الأربعاء, 8 أكتوبر 2025 11:55 PM

جدل حول العنف المدرسي: بين الرفض والتبرير وتدخل وزارة التربية

جدل حول العنف المدرسي: بين الرفض والتبرير وتدخل وزارة التربية

أثارت مقاطع فيديو انتشرت مؤخرًا، تُظهر مديرة مدرسة حكومية في ريف دمشق وهي تضرب عددًا من الطالبات بالعصا، موجة غضب واسعة بين الأهالي والطلاب والمعلمين، لما انطوت عليه من عنف يتعارض مع العملية التربوية. وسرعان ما تحول الأمر إلى قضية رأي عام، حيث انقسمت الآراء بين مستنكرٍ بشدة للعنف الجسدي، ومبررٍ له كوسيلة "لضبط السلوك والتربية" في ظل تراجع القيم والانضباط.

المعلمة نوار محمد من ريف دمشق، أعربت عن رفضها للضرب، لكنها لم تؤيد قرار وزارة التربية بفصل المديرة، قائلة: "أنا ضد الضرب تمامًا، ولكن فصل المديرة ليس حلاً عادلاً، كان يمكن الاكتفاء بإنذارها. الضغط وسلوكيات بعض الطلاب قد تدفع المعلمين إلى ردود فعل خاطئة".

أحمد خطاب، وهو والد لثلاثة طلاب من محافظة حماة، يرى أن الضرب ضرورة تربوية أحيانًا: "جيلنا تربى على الشدة والانضباط، ولم نتضرر. الضرب المعتدل قد يكون وسيلة فعالة لتربية بعض الطلاب الذين لا ينفع معهم الكلام".

لكن خالد الإدلبي، أحد أولياء الأمور من دمشق، يرفض أي شكل من أشكال العنف في المدارس، مؤكدًا أن "الضرب يخلق شعورًا بالذل والانكسار، وقد يتحول إلى شخصية منطوية أو عدوانية. هذه الممارسات لا تنشئ جيلاً منضبطاً بل جيلاً خائفاً ومشوهًا نفسيًا".

المعلم محمد حميدي من ريف حلب الغربي، أوضح أن القضية أظهرت صورة سلبية عن جميع المعلمين، قائلاً: "القضية أُخذت من زاوية واحدة، فظهرت المعلمة وكأنها المعتدية فقط، بينما لم يُذكر أن المعلم اليوم فقد هيبته داخل الصف، ولم يعد يحظى بالاحترام الذي يستحقه. أصبح المعلم الحلقة الأضعف في المدرسة، والطلاب باتوا يتعاملون معه بجرأة زائدة، والأهالي بدورهم أساؤوا فهم مفهوم الضرب فصاروا يربطونه بكل تصرف أو توجيه حازم من المعلم".

وأضاف حميدي: "نحن متفقون أن الضرب خطأ، لكن يجب ألا يُجرّد المعلم من مكانته. الحل ليس في إضعاف دوره، بل في إيجاد بدائل تربوية مثل الاستعانة بالمرشدين النفسيين، وتنظيم حملات توعية وملصقات وبروشورات تعزز ثقافة الاحترام المتبادل داخل المدرسة، فحماية الطفل يجب أن ترافقها أيضاً حماية لهيبة المعلّم".

المرشد النفسي فراس محمد، حذر من مخاطر الضرب على المدى البعيد، مشيرًا إلى أن الطفل الذي يتعرض للعنف يتعلم ممارسة العنف على غيره: "الضرب لا يُهذّب السلوك، بل يزرع الخوف والعدوانية. الطفل الذي يُضرب في المدرسة سيتعامل مع زملائه بالطريقة نفسها، وقد يتحول إلى شخص عدواني في المستقبل". وأضاف أن الحل يكمن في "اعتماد أساليب تربوية إيجابية، قائمة على الحوار والتوجيه وتعزيز السلوك الجيد بدلاً من العقاب البدني".

مدير تربية ريف دمشق، فادي نزهت، أوضح أن المديرية تابعت الحادثة فور انتشارها، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المديرة المعنية، مؤكدًا أن "القانون واضح في منع أي شكل من أشكال العنف الجسدي أو اللفظي ضد الطلاب، وهناك أساليب تربوية وسلوكية يمكن للمعلم أن يستخدمها لمعالجة السلوكيات غير المنضبطة دون اللجوء إلى الضرب". وشدد نزهت على أن وزارة التربية تتابع هذه الحالات لمنع تكرارها، مع التركيز على "تدريب الكوادر التعليمية على أساليب ضبط الصفوف دون عنف".

بين مؤيدٍ يراها وسيلة "تربية وانضباط"، ومعارضٍ يعتبرها "عنفاً مرفوضاً بكل أشكاله"، تبقى قضية الضرب في المدارس مؤشراً خطيراً على الفجوة بين المفهومين التربوي والاجتماعي للتأديب، وعلى الحاجة الملحّة لإعادة بناء الثقة بين الأسرة والمدرسة، ضمن بيئة تعليمية آمنة تحفظ كرامة الطالب وتؤسس لتربيةٍ قائمة على الوعي لا الخوف.

مشاركة المقال: