السبت, 18 أكتوبر 2025 07:07 AM

قضية مياه تنورين: من يعوض الضرر بعد تبرئة الشركة؟

قضية مياه تنورين: من يعوض الضرر بعد تبرئة الشركة؟

شبكة أخبار سوريا والعالم/ عندما تطلق رصاصة، فإنها إما أن تصيب الهدف أو تخطئه، ولكن النتيجة النهائية تبقى هي فعل الإطلاق نفسه. وبمجرد أن تنطلق هذه الرصاصة، لا يجدي الأسف أو الاعتذار أو الندم، فبمجرد الضغط على الزناد، يقع الضرر على الهدف، سواء كان الرامي ماهرًا أم لا.

هذا ما حدث قبل أيام عندما اتخذ وزير الصحة بالوكالة، وزير الزراعة، قرارًا اتهاميًا بحق شركة "تنورين" لتعبئة المياه، بعد إجراء فحوصات مخبرية قيل إنها لم تكن مطابقة للمواصفات الصحية. وهذا يذكرنا بحملات الوزير وائل أبو فاعور عندما كان وزيرًا للصحة العامة.

هذه الواقعة تدفعنا إلى طرح أسئلة حول دور النظام القضائي في مثل هذه الحالات. هل المتهم بريء حتى تثبت إدانته، أم العكس؟ الفرق بين هاتين المعادلتين ليس لغويًا، بل فلسفي وأخلاقي، لأنه يحدد ما إذا كانت السلطة القضائية تعتبر الإنسان حرًا بطبيعته أم خاضعًا للسلطة افتراضيًا.

المبدأ الأول، قرينة البراءة، هو حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي يحترم الإنسان وحقوقه. فالأصل في المواطن البراءة، ويقع عبء الإثبات على الادعاء، لا على المتهم. ومن هنا، يصبح القضاء حصنًا للحرية، لا أداة للانتقام.

هذا المبدأ نصت عليه الشرائع الدولية، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أدرجه الدستور اللبناني في مقدمته التي تؤكد على العدالة والحرية والمساواة.

في المقابل، عندما ينقلب المبدأ ويعامل الإنسان كمجرم حتى يثبت العكس، نكون أمام منظومة قهر لا عدالة، حيث تصبح التهمة أداة إسكات، ويستبدل التحقيق بالحكم المسبق، وتضيع الكرامة بين قضبان الظلم.

في مثل هذه الأنظمة، يسجن الأبرياء باسم الأمن، وتكمم الأفواه باسم القانون، وتلغى فكرة العدالة لتحل محلها ثقافة الشبهة والخوف، وتطلق حملات التجني والتشهير لمجرد الشبهة غير المؤكدة.

من هنا، فإن الدفاع عن قرينة البراءة ليس دفاعًا عن متهم، بل عن الحرية نفسها، لأن العدالة الحقيقية لا تبدأ من السجن، بل من الشك المشروع والحق في الدفاع وإثبات الحقيقة بعيدًا عن الهوى والسلطة. فالعدالة التي تنطلق من براءة الإنسان، تبني دولة.

أما العدالة التي تنطلق من تجريمه، فهي تهدم إنسانه قبل أن تهدم مؤسساته.

وهنا ننتقل إلى مسألة الشبهة بتلوث مياه شركة تنورين، بعدما أثارت القضية جدلاً واسعًا في لبنان لم يخلُ من الاستغلال السياسي. يقف المبدأ القانوني أمام اختبار واقعي: هل تُعامل الشركة كمجرم صحي قبل إثبات الإدانة، أم يفترض فيها البراءة حتى تظهر الأدلة القاطعة بالعكس؟

إذا تم الالتزام بمبدأ قرينة البراءة، يجب على الجهات الرسمية إثبات التلوث بالأدلة المخبرية الدقيقة والشفافة، وإتاحة حق الدفاع والرد العلمي للشركة. أما إذا انطلقت السلطات والإعلام من مبدأ "الاشتباه يساوي الإدانة"، فنكون أمام محاكمة شعبية سريعة تفتقر إلى معايير العدالة وتحول القضية الصحية إلى قضية تشهير. العدالة في هذه الحالة لا تقاس بحجم الغضب، بل بميزان الحقيقة. فإن ثبت التلوث، فالمساءلة واجبة. وإن لم يثبت، فالتسرع في الإدانة يعد ظلمًا لا يقل خطورة عن الجريمة نفسها.

إن قضية تنورين تذكرنا بأن العدالة ليست فقط في قاعات المحاكم، بل في طريقة التفكير والتعامل مع الاتهام. فالبلد الذي يسرع إلى الإدانة قبل التحقيق، هو بلد لا يحمي لا المستهلك ولا المنتج، بل يهدم الثقة العامة بالقانون نفسه. العدالة الحقيقية تبدأ من احترام المبدأ: المتهم بريء حتى تثبت إدانته، أيًا يكن اسمه أو موقعه.

فإذا أثبتت التجارب المخبرية الجديدة ووفق المعايير الدولية أن مياه تنورين غير ملوثة، وهذا مؤكد، فمن يعوض على أصحاب الشركة ما خسروه من سمعة بعد التشهير بها في الأسواق اللبنانية والعربية، ومن يعوض بالتالي على موظفي الشركة، وهم بالمئات. وهذا ما قصدنا به أن ما بعد إطلاق الرصاصة ليس كما قبل هذا الفعل الجرمي.

وهذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر: إذا ثبت بالتجارب المخبرية، افتراضيًا، أن هذه المياه ملوثة، وهو ما دحضته التجارب المخبرية الجديدة، فمن يعوض على الناس صحتهم؟

ما حصل في وزارة الصحة فضيحة، إذ كان يفترض بوزير الوكالة التدقيق قبل التوقيع وإصدار القرار، أو انتظار عودة الوزير الأصيل. وفي كلا الحالتين، وقع الضرر، وأطلقت رصاصة التشهير، بغض النظر عمن أطلقها.

لبنان 24

مشاركة المقال: