الإثنين, 13 أكتوبر 2025 06:17 PM

متروبوليس تستكشف السينما الإسبانية: أفلام تكشف حقبة الديكتاتورية والحرب الأهلية من خلال عيون بونويل وبيرلانغا

متروبوليس تستكشف السينما الإسبانية: أفلام تكشف حقبة الديكتاتورية والحرب الأهلية من خلال عيون بونويل وبيرلانغا

شفيق طبارة: تعرض سينما "متروبوليس" سلسلة أفلام إسبانية تلقي الضوء على تاريخ إسبانيا في ظل القمع والذاكرة. من خلال السوريالية إلى الواقعية الساخرة، استخدم مخرجون كبار السينما كمنصة للنقد ومقاومة الاستبداد، عارضين القهر والنفاق والهويات المهمشة، محولين الصورة إلى ضمير جمعي للأمة الإسبانية.

من التخريب السوريالي إلى الفوضى الساخرة، كانت السينما الإسبانية ولا تزال ساحة معركة للذاكرة والمحاسبة الأخلاقية. في سنوات القمع والرقابة، تحولت إلى مرآة تعيد تشكيل الواقع السياسي والذاكرة الجماعية.

وجدت السينما الإسبانية أعمق تعبيراتها السياسية في أعمال مخرجين مثل لويس بونويل (1900-1983)، وكارلوس ساورا (1932-2023)، وخوان أنطونيو بارديم (1922-2002)، ولويس غارسيا بيرلانغا (1921-2010)، وخوان أنطونيو نييبس كوندي (1915-2006)، ومونتشو أرمينداريز (1949)، الذين حولوا السينما إلى مساحة للنقد السياسي والتفكيك الاجتماعي.

هؤلاء المخرجون، الذين ستعرض سينما "متروبوليس" بعضًا من أفضل أعمالهم هذا الأسبوع، تنوعت أساليبهم بين السوريالية والواقعية الساخرة والحميمية النفسية، واتفقوا على رفض الاستبداد ومساءلة النفاق الاجتماعي، واستكشاف موضوعات القمع والتهميش والذاكرة.

فككت استفزازات بونويل السوريالية المعايير الدينية والبورجوازية. واستحضرت الواقعية المجازية لساورا واستخدامه للطفولة والفلامنكو الندوب النفسية لفترة فرانكو. وكشفت ميلودراما بارديم عن التواطؤ البورجوازي السياسي.

أعطت واقعية أرمينداريز الحميمة صوتًا لصدمة ما بعد فرانكو والهوية الإقليمية. وسخر بيرلانغا من البيروقراطية والجبن الأخلاقي. وربط كوندي بين أصوله الفلانخية (الكتائب الإسبانية) ونقد الفقر الحضري. معًا، شكلوا سينما ملتزمة ومبتكرة، ومنسجمة بعمق مع جراح إسبانيا التاريخية، أعمالهم خرائط للذاكرة، وتجارب بصرية تسائل العلاقة المتوترة بين الفن والسلطة والذاكرة والضمير.

◀ «كارمن» (1983) 16 تشرين الأول ـ 8 مساءً

قرّبنا كارلوس ساورا من سينما الاستكشاف والتخريب وكان حريصاً على تفتيت السينما الإسبانية التقليدية. نقل إلى الشاشة الكبيرة نظرة مدروسة عن صعوبات ومشكلات المجتمع الإسباني برمزية تكشف جروح الحرب الأهلية الإسبانية. حقق شهرة دولية في السنوات القمعية لحكم فرانكو، وأصبح نموذجاً لكيفية صناعة السينما السياسية في ظل نظام استبدادي.

في فيلم «كارمن»، لم يسبق لرقص الفلامنكو أن كان بهذه الإثارة الحسية على الشاشة الكبيرة، أو بمثل هذا الحبّ الغادر. في نسخته المتفجّرة من أوبرا «كارمن» الشهيرة، تتشابك الخطوط الفاصلة بين الوهم العاطفي والحياة الواقعية.

الفيلم هو الثاني في ثلاثية الفلامنكو، دراما خلف الكواليس لفنانين بارعين، مُصمّمة لعرض مواهبهم وتجسيد شغفهم، والبحث عن كارمن مثالية. يُقدم ساورا في الفيلم جمالية تغمر المشاهد بقوة الرقص والتعبير عن الذات من دون الحاجة إلى كلمات.

◀ «أخاديد» (1951، Surcos) 17 تشرين الأول ـــ الساعة 7 مساءً

يُعدّ هذا الفيلم من أبرز إنجازات خوان أنطونيو نييبس كوندي كمخرج، وبالتأكيد هو من العلامات الفارقة في تاريخ السينما الإسبانية. ليس فقط بسبب الحبكة أو أداء الممثلين أو التصوير، بل إن أحد الجوانب التي تجعل هذا العمل رائعاً هو نقده اللاذع لنظام فرانكو كفلسفة تنظيمه للمجتمع، وهو نقد ينبع من الداخل، من أحشاء كوندي من تجربته في «الكتائب».

يصوّر فيلم «أخاديد» الهجرة من العالم الريفي إلى المدينة الكبيرة، ويُعرض هذا كإطار معادٍ للأشخاص الذين يصلون بحلم الازدهار وبمعلومات ناقصة حول المعجزة المزعومة للمدينة الكبيرة. يعرض كوندي العلاقات خارج الزواج وسكّان المدينة والقضايا الحساسة مثل تجارة السوق السوداء، كلّ هذا من دون إغفال تأثير التسلسل الهرمي الكاثوليكي آنذاك، الذي كان قاسياً في الفيلم. تبنى الفيلم بأمانة مبادئ الواقعية الجديدة، وعالج مواضيع غير مألوفة في السينما الإسبانية.

يقدم العمل مقارنة بين الحضري المشبوه والفلاح النبيل، وقد أقر كوندي بنفسه بأن «الفيلم يكشف عن أيديولوجيتي الفلانخية‏ الراسخة والمخيبة للآمال، واهتمامي بالسينما الاجتماعية». رغم موافقة فرانكو على الفيلم، إلا أن الكنيسة وصفته بأنه «فيلم خطير جداً» بسبب السلوك الجنسي لبعض الشخصيات النسائية، قبل أي شيء. بفضل زخم أحد أعضاء الكتائب الآخرين، صدر الفيلم كاملاً.

ومن بين الأعضاء كان المدير العالم للتصوير السينمائي آنذاك، الذي اضطر إلى الاستقالة، في أعقاب المشكلات التي أحدثها الفيلم. ورغم ترشيح الفيلم لجائزة السعفة الذهبية، وحصده الجائزة الكبرى في «مهرجان كان»، اعترف المدير العام قائلاً: «قدم الفيلم عالماً نعلم جميعاً أنه موجود، وهذا شيء مأساوي، لم نكن نحن رؤيته».

◀ «وفاة راكب دراجة» (1955، Muerte de un ciclista) 17 تشرين الأول ـ الساعة 9 مساءً.

يُعد خوان أنطونيو بارديم أحد أبرز الأصوات السينمائية التي واجهت المجتمع الإسباني بعد الحرب الأهلية بحدة ووضوح. رسم صورة شرسة ومباشرة للواقع الاجتماعي والسياسي. انتماؤه إلى الحزب الشيوعي لم يكن مجرد خلفية شخصية، بل شكّل جوهراً لمشروعه الفني، ما جعله عرضة للرقابة المستمرة والاعتقال.

ورغم أنه لم يُنسَ تماماً، فإن حضوره في الذاكرة السينمائية ظل باهتاً نسبياً، باستثناء بعض التكريمات الرمزية. وبصفته أحد أعضاء «الثلاثية باء» إلى جانب بونويل وبيرلانغا، غالباً ما طغى ظل هذان العملاقان على مكانته.

يبدأ أحداث «وفاة راكب دراجة» بوفاة راكب دراجة هوائية في حادث دهس وهروب، إذ يفر عاشقان من مكان الحادث أثناء عودتهما من مغامراتهما الريفية، خوفاً من فقدان مكانتهما الاجتماعية في حال انكشاف علاقتهما.

من هذه القصة، نسج بارديم فيلماً واقعياً اجتماعياً، انتقد فيه طبقات المجتمع العليا وفسادها خلال عهد فرانكو. يُعد الفيلم تذكيراً مفيداً بأنّ الاحتجاج ممكن حتى في ظل أكثر الأنظمة استبداداً، ولكن نجاح بارديم لا يقتصر على إخراجه فيلماً شيوعياً في ذروة نظام فرانكو، بل في تأطيره للأحداث، وأساليبه المبتكرة في المونتاج، وطريقة بناء المشاهد القريبة، وخلق التوتر الدائم.

◀ «بلاسيدو» (1961، «Plácido») 18 تشرين الأول ـــ الساعة 7 مساءً.

في أعقاب الحرب الأهلية الإسبانية، أعاد لويس غارسيا بيرلانغا الحياة إلى السينما الإسبانية عبر تفكيك زيف الخطاب الرسمي لحقبة فرانكو، مستخدماً سخرية لاذعة تتجاوز الرقابة وتفضح القمع السياسي، والإهمال الاقتصادي، والتدين الزائف.

بقي في وطنه رمزاً للسينما الساخرة ذات النبض الشعبي، حيث امتزج النقد الاجتماعي بإيقاع بصري جريء وحيوي أسعد الجمهور العادي من دون أن يتخلى عن عمقه.

تزخر أفلامه بشخصيات نابضة بالحياة، ومواقف عبثية منسّقة ببراعة، واستفزازات ذكية تسخر من القومية، حتى فرانكو نفسه لم يستطع تجاهل تأثيره، فصرّح ساخراً: «بيرلانغا ليس شيوعياً؛ إنه أسوأ من الشيوعي، إنه إسباني فاسد»، ربما كان أعظم وسام شرف لبيرلانغا.

في «بلاسيدو»، نرى الكوميديا السوداء الحافلة بالنقد الاجتماعي الذي برع بها، إذ ينتقد بسخرية أعمال خير الأغنياء في عيد الميلاد. تدور القصة في بلدة ريفية صغيرة، وتتبع قصة بلاسيدو، كعامل متواضع يجد نفسه في خضم حملة «أجلس فقيراً على مائدتك»، يكافح لسداد أقساط دراجته.

يكشف بيرلانغا عن لا مبالاة الأعمال الخيرية البورجوازية وسطحيتها، ويستخدم لقطات طويلة وإيقاعاً سريعاً يُضفي واقعية وحيوية على المواقف، ويجعل المشاهد يشعر كأنه جزء من حملة عيد الميلاد الفوضوية والعبثية. تُركز رؤيته على كيف تطغى أنانية البرجوازيين ونفاقهم على نوايا الشخصيات النبيلة، موجهاً هجاء يتجنب الوعظ الأخلاقي، مُتيحاً للفكاهة والنقد التعايش بشكل طبيعي وفعّال.

◀ «فيريديانا» (1961، «Viridiana») 18 تشرين الأول، الساعة 9 مساءً.

صُنع الفيلم في إسبانيا، بعدما طلب فرانكو من وزير ثقافته دعوة لويس بونويل إلى العودة من منفاه في المكسيك إلى البلاد ليصنع أي فيلم يشاء.

حُظر الفيلم فور صدوره، ووبّخ الوزير لتمريره السيناريو، لكنه فاز بجائزة السعفة الذهبية. وصفته الكنيسة بأنه إهانة ليس فقط للكاثوليكية، بل للمسيحية نفسها، وهذا بالضبط ما قصده بونويل. كان «فيريديانا» الحساب الذي كان عليه أن يسويه مع الكنيسة الكاثوليكية، لدعمها لفرانكو.

حتى ضمن المسيرة الثرية والمعقدة للمخرج العبقري القادم من كالاندا، يصعب العثور على فيلم أكثر دقة في مقاربة عبثية الدين وآثاره، وفي الوقت ذاته، رصد التحولات التاريخية وخواء السلطة المتوارثة التي لا تُفضي إلى أي تقدم إنساني حقيقي.

يُعد الفيلم من أكثر أعمال بونويل استفزازاً، إذ يهاجم فكرة العمل الخيري المسيحي، ويقدّم صورة قاسية للفقر لا تخلو من السخرية. هناك أفلام نادرة، مثل «فيريديانا»، تنجح في الحفاظ على طبقتين متداخلتين من المعنى، حيث يبدو كل مشهد مزدوجاً، وكل فعل مشحوناً بتناقض داخلي.

◀ «تاسيو» (1981، «Tasio») 19 تشرين الأول ــ الساعة 9 مساءً.

في أقل من خمس سنوات، قدّم مونتشو أرمينداريز خمسة أفلام روائية، تعبّر عن مسار فني متماسك ومتجذر في الواقع الاجتماعي.

أفلامه، بما فيها القصيرة، تنتمي إلى عالم مليء بشخصيات تقاوم الأعراف السائدة، وتُمارس تمرداً شخصياً لا يُمجد دائماً، لكنه يُحترم كفعل عصيان. في «تاسيو»، اعتمد أرمينداريز على تحضير دقيق، بدءاً بفيلم قصير، مروراً بساعات من الحوار مع تاسيو الحقيقي.

درس لهجة وعادات سكان الوادي المعني مع الممثلين، واستلهم من تجربته كمدرّس في قرية صناعية تعاني من التهميش، حيث شكّلت لقاءاته مع الشباب مصدر إلهام حقيقي لأبطاله. «تاسيو» عمل نادر في تصوير الفقراء بكرامة وجمال وذكاء وفكاهة، ويجسّد ذاكرة جيل كامل من الإسبان الريفيين.

◀ «الملاك المبيد» (1962، «El angel exterminador») 19 تشرين الأول ــ الساعة 9 مساءً.

بعد عام من فوز فيلم «فيريديانا» بجائزة السعفة الذهبية في «مهرجان كان»‏، عاد لويس بونويل إلى المهرجان الفرنسي بتوقعات عالية ليقدم فيلم «الملاك المبيد». تدور الأحداث حول مجموعة من الأصدقاء من الطبقة الراقية، يجتمعون في قصر لحضور عشاء. بعد انتهاء الاحتفال، تمنعهم قوى غامضة من عبور عتبة غرفة المعيشة.

من المهم تسليط الضوء على براعة بونويل في عرض سمات الأرستقراطيين في اللقطات الافتتاحية، من ملابسهم، وحليّهم، وسلوكياتهم، إلى أشنع سماتهم، كالنفاق، وعبادة السطحيين، واحتقارهم للموظفين الذين يُعتبرون أدنى منهم شأناً.

يستكشف الفيلم تفكك النظام والعودة إلى حالة بدائية، وهي أيضاً سمة رئيسية تستهدفها السوريالية: الإنسان الخالي من الأعراف والفكر العقلاني. وبينما تواجه الشخصيات عجزها عن الفرار، تكتسب سلوكياتها طابعاً حيوانياً متزايداً، كاشفةً عن الغرائز الخفية المظلمة الكامنة تحت سطح الحضارة. يُظهر لنا بونويل البورجوازية، التي تُمثلها هذه الشخصيات، كطبقة أنانية ومتكبرة لا تطيق نفسها، ولكنه يُقدمها قبل أي شيء كطبقة مملة.

* «سلسلة الأفلام الإسبانية»: بدءاً من 16 حتى 19 تشرين الأول (أكتوبر) ـــ سينما «متروبوليس» (مار مخايل ـ بيروت)

أخبار أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: