الأحد, 19 أكتوبر 2025 04:36 PM

غزة بعد الحرب: صدمة ودمار شامل يواجه العائدين إلى منازلهم المدمرة

غزة بعد الحرب: صدمة ودمار شامل يواجه العائدين إلى منازلهم المدمرة

بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بدأ عشرات الآلاف من الفلسطينيين بالعودة من المخيمات الجنوبية إلى منازلهم في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها.

وذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن هذه العودة كانت بمثابة صدمة قاسية لمعظمهم.

فبعد شهر من الإجلاء على يد القوات الإسرائيلية، امتلأ الطريق الساحلي الشمالي بالفلسطينيين العائدين، متحولاً إلى نهر بشري هائل يحملون ما تبقى من ممتلكاتهم القليلة.

الواقع الذي واجهه العائدون كان دماراً شاملاً، حيث سويت مساحات واسعة من الشمال بالأرض، وأصبحت المنازل والأحياء غير قابلة للتمييز، ومحيت المجتمعات.

هذا الخراب الهائل وضع العائلات أمام خيار صعب: إما البقاء والبحث عن مأوى في بقايا منازلهم المهشمة، أو العودة إلى المخيمات في الجنوب، حيث تتوفر فرص أفضل للحصول على الطعام والماء. ويحيط بهذا القرار غموض بشأن مدة الهدنة وما إذا كانت ستتحول إلى سلام دائم.

في أنحاء الشيخ رضوان، لجأت بعض العائلات إلى ملاجئ مؤقتة في منازلها المدمرة، وعززت الجدران بأقمشة وبطانيات معلقة بين الأعمدة الخرسانية القليلة المتبقية.

وفي أحد المنازل التي لم يتبق منها سوى عمود واحد، جلست عائلة في ظله هربًا من شمس الظهيرة.

يشعر العائدون ببعض الطمأنينة وهم يجلسون فوق أنقاض منازلهم، مستعيدين ذكرياتهم وشعورهم بالانتماء.

شهادات من قلب الدمار

سهير العبسي، أم لسبعة أطفال تبلغ من العمر 50 عامًا، قالت لدى وصولها إلى حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة: “كنت آمل أن أعود وأجد منزلي قائماً، لكن ما وجدته كان عكس ذلك تماماً.. لم أستطع حتى التعرف على المنطقة.. كل شيء مدمر تماماً”.

وأضافت: “لم أستطع التعرف على بقايا منزلي لأن أنقاض منازل الجميع امتزجت ببعضها.. الدمار هنا يفوق التصور، شيء لا يستوعبه العقل”.

تشبثت العائلة بمنزلها حتى اللحظة الأخيرة، بينما كان الجيش الإسرائيلي يتقدم في مدينة غزة في سبتمبر بزعم سحق أي بقايا لحماس.

وصرحت العبسي: “غادرنا عندما وصلت الدبابات إلى مدخل حينا.. كنا نراها من النافذة”.

لم يقتصر الأمر على الدبابات، بل شهدت العائلة تفجير منازلها واحداً تلو الآخر بواسطة “الروبوتات”، وهي مركبات مدرعة معدلة تدار عن بعد ومحملة بالمتفجرات، يستخدمها الجيش الإسرائيلي لتقليل خسائره أثناء اقتحامه المناطق الحضرية.

وأشارت المتحدثة: “كنا نتنقل بين مناطق شمال غزة.. لكن مع اشتداد القصف كل ساعة ومع الاجتياح البري، لم نعد قادرين على التحمل.. في الأسبوع الأخير من الحرب هربنا إلى جنوب القطاع لحماية عائلتي”.

وتابعت قائلة: “عدنا لنتفقد المنطقة فوجدنا المنازل مدمرة بالكامل.. ما إن رأيت أنقاض منزلي حتى جلست وبكيت مع أطفالي.. ضاعت كل ذكرياتنا، ذكريات جمعتها على مدى أربعين عاماً سعيدة كانت أم حزينة، ذكريات أطفالي وأجمل لحظاتنا معاً”.

قنبلة نووية ضربت المكان

وأكدت أنه لا يمكن ترميم المنزل إطلاقاً كونه دمر بالكامل ولم يبق عمود خرساني واحد سليماً، وحتى الحجارة تفتت إلى قطع صغيرة.

وذكرت أن ما صدمها هو حجم الدمار الذي حل بالحي بأكمله، مردفة بالقول: “لم أر شيئاً كهذا من قبل.. شعرت وكأن قنبلة نووية ضربت هذا المكان”.

وشددت سهير على أنها ستعيش في نفس المنطقة المدمرة التي نشأت فيها، مؤكدة أنه لا يشعر الإنسان بالأمان والسكينة إلا في المكان الذي ينتمي إليه.

ولفتت إلى أنها ستنصب خيمة في الشارع فوق الأنقاض، موضحة أنه لا يمكن العيش في الجنوب لأنه ليس لديهم أقارب يقيمون معهم هناك.

وبينت في السياق أن إعادة بناء منزلها سيستغرق حياتها بأكملها، وقد تموت قبل أن تراه مكتملاً، مؤكدة أن ما يشغل بالها الآن هو كيف ستواصل حياتها وتبدأ من جديد وفي مستقبل أطفالها.

واختتمت تصريحها بالقول: “لا مستقبل واضح في غزة الآن.. إن القطاع مجرد كومة من الأنقاض”.

وفي منطقة الشجاعية جنوب مدينة غزة، شعرت سوزان الشياح بإحساس مماثل بالارتباك لدى عودة عائلتها.

وتقول: “في البداية لم أستطع تحديد موقع المنزل بدقة، إذ كانت الأنقاض متداخلة والشوارع مدمرة بالكامل.. كانت الصدمة هائلة فلم أملك القوة الكافية للبحث بين الأنقاض عن أي تذكار من المنزل ولم أستطع انتشال أي ذكرى من تحت الأنقاض”.

وتضيف الشياح: “أمضت العائلة أربعة أيام تبحث عن مكان لنصب خيمتها، وفي الوقت الحالي لا نريد سوى الراحة والتركيز على حاضرنا وإيجاد مكان نعيش فيه إذ لا وقت لدينا للتخطيط لمستقبل غامض.. ما زلت أخشى عودة الحرب فإسرائيل دائما ما تنتهك اتفاقياتها لكنني أدعو الله أن يديم الأمن والسلام، وأن لا تعود الحرب أبداً”.

وفي جباليا شمال مدينة غزة، عاد هاني عبد ربه ليتفقد منازل عائلته الأربعة في حي الجورن، ولم يكن أي منها قائماً.

وصرح المقاول البالغ من العمر 60 عاماً في قطاع البناء للصحيفة البريطانية: “لن أخفي عليكم أنني أصبت بجلطة دماغية وفقدت الوعي من هول الصدمة.. رؤية أربعة من منازلكم تتحول إلى أكوام من الأنقاض أمر لا يصدق”.

ويضيف هاني: “فقدت حفيدي الذي قتل داخل ملجأ وابني الذي خرج ذات يوم يبحث عن طعام للعائلة ولم يعد.. جبت المستشفيات بحثا عن جثته لكنني لم أعثر له على أثر”.

ويخطط عبد ربه الآن لإقامة خيمة لعائلته الناجية على أنقاض أحد منازله المدمرة، لكن هناك نقصا في الإمدادات اللازمة لبناء الملاجئ، مؤكداً أنه مستعد للانتظار “لقد ولدت هنا، ونشأت هنا، وسأموت هنا في جباليا”.

مشاركة المقال: