يشير علي عبود إلى أن الحكومات العربية ترفض بشكل ملحوظ الاقتداء بتجارب الدول المتقدمة في استثمار القدرات البشرية والثروات الطبيعية. ويؤكد أنه لو استثمرت الدول العربية، التي توصف بالنامية منذ عقود، إمكاناتها من خلال خطط خمسية أو عشرية، واعتمدت على الذات بدلاً من الاستيراد والقروض والمساعدات، لكانت اليوم في مصاف الدول الغنية، لكنها فضلت الاعتماد على الخارج.
ويلفت النظر إلى أن الشغل الشاغل للحكومات العربية هو جذب الاستثمارات الخارجية لإقامة مشاريع صناعية وخدمية ضخمة، تعبر، برأيها، عن القوة الاقتصادية. وتتحدث الحكومات عن التخطيط لإنجازات عملاقة دون الإجابة على سؤال المستثمرين: ما الفائدة من إقامة مشاريع ضخمة في بلاد تهتم بالاستيراد وليس الإنتاج؟ فالسؤال الأساسي لأي مستثمر أجنبي هو: هل السوق المحلية والأسواق المجاورة والدخل الفردي يتيح تصريف إنتاج مشروعي الذي سيكلف مئات الملايين؟
ويضيف أن المسؤولين في الدول العربية يرحبون بالاستثمارات الخارجية ويقدمون لها الإعفاءات والتسهيلات، لكنهم لا يشجعون المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر لمواطنيهم بنفس القدر، وإذا فعلوا، فإنهم لا يترجمون تصريحاتهم إلى أفعال، لأنهم يركزون على الاستثمارات الخارجية والقروض والمساعدات بدلاً من الاستثمار في الإمكانات المتاحة والاعتماد على الكوادر البشرية الوطنية.
ويوضح أنه أمام هذا اللهث وراء جذب الاستثمارات الضخمة، تهمل الحكومات العربية المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، على الرغم من تأكيد خبراء الاقتصاد على أنها العمود الفقري لأي نمو اقتصادي. كما تتباهى الحكومات بتأسيس الشركات الكبيرة وتهمل الشركات المتوسطة والصغيرة، ولا تهتم بالمشاريع المتناهية الصغر القادرة على تمكين آلاف الأسر من الاستغناء عن مساعدات الدولة.
ويشير إلى أنه على الرغم من وجود دراسات تؤكد على دور الأعمال الصغيرة والمتناهية الصغر في تنشيط الاقتصاد الوطني، فإن الحكومات العربية مصرة على تجاهلها، على الرغم من وجود أمثلة على مشاريع متناهية الصغر وصلت منتجاتها إلى الأسواق الخارجية.
ويستغرب من أن الحكومات العربية تشارك في مؤتمرات اقتصادية خارجية تطلع خلالها على أهمية الشركات الصغيرة والمشاريع المتناهية الصغر في نمو الاقتصاد الوطني، ومع ذلك، فإنها لا تضع خططاً لتنميتها، فأنظارها متجهة دائماً إلى المشاريع الضخمة التي لم ولن تأتي.
ويختتم بالإشارة إلى أنه لو استعرضنا واقع الدول العربية لوجدنا فيها أعمالاً صغيرة ومتناهية الصغر لأن المجتمعات أدركت أهميتها في توليد الدخل، وبدلاً من أن تطور الحكومات هذه المشاريع، فإنها أهملتها، ما أدى إلى انقراض بعض المهن التراثية. ويؤكد أن المهن اليدوية والصناعات المحلية يمكن من خلال تطويرها خلق فرص عمل وتصنيع منتجات قادرة على اختراق الأسواق الأجنبية. ولو اقتنعت الحكومات بأهمية المشاريع الصغيرة ووفرت لها التمويل والتسهيلات وأعفتها من الرسوم والضرائب، وساعدتها على تسويق منتجاتها، فإنها ستزيد من دوران عجلات الإنتاج وتستغني عن المستوردات وتشتهر بمنتجات تنافس في الأسواق العالمية.