الخميس, 2 أكتوبر 2025 02:29 PM

نتنياهو يضع عينه على "إكس" بعد السيطرة على "تيك توك" لخدمة مصالح إسرائيل

نتنياهو يضع عينه على "إكس" بعد السيطرة على "تيك توك" لخدمة مصالح إسرائيل

يرى بنيامين نتنياهو أن السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي هي السلاح الحقيقي اليوم، معتبراً الاستحواذ على "تيك توك" خطوة استراتيجية لضبط الرأي العام الأميركي وتقويض الخطاب الفلسطيني. وفي المقابل، تواصل "ميتا" تلبية المطالب الإسرائيلية، بينما الدور آتٍ على "إكس"، على الرغم من أن إيلون ماسك هو "صديق نتنياهو".

بهذه الكلمات حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي أولويات تل أبيب التسليحية، وكشف علناً أنهم يراقبون باهتمام كبير نجاح صفقة بيع فرع "تيك توك" الأميركي إلى مجموعة مستثمرين أميركيين داعمين للكيان، بالإضافة إلى شخصيات ملكية إماراتية، مع تركيز الكيان على "إكس" في المرحلة المقبلة.

جاءت تصريحات نتنياهو بعد ساعات من نبذ رؤساء وممثلي عشرات الدول له، عبر الانسحاب الجماعي المتلفز حين اعتلى المنبر للإدلاء بخطبته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، علماً بأنه استخدم الحدث ذاته العام الماضي لإطلاق عدوانه على لبنان.

في لقاء جمعه يوم الجمعة الماضي بعدد من المؤثرين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي أن "السلاح الأهم" بالنسبة لكيانه هو إتمام صفقة الاستحواذ على "تيك توك" من أجل "تأمين القاعدة الجماهيرية في أميركا".

بالإضافة إلى ذلك، لفت نتنياهو إلى ضرورة السيطرة على منصة "إكس"، قائلاً: "سنتكلم مع إيلون ماسك حول الموضوع. هو ليس عدواً بل صديق". يُذكر أن ماسك يملك المنصة المعروفة سابقاً باسم "تويتر" منذ عام 2022.

واللافت أيضاً أن زعيم حزب الليكود لم يتطرق إلى "ميتا" ومنصاتها الرائدة مثل فيسبوك وإنستغرام نظراً إلى رضاه عن أدائها في حماية صورة إسرائيل وسردياتها مقابل قمع الأصوات الفلسطينية التي تُظهر هول الجرائم المرتكبة في قطاع غزة.

في هذا الإطار، ووفقاً لتقارير "هيومن رايتس ووتش"، استجابت "ميتا" لحوالى 96 في المئة من الطلبات الإسرائيلية لإزالة المحتوى عن منصاتها، وهي نسبة الاستجابة الأعلى على طلبات المحو من بين مختلف دول العالم. كشفت حروب إسرائيل الأخيرة على فلسطين ولبنان وإيران مدى تعويل الكيان على التكنولوجيا الحديثة لإحداث الفرق.

إلا أن "الإنجازات" التكنولوجية الإسرائيلية أتت بعد أعوام طويلة من الصمت، بينما في الآونة الأخيرة لا يفوت بنيامين نتنياهو مناسبة من دون التطرق إلى تعدي كيانه على خصوصية بيانات المستخدمين والتلاعب بالرأي العام عبر التحكم بالخوارزميات و"تسليح" وسائل التواصل الاجتماعي.

قبل أيام من تصريحاته حول وسائل التواصل الاجتماعي، سأل نتنياهو الحاضرين خلال إحدى خطبه إذا كانوا يحملون هواتف، ليكمل قائلاً: "فإذن أنتم تحملون قطعة من إسرائيل". لكن التعجرف الإسرائيلي دفع إلى ردود فعل غاضبة، تحديداً بين الأميركيين.

إذ وصف أحد الناشطين على منصة "إكس" اجتماع نتنياهو بالمؤثرين الأميركيين بأنه "دعاية مكشوفة"، محذراً من "تسليح المعلومات المضللة".

وأشار مغرد آخر يُدعى شون كينغ إلى أن "نتنياهو يتحدث حرفياً وكأن تيك توك قد تم شراؤه من أجل إسرائيل". وانتقد مستخدم آخر يُدعى توني مايكل الاجتماع باعتباره دليلاً على أن التحكم بـ "تيك توك" سيُستخدم لـ "تضليل" الأميركيين وإخفاء الفظائع.

ورغم أن المشرعين الأميركيين انطلقوا في حملتهم على فرع "تيك توك" الأميركي بحجج ترتبط بالأمن القومي للبلاد، إلا أن نتنياهو أكد المخاوف التي أثارها الناشطون منذ البداية، بأن الاستحواذ يتعلق بالسيطرة على الروايات حول حروب إسرائيل وارتكاباتها.

منذ انطلاق العدوان على غزة قبل حوالى عامين، تحولت المنصة في أميركا إلى نافذة للناشطين للتداول بحرية نسبية بالمحتوى الذي يوثق جرائم إسرائيل في غزة.

ولم يمر شهر على بدء الحرب، حتى استهدف أعضاء الكونغرس التطبيق الصيني بشكل صريح بسبب طريقة تغطيته للأحداث في غزة. يومها، دعا السناتوران جوش هاولي وماركو روبيو والنائب مايك غالاغر إلى حظر التطبيق حينها، مشيرين إلى محتواه المؤيد للفلسطينيين و"المعادي لإسرائيل".

كما طالب أعضاء مجلس النواب الجمهوريون "تيك توك" بالشفافية بشأن المحتوى المزعوم "المعادي للسامية والمؤيد لحماس".

وبلغ الهجوم ذروته في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، مع اتهام مشرعين أميركيين لخوارزمية التطبيق بالـ "تحيز ضد إسرائيل".

دفع التطبيق الصيني ثمن سماحه لنحو نصف الأميركيين، أي نحو 180 مليون مستخدم، معظمهم دون سن الأربعين، بنشر الحقائق بأريحية. والحقائق الموثقة في غزة دفعت أكثر من ثلثي هؤلاء إلى اتخاذ مواقف حادة تجاه الحرب الإسرائيلية، وفقاً لاستطلاعات الرأي.

تأتي عملية الاستحواذ لكبح المنصة التي يقودها الشباب بعد تحولها إلى مكبر صوت لمآسي الفلسطينيين داخل الرأي العام الأميركي، محدثة تغييراً جذرياً غير مسبوق في النظرة إلى الصراع.

أمام هذه المعطيات، تحرك الرئيس الأميركي لضمان مصالح "الأمن القومي"، موقعاً أمراً تنفيذياً لصفقة تسمح لـ ByteDance، الشركة الصينية الأم للتطبيق، بالاحتفاظ بأقل من 20 في المئة من ملكيته، بينما سيتحكم المستثمرون الأميركيون بما يزيد على 65 في المئة، على رأسهم المؤسس المشارك لشركة "أوراكل"، لاري إليسون، المعروف بتبرعاته السخية للقوات الإسرائيلية.

إلى جانبه في الكونسورتيوم، إمبراطور الإعلام ومالك شبكة "فوكس نيوز"، روبرت مردوخ، ومؤسس شركة "ديل تكنولوجيز"، مايكل ديل، وغيرهم من الأثرياء الذين يجمعهم الدعم المطلق لإسرائيل.

ومن بين الأطراف المعنية الرئيسية الأخرى، صندوق الاستثمار الإماراتي "إم جي إكس" برئاسة طحنون بن زايد، الذي سيستحوذ ـــ بحسب الصفقة ـــ على حصة تبلغ 15 في المئة ومقعد في مجلس الإدارة، بتناغم كامل مع الخطة الأميركية – الإسرائيلية.

استنفرت إسرائيل أمام التغير الخطير في الرأي العام الغربي. لا يقتصر اهتمامها على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل دأبت تل أبيب أيضاً على شراء الإعلانات التي تُروّج لسردياتها، بدءاً من "غوغل" وصولاً إلى ألواح إعلانية في ساحة "تايمز سكوير" في قلب مدينة نيويورك.

من جهة أخرى، لم تَبقَ الصحوة الأميركية حكراً على الجامعات والأجيال الشابة، بل امتدت عدواها إلى عمق اليمين، أمثال الراحل تشارلي كيرك والإعلامي الشهير تاكر كارلسون، الذين لم يعد بإمكانهم استيعاب النفوذ الإسرائيلي الواسع على بلادهم ولا الترويج لحروب نتنياهو التي لا تتناغم، وفقاً لتصريحاتهم، مع مصالح واشنطن.

خسارة حرب البروباغندا دفعت الأميركيين الصهاينة للإطباق على "تيك توك"، مع وضع العين على "إكس" في المرحلة المقبلة، كما كشف نتنياهو.

ورغم أن إسرائيل ستحكم سيطرتها على الخوارزميات بما يسمح بالتحكم بالمحتوى لبناء السرديات التي تستميل الرأي العام لمصلحتها، إلا أن السبب الرئيسي لشعبية هذه المنصات في الأساس واستقطابها المستخدمين بعيداً من "ميتا"، كان مساحة الحرية التي تسمح بها للتداول بالأحداث كما هي، بعد فضح خبث الخوارزميات على المنصات الأخرى.

لكن تجارب التاريخ تكشف أن الحقيقة لا يمكن كبتها أو قتلها. ومهما علا صوت بروباغندا الظلام، فإن أثر دماء الأبرياء أقوى من أن يُهمّش، ورسائله ساطعة تُحدّد بوصلة الحق الذي لا يمكن إخماده.

مشاركة المقال: