بقلم: أحمد عزام
تستعد شانغهاي لتولي دورٍ محوري في سوق الذهب العالمي، حيث تعرض بكين أن تكون الحارس الأمين لاحتياطيات الذهب السيادية للدول الصديقة. لا يتعلق الأمر بنقل المخزونات من لندن، بل بشراء ذهب جديد يُسجل كاحتياطي ويُحفظ داخل الصين، ذهب يُشترى اليوم ليُعاد تشكيل القوة في المستقبل.
بورصة شانغهاي للذهب (SGE) هي المنصة التي أُنشئت لهذا الغرض. وقد صُممت منصتها الدولية، التي أُطلقت في عام 2014، خصيصًا لمشاركة غير المقيمين تحت إشراف بنك الشعب الصيني. وتعمل المستودعات كـ "أمناء حراسة" مرتبطين بالمنصة، لتشكل سلسلة متكاملة تشمل التداول والتسوية والتخزين، وكل ذلك يخضع لقانون محلي شامل.
أصبحت شانغهاي بالفعل أكبر سوق للذهب الفعلي، حيث بلغ حجم التداول حوالي 54 ألف طن في عام 2023، أي ما يقرب من 75٪ من التجارة العالمية، وفقًا لبيانات البورصة. وفي عام 2025، توسعت إلى هونغ كونغ من خلال عقود ومنشآت خارجية، وخففت قيود الاستيراد، ودعمت شبكة مصافي تتجاوز 20 مصفاة بطاقة إجمالية تتجاوز 2000 طن سنويًا.
يعود هذا التوجه إلى التغيرات التي طرأت على العالم منذ تجميد حوالي 300 مليار دولار من احتياطيات روسيا الأجنبية في عام 2022، مما أدى إلى تبدل في "مصفوفة الثقة". وأصبح الذهب ملاذًا سياديًا لا يمكن تجميده. ونتيجة لذلك، سجلت البنوك المركزية مشتريات قياسية بلغت 1037 طنًا في عام 2022، واستمرت في الارتفاع في السنوات اللاحقة، وهو أعلى مستوى منذ عام 1967، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المعدن الأصفر إلى مستويات تاريخية قاربت 3790 دولارًا للأوقية في أيلول/سبتمبر 2025.
هنا يأتي دور الصين، بعرض حراسة رسمي داخل حدودها، بلغة تفهمها العواصم التي تبحث عن تنويع بعيدًا عن البنية الغربية، لتوفير أمن احتياطي بديل.
الرهان الصيني يتجاوز الذهب، فهو يهدف إلى بناء منظومة موازية ترتكز على جعل CIPS قناة دفع عابرة للحدود بديلة عن الشبكات الغربية، واعتماد اليوان الرقمي بنية تسوية محلية ودولية، واستخدام بورصة شانغهاي منصة تسعير وتسليم وحراسة. وعندما تجتمع الأصول الملموسة والقنوات الرقمية، تقل قابلية بكين للابتزاز المالي، وتكبر قدرتها على تسعير العلاقات بعيدًا عن واشنطن ولندن.
داخليًا، الصورة متماسكة: بنك الشعب الصيني يشتري الذهب باستمرار، والاحتياطي الرسمي المعلن يقارب 2235 طنًا في عام 2024، والأرقام في ازدياد في عام 2025. والطلب المحلي كبير، حيث بلغ الاستهلاك 943.3 طنًا في عام 2023، والإنتاج يقارب 330 طنًا سنويًا. ومع ذلك، تبقى حصة الذهب من إجمالي الاحتياطيات دون 5٪ تقريبًا، مما يترك هامشًا للزيادة.
لكن الثقة تُكتسب بمرور الوقت. ولا تزال لندن معيار السيولة، حيث تمتلك خزائن بنك إنجلترا أكثر من 5000 طن، ومعيار 400 أونصة "تسليم جيد"، وهيمنة تداول خارج البورصات تقارب 90٪. ومن يختار شانغهاي اليوم يقبل سيولة أقل في مقابل سيادة أكبر.
تستفيد العواصم "الجنوبية" من السيادة على الأصول ومساحة المناورة، حيث ترى الدول التي تخشى العقوبات في الحراسة الصينية تأمينًا سياديًا لأصل لا يمكن إقفال حسابه بقرار سياسي. إضافة إلى ذلك، شراكات أعمق مع بكين، وربط ذكي بمبادرات الحزام والطريق، وربما شروط تمويل وتجارة أكثر مرونة.
المعادلة واضحة: الابتعاد عن الدولار مقابل بعض التنازل عن سيولة لندن. ومن يحتط بالذهب لا يطارد الثانية بالدقيقة، بل يطارد الهامش الاستراتيجي.
تبقى المخاطر قائمة: القانون والسيولة والتوقيت. فالقلق مشروع بشأن كيفية حماية الأصول الأجنبية قانونيًا داخل الصين، وسهولة التسييل في حالات الطوارئ، وكيف سيقرأ الحلفاء الغربيون هذه الخطوة. وتجيب الصين ببنية تنظيمية، وتاريخ تشغيل ينمو بسرعة، ومنصة دولية خُصصت للأجانب. لكن الامتحان الحقيقي سيأتي عند أول أزمة، حيث تُقاس الحراسة بالأفعال لا بنشرات التعريف.
كل سبيكة تُودع رسميًا في شانغهاي تعني طلبًا رسميًا إضافيًا وعرضًا منجميًا بطيء الاستجابة. وفي العامين الماضيين، كانت مشتريات البنوك المركزية محرك الاتجاه الصاعد. ومع تضخم عالمي "عنيد"، تغذيه موجة حمائية وتعريفات، تبقى بيئة الذهب داعمة.
تاريخيًا، انخفاض الفائدة الأميركية، إن اتسع، يعزز الذهب عبر قناتين: تكلفة فرصة أدنى، وضعف دولار نسبي. وإن تشددت الفائدة لكبح جماح التضخم، يبقى الذهب درع التقلبات في محافظ البنوك المركزية. وفي الحالتين، القصة واحدة: الطلب الرسمي البنيوي.
لندن تملك ما لا يُشترى: سابقة قرون وبحر سيولة. لكن المنافس لا يكل: منصات، مصاف، خزائن، وقانون محلي يتسع للأجانب. وإذا اجتذبت شانغهاي مجموعة أولى من دول جنوب شرقي آسيا، كما تُلمح السوق، ستنشأ كتلة ذهبية شرقًا تُجبر النظام القديم على التعايش مع مركز حراسة ثانٍ.
قد تتراجع حصة الدولار في احتياطيات العالم، إذ إن البنوك المركزية تمتلك ذهبًا أكثر من السندات الأميركية للمرة الأولى من ثلاثين عامًا. وذهب أكثر في المحافظ يعني أقرب إلى تعدد الأقطاب. ويكفي تحول المزيد من سندات الخزانة إلى الذهب لتحريك الأسعار درجات عليا.
لا أحد يزعم انقلابًا فوريًا. لكن التراكم الهادئ يصنع الفارق: سبيكة بعد أخرى، علاقة بعد أخرى، تُبنى شبكة موازية تُغير قواعد اللعب. ويبدو أننا أمام مسار طويل، يرسخ تعدد الأقطاب بكل هدوء.
رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار