الأحد, 28 سبتمبر 2025 02:43 PM

سوريا ولبنان تطلقان مبادرة لحل ملف المعتقلين: هل تنجح المفاوضات؟

سوريا ولبنان تطلقان مبادرة لحل ملف المعتقلين: هل تنجح المفاوضات؟

تشهد قضية المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية تحركًا ملحوظًا بعد سنوات من الجمود، وذلك مع استئناف التنسيق بين الحكومتين السورية واللبنانية، وفتح قنوات اتصال مباشرة لمناقشة هذه القضية ذات البعد الإنساني والسياسي. تأتي هذه الخطوة بعد سنوات من التوقف عقب سقوط نظام الأسد.

أكد وزير العدل اللبناني، عادل نصار، على إمكانية التوصل إلى اتفاق مع سوريا بشأن المعتقلين، مشيرًا إلى حق اللبنانيين في معرفة مصير أبنائهم المعتقلين في سوريا، ومطالبة سوريا بالموقوفين السوريين في لبنان. وفي حواره مع قناة "الحدث" السعودية، في 20 أيلول، شدد على أهمية التعاون المتبادل والكامل، وأن يتم النقاش في إطار القوانين المعمول بها في كل دولة.

من جهته، أوضح وزير العدل السوري، مظهر الويس، أن ملف المعتقلين السوريين في لبنان يحظى باهتمام خاص من الحكومة السورية، مؤكدًا على متابعته وفق خطة شاملة. وأشار إلى المشاورات واللقاءات المتعددة التي جرت مع الجانب اللبناني، معربًا عن رغبته في التعاون، وذلك بحسب ما نشره في صفحته عبر منصة "إكس"، في 22 أيلول.

"كسر الجمود"

تعكس تصريحات الوزيرين إعطاء الأولوية لقضية المعتقلين السوريين، التي تصدرت النقاش السوري-اللبناني منذ سقوط النظام السابق، مما يشير إلى أن التحرك الرسمي للدولتين بدأ يأخذ مساره الصحيح. المحامي محمد صبلوح، مدير مركز "سيدار للدراسات القانونية" في لبنان، أوضح أن قضية المعتقلين السوريين في لبنان بدأت منذ سنوات كحملات إعلامية ومطالبات، لكنها اليوم دخلت حيز البحث الجدي، بعد تبادل الزيارات الرسمية بين بيروت ودمشق، مما كسر حالة الجمود وفتح الباب أمام إمكانية حل هذا الملف الإنساني.

وأشار صبلوح إلى أن الإشكالية الكبرى تكمن في التناقض داخل الموقف اللبناني نفسه، حيث تُستخدم قضية المعتقلين السوريين لتغطية ملفات أخرى، مثل اتهامات "قتل الجيش"، التي يرى أنها مبالغ فيها ومفبركة من قبل الأجهزة الأمنية. ويرى أن هذه الأجهزة مارست انتهاكات واسعة منذ عام 2011 حتى 2025، بما في ذلك تلفيق ملفات للسوريين المعارضين لنظام الأسد ووصمهم بالإرهاب، وإجبارهم على التوقيع على اعترافات تحت التعذيب والتهديد بعائلاتهم، واستخدام أساليب مهينة وغير إنسانية.

"ملف إنساني"

يرى المحلل السياسي حسام طالب أن قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية منذ أكثر من أربعة عقود تختلف عن ملف المعتقلين السوريين في لبنان. ويشير إلى أنه بعد سقوط النظام، لم يُعثر على أي أثر للمعتقلين اللبنانيين، مما يرجح أنهم لم يعودوا على قيد الحياة، وإلا لكانوا أُطلق سراحهم مع المعتقلين السوريين والأردنيين. أما المعتقلون السوريون في لبنان، فملفهم حديث وإنساني، إذ لم يرتكبوا جرائم أو مخالفات للقانون اللبناني، بل كانت "تهمتهم الوحيدة" معارضتهم لنظام بشار الأسد، واعتقالهم جاء بطلب من "حزب الله" خلال فترة نفوذه في لبنان.

ويؤكد طالب أن المعتقلين السوريين يعانون أوضاعًا صعبة نفسيًا وصحيًا داخل السجون اللبنانية، ويطالب بالإفراج الفوري عنهم باعتبارهم معتقلين سياسيين، مشيرًا إلى أن دمشق لم تطلب يومًا تسليم سوريين متورطين بجرائم جنائية، بل حصرت مطالبها بالمعتقلين السياسيين.

تصريحات متناقضة

أثارت تصريحات الوزير اللبناني جدلًا لدى الأوساط الحقوقية، إذ اعتبر ناشطون ومحللون سياسيون أنه لا يمكن النظر إلى معتقلي الطرفين بمعالجة واحدة. انتقد المحامي محمد صبلوح وزير العدل اللبناني، مشيرًا إلى أنه سلمه وثائق وأدلة على الانتهاكات، لكنه لم يحرك ساكنًا، بينما يخرج بتصريحات إعلامية متناقضة. واعتبر أن هذا التناقض يضعف مصداقية الدولة اللبنانية، مؤكدًا أن الحل الوحيد يكمن في العدالة الانتقالية التي تعترف بالانتهاكات وتعمل على جبر الضرر. وأضاف أن أهالي المعتقلين السوريين يشعرون بظلم مضاعف، إذ يرون أن رفاق أبنائهم الذين أصبحوا اليوم في مواقع قيادية داخل الدولة السورية الجديدة يعيشون أحرارًا، بينما أبناؤهم لا يزالون يقبعون في السجون اللبنانية بتهم مفبركة.

ووصف صبلوح موقف وزير العدل السوري بأنه منطقي، لأن هؤلاء المعتقلين لم يُدانوا بجرائم حقيقية، بل دفعوا ثمن معارضتهم لنظام الأسد، مشددًا على أنه "لا يمكن المساواة بين الجلاد والضحية". أما المحلل السياسي حسام طالب، فيشرح أن التباين بين تصريحات وزيري العدل في لبنان وسوريا يعكس اختلاف ظروف المعتقلين السوريين عن اللبنانيين، فبينما يُعتبر حديث الوزير اللبناني مضيعة للوقت، فإن موقف نظيره السوري منطقي وعادل.

ويرى طالب أن استمرار احتجاز المعتقلين السياسيين يضر بالعلاقات بين الشعبين والدولتين، ويهدد بزيادة التوترات الشعبية.

قانون يحقق العدالة الانتقالية

أشار المحامي محمد صبلوح إلى أن معالجة قضية السوريين وحدهم لن تكون عادلة، بل يجب أن تكون جزءًا من إصلاح شامل عبر قانون جديد يحقق العدالة الانتقالية لجميع السجناء، لبنانيين وسوريين، و"يضع حدًا للفبركات والانتهاكات". واتهم صبلوح "حزب الله" بمحاولة استغلال الملف سياسيًا، عبر "تضخيم أعداد الموقوفين السوريين أو فبركة ملفات مرتبطة بالإرهاب"، من أجل تعزيز أوراقه التفاوضية مع الدولة السورية والمجتمع الدولي.

وختم بالتأكيد أن العدالة "لا تتجزأ"، وأن أي حل جزئي سيؤدي إلى انفجار داخل السجون اللبنانية، داعيًا إلى الاعتراف بالانتهاكات السابقة والعمل على تصحيحها عبر مسار عدالة انتقالية شامل.

شرط لتطور العلاقات

تؤكد مصادر مطلعة أن لجانًا مشتركة من الجانبين السوري واللبناني تملك قوائم واضحة بأسماء المعتقلين وأسباب احتجازهم، ما يستدعي الإسراع في الحل بعيدًا عن البيروقراطية والمماطلة، التزامًا بالقانون الدولي واتفاقيات جنيف، وفقًا لما قاله المحلل السياسي حسام طالب. وتؤكد دمشق أن ملف بعض العناصر الموقوفين بتهم تهريب المخدرات أو السلاح قضية مختلفة تمامًا، لأنها جنائية لا علاقة لها بالملف السياسي أو بـ"حزب الله".

ويرى طالب أن حل قضية المعتقلين السياسيين في لبنان بات ضرورة إنسانية عاجلة، وهو شرط أساسي لأي تقدم في العلاقات الثنائية بين بيروت ودمشق.

مشكلات سياسية تعوق الاتفاق

يرى الباحث السياسي فراس علاوي أن كلا الطرفين لديه شروط لحل مسألة المعتقلين في كلا البلدين، وهناك بعض المشكلات السياسية أو التقنية التي عاقت الوصول لاتفاق بين الوزيرين، موضحًا أن القضية تحتاج إلى نقاشات أعمق وأطول بين الطرفين لحل الخلافات. ويضيف أنه يجب الفصل بين المعتقلين السوريين السياسيين وبين المتهمين بقضايا أخرى، وأيضًا يجب الفصل بين المعتقلين اللبنانيين في سوريا خلال فترة حكم الأسد، وبالتالي كل ملف في قضية المعتقلين مختلف عن الآخر.

ويرجح علاوي أن الحكومة السورية لا تملك جميع الأوراق والوثائق المتعلقة بالمعتقلين اللبنانيين في الأراضي السورية خلال فترة النظام السابق، ويجب أن تكون معالجة قضية المعتقلين لدى الجانبين منفصلة عن الشقين السياسي والاقتصادي، كونها قضية إنسانية بحتة.

وتعتبر قضايا المعتقلين السوريين في لبنان، والمفقودين اللبنانيين في سوريا، على رأس المباحثات التي يجريها الجانبان السوري واللبناني، وكانت أولى جولاتها بزيارة وفد من الخارجية السورية إلى بيروت في 1 أيلول، ثم قدوم وفد حكومي لبناني إلى سوريا لمتابعة التفاصيل. وأشار وزير العدل اللبناني، عادل نصار، إلى أن اللجان التي تشكلت عقب زيارة الوفد الرسمي السوري إلى بيروت، عقدت اجتماعًا بدمشق، في 8 أيلول. وفي 1 أيلول، زار وفد سوري العاصمة اللبنانية، بيروت، لبحث عدد من القضايا العالقة بين دمشق وبيروت، أبرزها ملف المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية، وترسيم الحدود، حيث التقى الوفد نائب رئيس الوزراء اللبناني، طارق متري. واتفق الجانبان على تشكيل لجنتين لتحديد مصير نحو ألفي سجين سوري محتجزين في السجون اللبنانية، وتحديد أماكن المواطنين اللبنانيين المفقودين في سوريا منذ سنوات، وتسوية الحدود المشتركة، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".

مشاركة المقال: