الأحد, 28 سبتمبر 2025 10:19 PM

انقسام في دير الزور حول مناهج "الإدارة الذاتية": بين الرفض والقبول الاضطراري

انقسام في دير الزور حول مناهج "الإدارة الذاتية": بين الرفض والقبول الاضطراري

دير الزور – عبادة الشيخ: أصبحت المناهج الدراسية التي فرضتها "الإدارة الذاتية"، الذراع الحوكمية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ساحة صراع جديدة بين سلطة تسعى لفرض رؤيتها ومجتمع محلي متمسك بهويته. في المقابل، اعتبرت مجتمعات عربية أخرى هذه المناهج "أمرًا واقعًا" وقبلت بها لاستمرار العملية التعليمية.

هذا الانقسام الحاد في ردود الفعل، بين القبول في مناطق والرفض في مناطق أخرى بريف دير الزور الشرقي والغربي، ليس مجرد خلاف تعليمي عابر، بل هو انعكاس لصراع أعمق حول الهوية والثقافة ومستقبل الأجيال في المنطقة.

بين قبول حذر ورفض قاطع

في مدينة هجين، التابعة لمنطقة البوكمال، جرت عملية توزيع الكتب المدرسية بسلاسة، وقوبلت المناهج الجديدة بقبول نسبي دون معارضة علنية من قبل المجمع التربوي التابع لـ"قسد".

لكن رائدة الخلف، من سكان هجين، أوضحت أن هذا القبول لا يعكس بالضرورة اقتناعًا تامًا بالمحتوى التعليمي، بل هو نتيجة لعدة عوامل تجعل المواجهة "محفوفة بالمخاطر". وباعتبار المنطقة مركزًا عسكريًا وإداريًا رئيسيًا لـ"قسد" في الريف الشرقي، أصبح وجود "الإدارة الذاتية" أمرًا واقعًا لا يمكن تجاوزه بسهولة. وأضافت أن التكيف هو الحل الأكثر عملية في ظل غياب بدائل أخرى، خاصة بعد سنوات من الصراع والفوضى.

القبول هنا، وفق رائدة، هو خيار يهدف إلى استمرار الحياة وتأمين الحد الأدنى من التعليم للأبناء، بدلًا من الدخول في مواجهة قد تكون نتائجها "وخيمة".

مروان السميح، معلم مدرسة في بلدة السوسة، رفض المنهاج لأسباب عدة، منها "ضعف" مناهج المرحلة الابتدائية، ومحتوى مناهج المرحلة الإعدادية الذي يتضمن مواد عن حرية المرأة وفلسفة عبد الله أوجلان، القائد السابق لحزب "العمال الكردستاني" (PKK)، ومؤسس الديانة البوذية، بوذا، ومقارنة الأخير بالنبي محمد. وأكد لعنب بلدي أن الرفض لم يقتصر على الاعتراض اللفظي، بل وصل إلى حرق الكتب المدرسية كرسالة من الأهالي بأن هذه المناهج لا تمثلهم.

قلق على الهوية والمستقبل

يتجاوز رفض الأهالي في ريف دير الزور مسألة المناهج التعليمية، ليلامس محورين رئيسين يشكلان أساس هذا الرفض، بحسب معلمين التقتهم عنب بلدي. المحور الأول هو الصدام مع الهوية المحلية، حيث يرى معلمون أن المناهج التي وضعتها "الإدارة الذاتية" بعيدة عن قيمهم ومبادئهم. وبحسب شهاداتهم، تتضمن الكتب مواد عن "تاريخ الشعوب" و"الفكر الديمقراطي" بطريقة لا تتوافق مع هويتهم العربية والإسلامية. واعتبروا أن هذه المناهج تهدف إلى طمس الهوية المحلية وخلق جيل منفصل عن جذوره.

سامح السرهيد، معلم مدرسة في بلدة درنج، قال إن الكتب التي أحضروها لا تشبههم، مضيفًا: "نحن عرب ولنا تاريخ وقيم، وهذه المناهج لا تعكس شيئًا من ذلك، لهذا قمنا بحرقها، فهي لا تصلح لأبنائنا".

غياب الاعتراف بالشهادات

المحور الثاني في رفض مناهج "الإدارة الذاتية" يتعلق بمستقبل الطلاب التعليمي والأكاديمي، وما يرتبط بالاعتراف بشهاداتهم. عبد الحكيم المداد، مدير مدرسة في بلدة حريزة بريف دير الزور الشمالي، أوضح أن من أكبر المخاوف التي تهدد مستقبل الطلاب هو عدم اعتراف الجهات الرسمية محليًا ودوليًا بالشهادات التي تمنحها "الإدارة الذاتية". وأضاف أن هذا القلق "واقعي جدًا" في ظل غياب اعتراف دولي أو إقليمي بهذه الشهادات، ما يجعل الأهالي يرون أن أبناءهم قد يواجهون صعوبات في إكمال تعليمهم الجامعي أو الحصول على فرص عمل في المستقبل، ما يجعل المناهج مجرد "عبء" لا فائدة منها.

صراع يتجاوز التعليم

لطالما كانت قضية المناهج الدراسية في مناطق سيطرة "قسد" شمال شرقي سوريا مثار جدل، خاصة في مناطق انتشار المكوّن العربي. قضية المناهج الدراسية في دير الزور هي نقطة ارتكاز لصراع أوسع على الهوية والسلطة. فبينما تسعى "الإدارة الذاتية" لترسيخ نفوذها عبر المؤسسات التعليمية، يرى الأهالي في هذه المناهج تهديدًا مباشرًا لهويتهم الثقافية.

مع بداية العام الدراسي الحالي، أبلغت "هيئة التربية والتعليم" في "الإدارة الذاتية" المدارس الخاصة والعامة بأنه لن يُسمح بتدريس منهاج الحكومة السورية في أي مؤسسة ضمن مناطق سيطرتها، وأصدرت قرارًا بتوحيد المنهاج الذي وضعته سابقًا. وكانت "الإدارة" قد فرضت منذ العام 2020 منهاجًا تعليميًا في المناطق الخاضعة لها في دير الزور والحسكة والرقة وحلب، إلا أنه قوبل بالرفض من قبل بعض السكان، وشهدت المنطقة لسنوات احتجاجات على سير العملية التعليمية.

مشاركة المقال: