الأربعاء, 8 أكتوبر 2025 09:55 PM

دير الزور: أطفال محرومون من التعليم.. واقع مرير وتحديات متزايدة

دير الزور: أطفال محرومون من التعليم.. واقع مرير وتحديات متزايدة

عمر عبدالرحمن – دير الزور

مع كل بداية عام دراسي، يتوجه غالبية الأطفال إلى مدارسهم لمواصلة تعليمهم وتطوير مهاراتهم، في حين يُجبر آخرون على ترك مقاعد الدراسة والانخراط في سوق العمل لإعالة أسرهم. هؤلاء الأطفال العاملون يواجهون ظروفًا قاسية ويُحرمون في أغلب الأحيان من حقهم في التعليم، بينما ينعم أقرانهم ببيئة تعليمية آمنة تتيح لهم النمو وتحقيق طموحاتهم المستقبلية. هذا التفاوت الصارخ يسلط الضوء على فجوة عميقة في الحقوق والفرص، ويثير تساؤلات حول كيفية ضمان حق جميع الأطفال في التعليم والحياة الكريمة.

“العمل خيار أفضل”

يوضح حامد الأحمد، وهو مدرس في مدرسة ابتدائية بدير الزور، حجم المشكلة قائلاً: "المشكلة كبيرة جدًا. لدينا العديد من الأطفال الذين يتسربون من الدراسة بسبب ظروف أسرهم المعيشية الصعبة. بعضهم يضطر للعمل لمساعدة أسرهم على تحمل أعباء الحياة. للأسف، التعليم ليس على رأس أولوياتهم". ويضيف في حديثه لنورث برس: "هناك عدة أسباب رئيسية وراء تسرب هؤلاء الأطفال، من بينها الفقر المدقع الذي تعاني منه الكثير من الأسر، بالإضافة إلى غياب المعيل في بعض الحالات. علاوة على ذلك، بعض العائلات لا تدرك أهمية التعليم أو تعتقد أن العمل هو الخيار الأفضل لأطفالهم".

تشير تقارير محلية غير رسمية إلى أن حوالي مليونين ونصف طفل قد تسربوا من المدارس في سوريا خلال عام 2023، ولا يزال من غير المعروف ما إذا كان هذا الرقم قد انخفض أو ازداد بعد سقوط نظام الأسد. ويؤكد الأحمد أن لهذه الظاهرة آثار سلبية وخيمة، فالطفل الذي لا يتعلم يصبح أكثر عرضة للجهل والفقر المستمر، كما أن المجتمع يفقد فرصًا كبيرة للتطور والازدهار عندما لا يستثمر في تعليم الجيل الجديد.

جهود غير كافية

يشير الناشط الاجتماعي علي اليوسف من دير الزور إلى أن معالجة مشكلة تسرب الأطفال تتطلب بذل جهود مضاعفة: "نحن نعمل جاهدين على توعية الأسر بأهمية التعليم، ونقوم بتنظيم ورش عمل وندوات لمناقشة تأثير التعليم الإيجابي على مستقبل أطفالهم. كما نقدم دعمًا ماليًا لبعض الأسر المحتاجة للتخفيف من الأعباء المالية التي تثقل كاهلهم". ويضيف في حديثه لنورث برس: "هناك تجاوب ملحوظ من بعض الأسر، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به. فبعض الأسر لا تزال ترى أن العمل هو الخيار الأمثل لأطفالهم".

ويوضح أن أكبر التحديات التي تواجههم تتمثل في نقص الموارد المالية المتاحة ومحدودية الوعي المجتمعي بأهمية التعليم، في حين تخشى بعض الأسر من أن يؤدي تعليم أطفالهم إلى تفاقم وضعهم المالي بسبب عدم قدرتهم على العمل. المهندس محمد جاسم، مسؤول منظمة "سواعدنا" غير الحكومية في دير الزور، يوضح في تصريحات لنورث برس، الجهود التي تبذلها منظمته في هذا المجال: "من خلال شراكات مع منظمات دولية، تمكنا من تقديم برامج تعليمية بديلة للأطفال المتسربين من المدارس. كما نعمل على توفير منح دراسية للأسر المحتاجة لمساعدتهم على إرسال أطفالهم إلى المدرسة. نحن نتعاون بشكل وثيق مع وزارة التربية والتعليم لتحديد المناطق الأكثر احتياجًا وتوجيه الدعم المناسب لها. فالتعاون الوثيق هو السبيل الأمثل لتحقيق نتائج فعالة وملموسة".

ويأمل جاسم في أن يتمكنوا من خفض معدل تسرب الأطفال من المدارس بشكل ملحوظ، مؤكدًا أن التعليم هو حق أساسي لكل طفل ويجب العمل سويًا لضمان حصولهم عليه. من جانبه، يصف السيد عمار، وهو معلم في مجال صناعة الميكانيك والسيارات، الوضع في ورشته قائلاً: "لدي العديد من الأطفال الذين يعملون هنا بدلاً من الذهاب إلى المدرسة. بعضهم يعتقد أن العمل هنا هو أفضل خيار لمستقبلهم. ورغم أن هذا العمل ليس قانونيًا لكونهم أطفالًا، إلا أنني اضطررت لقبولهم هنا لمساعدتهم ماديًا ومساعدة أسرهم. فهم في النهاية، لولا الحاجة لما أتوا".

ويضيف في حديثه لنورث برس: "أحاول دائمًا توعيتهم بأهمية التعليم وتأثيره على حياتهم المستقبلية. أشرح لهم أن العمل في هذه الورشة ليس حلاً دائمًا، ولكن رغبتهم في العمل أقوى من رغبتهم في التعليم".

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: