة والتعويض غير الكافي، ورصدت تورط شركات ومؤسسات حكومية في نقل قطع أراضٍ إلى مستثمرين، مما عزز الاتهامات بأن المرسوم مثّل آلية لتقوية نفوذ عناصر متنفذة وإحداث تغيير سكاني في مناطق حساسة من دمشق. كما أشارت تقارير متخصصة إلى أن مشاريع مثل ماروتا وباسيليا صُممت على أراضٍ كانت في الأساس ملكية خاصة لمواطنين تم تهجيرهم خلال سنوات الثورة.

يطالب أهالي كفر سوسة والمزة اليوم بالحق في العودة إلى أراضيهم، وإنصافًا حقيقيًا يشمل إلغاء الإجراءات الاستثنائية التي استُخدمت بعد عام 2011، ومنح تعويضات عادلة أو إرجاع الملكيات لأصحابها. ويقول الدمشقي إن هؤلاء هم "شهداء الثورة" والمسجونون والمهجرون، وليسوا مستفيدين من أي استبدال ديموغرافي، ويرفضون أن يتحول حقهم في أرض الآباء إلى سلعة في سوق استثمارية. ويضيف أن الإعلان الدستوري الجديد ينص على قدسية الملكية الخاصة وإلغاء المراسيم والقوانين الاستثنائية الصادرة بعد عام 2011، مما يجعل مطالبهم قابلة للمطالبة والمراجعة في ضوء النصوص الدستورية الجديدة.

قضية المرسوم 66 في المزة وكفر سوسة ليست مجرد نزاع على أراضٍ ومشروعات عمرانية، بل ملف مركب يجمع بين آثار الحرب، ومطالب حقوقية متأخرة، ورغبات استثمارية وسياسات تغيير سكاني. الشهادات المحلية، كحالة محمد مازن الدمشقي، تضع وجهًا إنسانيًا لهذا النزاع: أسر تريد العودة إلى أرض أجدادها، وتعويضات تغطي فقدان المسكن والكرامة، ومحاكمة سياسات مصادرة نُفذت تحت غطاء التنمية. أي حل حقيقي يجب أن يضمن إنصاف المتضررين واستعادة حقوق الملكية، أو على الأقل تعويضًا عادلاً وسكنًا بديلًا في أماكن مناسبة، مع آليات شفافة للمراجعة القضائية والإدارية.

وقبل أيام، التقى محافظ دمشق، ماهر مروان إدلبـي، مجموعة من أهالي أحياء المزة وكفر سوسة القدم والعسالي ونهر عيشة المتضررين من المرسوم 66، في لقاء حواري ودي وصريح جرى خلاله تبادل الآراء وطرح الهواجس بشفافية. وأكد المحافظ خلال اللقاء أن المحافظة وأهلها في خندق واحد يعملون معًا من أجل مستقبل العاصمة، موضحًا أن المرسوم صدر في حقبة النظام البائد من وزارة الإسكان وصادقت عليه وزارة الإدارة المحلية قبل تحويله إلى مجلس المحافظة، وأن تعديله أو إلغاءه يتطلب مرسومًا رئاسيًا وتشريعات جديدة تناقش تحت قبة مجلس الشعب.

وشدد إدلبـي على أن تنفيذ المرسوم موقوف مؤقتًا في مناطق باسيليا وغيرها، مشيرًا إلى أن أي خطوات لاحقة لن تُستأنف إلا بعد رد الحقوق المشروعة للمتضررين، ومراعاة العدالة التي تُعد أساس الدولة السورية الجديدة. كما أعلن عن تشكيل لجان فنية متخصصة تضم ممثلين عن الأهالي والنقابات المعنية، لدراسة الثغرات والأضرار الناجمة عن تطبيق المرسوم في منطقة ماروتا، وتقديم التوصيات اللازمة لضمان الإنصاف والمساءلة. واختُتم اللقاء بروح من المحبة والمسؤولية المشتركة، مؤكدًا أن العدالة ستبقى عنوان المرحلة القادمة في دمشق.

مشاركة المقال: