الثلاثاء, 21 أكتوبر 2025 02:55 AM

الشبكة السورية لحقوق الإنسان تطالب باستبعاد المتورطين بانتهاكات من مؤسسات الدولة لضمان العدالة

الشبكة السورية لحقوق الإنسان تطالب باستبعاد المتورطين بانتهاكات من مؤسسات الدولة لضمان العدالة

أكدت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن استبعاد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة من مؤسسات الدولة السورية خلال المرحلة الانتقالية، هو ضرورة قانونية وأخلاقية حتمية، وليس مجرد خيار سياسي.

في تقرير صدر يوم الاثنين 20 تشرين الأول تحت عنوان "الضرورة القانونية والأخلاقية لاستبعاد المجرمين من مؤسسات الدولة في المرحلة الانتقالية في سوريا"، شددت الشبكة على أن هذا الإجراء يعتبر شرطًا أساسيًا لتحقيق العدالة الانتقالية، ومنع تكرار الجرائم، واستعادة ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. وأشار التقرير إلى أن بقاء البنى والشخصيات التي رسخت الاستبداد وشاركت في الانتهاكات يقوض أسس العدالة الانتقالية.

كما أوضحت الشبكة أن إعادة بناء الدولة دون محاسبة وتطهير حقيقي يظل إجراءً شكليًا، وعرضة للانهيار، مما قد يؤدي إلى حلقة مفرغة جديدة من الإفلات من العقاب والانتقام. وشدد التقرير على أن الإقصاء الإداري للمتورطين ليس انتقامًا، بل هو تجسيد لمبدأ "ضمان عدم التكرار"، كما ينص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان، محذرًا من أن تجاهل هذا المطلب سيسمح بتغلغل الإفلات من العقاب في مؤسسات الدولة المستقبلية.

ورصد التقرير كيف تحولت مؤسسات الدولة السورية في عهد نظام الأسد من أجهزة يفترض أن تكون في خدمة المواطن إلى أدوات قمع، بدءًا من القضاء، ومرورًا بالإعلام، وانتهاءً بالجيش والأجهزة الأمنية. وعرض مستويات التواطؤ البنيوي التي مكنت هذه الانتهاكات، من كبار القيادات الأمنية، إلى القضاة الذين شرعنوا القمع، ووصولًا إلى موظفين إداريين وفنيين ومثقفين وفروا الغطاء الاجتماعي والسياسي لممارسات النظام.

انتهاكات النظام السابق

وفقًا لقاعدة بيانات الشبكة، تمثلت أبرز انتهاكات النظام السابق في:

  • مقتل ما لا يقل عن 202,021 مدنيًا.
  • تسجيل نحو 160,123 حالة اعتقال تعسفي واختفاء قسري.
  • وفاة ما لا يقل عن 45,031 شخصًا تحت التعذيب.
  • تنفيذ 217 هجومًا كيماويًا، و254 هجومًا بذخائر عنقودية، إضافة إلى 81,954 برميلًا متفجرًا.
  • تهجير أكثر من 13.8 مليون سوري داخل البلاد وخارجها.

تظهر هذه البيانات أن الانتهاكات لم تكن حالات فردية، بل نتاج تواطؤ منظم شارك فيه:

  • عناصر الأجهزة الأمنية و"الميليشيات".
  • قضاة ومحامون ومشرعون.
  • موظفون مدنيون ومسؤولون إداريون.
  • شخصيات اقتصادية وثقافية وإعلامية وفنية.

وثقت الشبكة تورط 16,200 شخص في هذه الانتهاكات، بينهم قادة أمنيون وعسكريون، قضاة، وعناصر من ميليشيات رديفة، إضافة إلى شخصيات إعلامية واقتصادية. وأكد التقرير أن استبعاد المتورطين في الانتهاكات ليس إجراءً انتقاميًا، بل هو ضرورة قانونية وأخلاقية تستند إلى مبادئ راسخة في القانون الدولي، وفي صلب العدالة الانتقالية، وعلى رأسها مبدأ "ضمانات عدم التكرار".

واستشهد التقرير بأحكام المحكمة الأوروبية والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، التي أقرت بشرعية إجراءات التطهير المؤسسي شريطة التزامها بمعايير قانونية واضحة، وضمانات المحاكمة العادلة. وأشار التقرير إلى أن الإبقاء على المتورطين يمثل طعنة للضحايا، ويفتح الباب أمام إعادة إنتاج الانتهاكات، مما يكرس ثقافة الإفلات من العقاب.

نموذج متدرج لتطهير الإدارات

قدم التقرير إطارًا متدرجًا لتطهير الجهاز الإداري للدولة، من خلال تصنيف مستويات التواطؤ إلى ثلاث فئات:

المستوى الأول: استبعاد دائم وإلزامي يشمل كبار القادة المتورطين مباشرة في الانتهاكات الجسيمة.

المستوى الثاني: استبعاد مفترض مع إمكانية الاستئناف يشمل من شرّعوا الانتهاكات أو برروها أو أسهموا فيها بشكل غير مباشر.

المستوى الثالث: مراجعة فردية يشمل الموظفين غير المتورطين مباشرة، مع إمكانية إعادة دمجهم وفق شروط صارمة.

ويُفرق التقرير بين المساءلة الجنائية والتدقيق الإداري، مشددًا على أن الغاية من الأخير هي استعادة شرعية مؤسسات الدولة، لا فرض العقوبات الجنائية.

اختتمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها بتوصيات رئيسية، أبرزها:

  • إقرار قانون خاص بالتطهير والتدقيق الوظيفي.
  • إشراك المجتمع المدني ومجموعات الضحايا.
  • إطلاق استشارة وطنية عامة حول مشروع القانون.
  • الاستفادة من قاعدة بيانات الشبكة، التي تضم آلاف الملفات الموثقة لمتورطين في الانتهاكات.
  • إطلاق حملة توعية وطنية حول العدالة الانتقالية والتطهير المؤسسي.

إدماج العدالة الانتقالية في عمل الوزارات

نشر الصحفي المدافع عن حقوق الإنسان، منصور العمري، ورقة بحثية تناول فيها التحديات التي تواجه مسار العدالة في سوريا بعد تشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية"، في 17 من أيار الماضي. واعتمدت الورقة، التي نشرت في 3 من أيلول الماضي، في مؤسسة "مبادرة الإصلاح العربي" للأبحاث بعنوان "تعميم العدالة الانتقالية في سوريا: مقترح للتكامل الوزاري"، على مراجعة تجارب دولية ومقترحات عملية.

وشددت الورقة على أن معالجة الانتهاكات الواسعة لا يمكن أن تقتصر على لجنة مركزية، بل تتطلب إدماج العدالة الانتقالية في عمل الوزارات نفسها عبر وحدات متخصصة، بما يجعلها جزءًا من الحوكمة اليومية وإصلاح مؤسسات الدولة. وينطلق الباحث من أن الانتهاكات التي وقعت في أثناء النزاع لم تقتصر على قوات أمن محددة، بل تغلغلت في مختلف أجهزة الدولة، ومن ضمنها المسؤولة عن الرعاية الصحية والتعليم والممتلكات، لذلك تتطلب معالجة هذه الأمور فهمًا واستجابة خاصة بكل قطاع على حدة.

وبحسب الورقة البحثية، فإن بناء سوريا الجديدة يتطلب نهجًا مختلفًا يقوم على إدماج العدالة الانتقالية في عمل الوزارات نفسها، عبر وحدات متخصصة ترتبط مباشرة بالوزراء، وتكون مسؤولة أمام الهيئة المركزية، بما يضمن أن تتحول مبادئ المساءلة وجبر الضرر وعدم التكرار إلى جزء من الحوكمة اليومية.

مشاركة المقال: