الثلاثاء, 23 سبتمبر 2025 02:14 PM

ذكرى "الإثنين الأسود": يوم دامٍ في ذاكرة لبنان

ذكرى "الإثنين الأسود": يوم دامٍ في ذاكرة لبنان

في مثل هذا اليوم من العام الماضي، اندلعت الحرب الكبرى في لبنان، حيث شنّ العدو الإسرائيلي، دون سابق إنذار، سلسلة غارات عنيفة على مناطق الجنوب والبقاع. أسفرت هذه الغارات عن استشهاد 558 شخصًا، من بينهم 50 طفلاً و94 امرأة، بالإضافة إلى إصابة 1800 شخص، غالبيتهم من المدنيين.

يصف قاسم سلطان، المسؤول عن مركز الخيام الإقليمي في الدفاع المدني التابع للهيئة الصحية الإسلامية، ذلك اليوم قائلاً: "الإثنين الأسود فاق التوقعات. كان المشهد مربكاً وأكبر من قدرتنا على استيعابه".

بدأ القصف في تمام الساعة العاشرة والنصف صباحًا، وكان كثيفًا للغاية. تم تسجيل 1600 غارة، تفصل بين الواحدة والأخرى لحظات قليلة. ويضيف سلطان: "اضطررنا إلى عدم انتظار التعليمات وصرنا نعتمد على ملاحقة مصدر الصوت للإغاثة". كان المسعفون في طريقهم إلى موقع استهداف، ليصطدموا بغارة أخرى، وجثث ممدّدة وجرحى يستغيثون.

بعد هذه الأحداث المروعة، واجه الجنوبيون رحلة نزوح قاسية.

في غضون ساعات، أُفرغت القرى من سكانها الذين غادروا على عجل. يتذكر غبريال زلغوط، المسعف في مركز النبطية الإقليمي في الهيئة الصحية، بعض الأشياء التي أصرّ الناجون على "إنقاذها" أثناء إخراجهم من دائرة الخطر. من بين هذه الأشياء جثة فتاة رفض والدها تركها تحت الأنقاض فحملها معه، و"دواء لرضيع يعاني من مرض مزمن، أصرّت والدته على العودة إلى المنزل الذي كان في دائرة القصف لإحضاره، لأنني لا أريد أن يموت ابني في الطريق إذا لم يأخذ الدواء في وقته". وفي حيّ المسلخ في النبطية، بكت فتاة بشدّة أمام منزلها المدمّر، طالبةً السماح لها بالبحث بين الركام عن صورة لوالدها المتوفّى كانت معلّقة على الحائط وعن عباءته وحذائه.

غالبية الشهداء في ذلك اليوم قضوا في منازلهم، حيث باغتهم القصف ولم يكن أمامهم وقت للمغادرة أو أنهم لم يريدوا ذلك، مثل "سيدة وابنتها وجدناهما في منزلهما في زوطر الغربية، جثتين تحتضنان بعضهما، ومسنّ وزوجه كانا على شرفة منزلهما في النبطية الفوقا، وقذف بهما عصف القصف مسافة 70 متراً".

في المقابل، هناك من هربوا من الموت بأعجوبة، كما حصل مع سبعينية علقت في منزلها بين كفرتبنيت وأرنون. يقول زلغوط: "عندما وصلنا إليها كانت النيران تلتهم المنزل. تتبّعنا صوت أنين، فوجدناها تجلس في إحدى الزوايا. عندما رأتنا لم تصدّق عينيها، قفزت باتجاهنا، وراحت تقبّل أيدينا". وفي واقعة أخرى، "وصلتنا معلومات عن شخصين عالقين في أحد المنازل. كان أحدهما قد استشهد والثاني جريحاً فاقداً للوعي. تأكّدت من أنه لم يكن هناك أحد آخر في الداخل. بعد الإسعافات الأولية، استيقظ الجريح فجأة وصرخ: هناك شاب في الداخل. وبالفعل وجدناه حيّاً في إحدى زوايا المنزل".

بعد هذه الأهوال، كانت تنتظر الناجين رحلة عذاب ثانية في طريق النزوح من الجنوب. عشرات الآلاف خرجوا بحال هستيرية، في سيارات أقلّت ضعف قدراتها على الاستيعاب، وعلقت في رحلة استغرقت أكثر من 12 ساعة للوصول إلى بيروت. كانت الطريق محفوفة بالمخاطر، خسر البعض أرواحهم هناك، مثل الشهيد الشيخ طليع زين الدين، الذي استهدفت غارة سيارته على طريق معركة بينما كان مع عائلته، ولم يعثر لهم على أثر حتى وقف إطلاق النار، عندما عثر على جثث عدد منهم.

مشاركة المقال: