الإثنين, 13 أكتوبر 2025 10:19 PM

المرافئ السورية تنفض غبار الحرب وتستعيد دورها الحيوي في دعم الاقتصاد والأمن الغذائي

المرافئ السورية تنفض غبار الحرب وتستعيد دورها الحيوي في دعم الاقتصاد والأمن الغذائي

إيمان زرزور: تمثل التطورات الإيجابية التي تشهدها مرفآ اللاذقية وطرطوس، بدءًا من استقبال الباخرة العملاقة "NAVEGANTES" ووصول شحنات القمح الاستراتيجية، نقطة تحول هامة في مسيرة التعافي الاقتصادي لسوريا بعد سنوات من التحديات التي فرضتها الحرب والعقوبات.

هذه الخطوات، التي قد تبدو ظاهريًا مجرد عمليات تجارية معتادة، تحمل في طياتها دلالات سياسية واقتصادية عميقة تتجاوز الجوانب اللوجستية، وتشير إلى تحولات في بنية الدولة وقدرتها على استعادة سيادتها الاقتصادية.

أولاً: المرافئ كبوابة للتعافي الاقتصادي

تاريخيًا، لعب الساحل السوري دورًا حيويًا كشريان تجاري رئيسي للبلاد، حيث ربطت مرفآ اللاذقية وطرطوس سوريا بأسواق أوروبا وشمال إفريقيا وشرق المتوسط. ومع تراجع النشاط البحري خلال فترة النظام البائد، تضاءل هذا الدور تدريجيًا لصالح طرق تهريب غير مشروعة وشبكات فساد مرتبطة بمراكز النفوذ.

اليوم، ومع استئناف استقبال السفن العملاقة وتفعيل العمل في المرافئ، تبعث الحكومة السورية الجديدة برسالة واضحة مفادها أن مرحلة الاستعادة الممنهجة للبنية الاقتصادية قد بدأت بالفعل. استقبال السفينة "NAVEGANTES"، بطولها البالغ 222 مترًا، يثبت جاهزية البنية التحتية البحرية والتقنية لاستيعاب حركة تجارية عالمية، ويعيد الثقة تدريجيًا بشبكة النقل السورية كجزء من الاقتصاد الإقليمي المتوسطي.

ثانياً: الأمن الغذائي كأولوية وطنية

وصول باخرتين تحملان حوالي 70 ألف طن من القمح إلى مرفأ طرطوس لا يقتصر على تلبية احتياجات السوق المحلية، بل يعكس استراتيجية شاملة لإعادة بناء منظومة الأمن الغذائي التي تضررت خلال العقود الماضية.

في عهد نظام الأسد البائد، تحول استيراد القمح إلى ملف فساد معقد، حيث خضعت العقود لمضاربين وشركات وهمية، مما أدى إلى أزمات متكررة في الخبز والطحين. أما اليوم، فإن إدارة الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية لهذا الملف بشفافية وتحت إشراف حكومي مباشر يمثل تحولًا جوهريًا من اقتصاد الاحتكار إلى اقتصاد الخدمة العامة.

ثالثاً: دلالات السيادة الاقتصادية واستعادة الثقة الدولية

من أبرز دلالات هذه الخطوات أنها تعكس قدرة الدولة السورية الجديدة على إعادة بناء شراكات تجارية دولية حقيقية بعيدًا عن القيود السياسية السابقة. دخول شركات شحن كبرى مثل CMA CGM إلى المرافئ السورية يحمل بعدًا استثماريًا هامًا، إذ يشير إلى أن البيئة البحرية والتجارية السورية أصبحت قابلة للتعامل الآمن والمستقر.

على المستوى الرمزي، تمثل هذه التطورات استعادة جزئية للسيادة الاقتصادية السورية، حيث كانت المرافئ لعقود إحدى أدوات النظام البائد في التهريب والسيطرة الاقتصادية. أما اليوم، فهي تتحول إلى منصات وطنية للإنتاج والتبادل والتكامل الإقليمي.

رابعاً: مرافئ الاقتصاد لا مرافئ النفوذ

التحول الحقيقي في المشهد البحري السوري لا يكمن فقط في استقبال السفن، بل في التحول المؤسسي من إدارة أمنية مغلقة إلى إدارة اقتصادية احترافية. هذا التحول يعكس فلسفة الدولة الجديدة التي تسعى إلى تحويل المرافئ من أدوات نفوذ سياسي إلى أذرع اقتصادية للنهضة الوطنية.

الشفافية في إعلان الكميات، وتحديد وجهات البضائع، والإشراف المباشر من لجان حكومية مختصة، كلها مؤشرات على قيام بنية اقتصادية حديثة تتأسس على مبدأ المساءلة والتدقيق، لا على الولاء أو الامتياز.

خامساً: نحو اقتصاد متكامل ومستدام

تظهر بيانات الهيئة العامة للمنافذ استقبال 400 ألف طن من القمح منذ سقوط النظام البائد، وهو رقم يعكس ليس فقط حجم الجهود المبذولة بل أيضاً الانتظام المؤسسي في إدارة الموارد. إذا ما استمر هذا النسق التصاعدي في الأداء، فإن المرافئ السورية يمكن أن تعود إلى موقعها الطبيعي كنقطة توازن بين التجارة الداخلية والإقليمية، مما يعزز قدرة سوريا على استعادة استقلالها الاقتصادي والسياسي في آن واحد.

يمكن القول إن ما يجري اليوم في مرفأي اللاذقية وطرطوس يتجاوز كونه تطورًا فنيًا أو تجاريًا؛ فهو جزء من مشروع وطني لإعادة الاعتبار إلى البنية الاقتصادية السورية، وتحويلها إلى نموذج للحوكمة الفاعلة بعد سنوات من الفساد والإهمال.

تمثل إعادة تشغيل المرافئ وفق معايير مهنية، وضبط حركة السلع الأساسية، وتفعيل برامج الأمن الغذائي، ركائز في بناء الدولة الجديدة التي تسعى لتثبيت مكانتها في الشرق الأوسط بوصفها دولة منتجة، مستقلة، وقادرة على إدارة مواردها بشفافية وكفاءة.

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

مشاركة المقال: