الثلاثاء, 23 سبتمبر 2025 12:30 AM

قانون ضريبة الدخل الجديد في سوريا: هل يدعم المشاريع الصغيرة أم يزيد الأعباء؟

قانون ضريبة الدخل الجديد في سوريا: هل يدعم المشاريع الصغيرة أم يزيد الأعباء؟

يثير مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد في سوريا جدلاً واسعاً، حيث تتضارب الآراء بين من يرون فيه فرصة لتحويل وزارة المالية إلى شريك في التنمية، وبين من يخشون من أن يؤدي إلى زيادة الأعباء على المشاريع الصغيرة والقطاعات الإنتاجية.

الخبير الاقتصادي والوزير السابق في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، صرح لمنصة "سوريا 24" بأن الهدف الأساسي من التعديلات الضريبية الجديدة هو تحقيق العدالة بين المكلفين وتعزيز الشفافية في السوق، مع مراعاة خصوصية بعض القطاعات الحيوية. من جهته، أكد الدكتور معروف الخلف، مدير البحوث الاستراتيجية في جامعة دمشق، على أهمية ملف الضرائب في المرحلة الاقتصادية الحالية، وتأثيره المباشر على إعادة التوازن المالي ودعم عملية التعافي.

تصريحات رسمية ومؤشرات إصلاح

تأتي هذه التصريحات في أعقاب إعلان وزير المالية، محمد يسر برنية، عن إنجاز مشروع قانون جديد للضريبة على الدخل، ووصفه بأنه "أهم مفاصل الإصلاح الضريبي في وزارة المالية". وأكد أن القانون يهدف إلى تحويل الوزارة من "وزارة جباية وقهر إلى وزارة تنمية وبناء وشراكة"، من خلال تقديم حزمة واسعة من الإعفاءات لتحفيز التنمية الاقتصادية وتيسير التجارة وتشجيع الاستثمار.

الانتقال من الشركات العائلية إلى المساهمة

أوضح المصري أن القانون يتضمن إعادة تقييم أوضاع الشركات ونقلها من الطابع العائلي المغلق إلى صيغة الشركات المساهمة، مما يتيح لها دخول السوق المالي ويشجع على الاستثمار وتوسيع قاعدة المساهمين. كما أشار إلى أن المادتين السابعة والتاسعة من المشروع تحظيان باهتمام خاص، لأنهما تعالجان آليات التقدير الضريبي، سواء على أساس الدخل الظاهر المباشر أو عبر المقايسة ومقارنة الحسابات بين المؤسسات.

وبيّن أن النظام المقترح يعتمد الضريبة التصاعدية، بنسب مقبولة وعادلة، مع وجود حد أدنى معفى يُقدر بستين مليون ليرة سنويًا. وأكد أن الإعفاءات تشمل قطاعات أساسية مثل الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، إضافة إلى التعاونيات والأنشطة ذات البعد الاجتماعي.

الإعفاءات الضريبية تدعم المشاريع المنتجة

يتفق الخلف مع هذا الطرح، موضحًا أن الضرائب يجب أن تركز على الأرباح وعناصر الإنتاج (الأرض، رأس المال، العمل، وريادة الأعمال)، لا على المستهلكين مباشرة، بحيث تتحمل المشاريع وأصحاب رؤوس الأموال العبء الأساسي، بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الاقتصادية وظروف السوق المحلية. وأشار إلى أن الإعفاءات الضريبية جزء من منظومة متكاملة تهدف إلى دعم المشاريع المنتجة وتخفيف العبء عن القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة والقضاء.

معالجة الازدواج الضريبي وتشجيع المساهمات

أضاف المصري أن القانون يعالج الازدواج الضريبي على توزيعات الأرباح في الشركات المساهمة، بحيث لا يُثقل كاهل المستثمر مرتين. ولفت إلى دور المسؤولية الاجتماعية للشركات، معتبراً أن القانون الجديد يشجع على المساهمات المجتمعية والتبرعات والأنشطة الخيرية، بما يعزز ثقة المجتمع بالقطاع الخاص.

عدالة الإيرادات والضرائب المباشرة

شدد الخلف على أن تحديد الإيرادات الضريبية يجب أن ينطلق من أولويات الإنفاق، مع التركيز على الضرائب المباشرة. وأكد أن الاعتماد على الضرائب غير المباشرة يظل خيارًا غير عادل وضعيف الأثر، إذ لا يراعي الفوارق الاجتماعية ويزيد من أعباء الفئات محدودة الدخل.

الشفافية ومكافحة التهرب الضريبي

أشار المصري إلى أن القانون يفرض على الشركات الاحتفاظ بحساباتها لفترة لا تقل عن أربع سنوات، مع منحها فرصة لتصحيح بياناتها خلال مهلة محددة من دون غرامات، على أن تُطبق العقوبات بصرامة في حالات التأخير المتكرر أو التلاعب الواضح. واعتبر أن هذه الإصلاحات تمثل خطوة إيجابية نحو ترسيخ العدالة الضريبية، مكافحة التهرب، وتحفيز الاستثمار، مع إعطاء أولوية لدعم القطاعات الإنتاجية.

أما الخلف، فأكد أن أي سياسة ضريبية يجب أن تراعي ظرف التعافي الاقتصادي، بحيث توازن بين حاجة الدولة إلى الإيرادات وبين ضرورة تشجيع النمو ودعم النشاط الاقتصادي، مشددًا على أن الإصلاح الضريبي في سوريا يجب أن يتجه أكثر نحو الضرائب المباشرة على الأرباح، مع ضبط الإعفاءات وضمان عدالة التحصيل، بما يحقق التوازن بين الإيرادات العامة وأولويات المجتمع في مجالات الصحة والتعليم والقضاء.

مناخات ضريبية متعددة في العالم

تُظهر التجارب العالمية أن لكل دولة نموذجًا ضريبيًا ينسجم مع أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية. ففي أوروبا، تقوم النظم الضريبية على التصاعدية العالية لإعادة توزيع الدخل وتمويل شبكات الرعاية، بينما تميل الولايات المتحدة إلى نموذج مرن يمنح حوافز واسعة للشركات ويُبقي نسب الضريبة أقل. أما في كثير من الدول النامية، فيُعتمد بشكل أكبر على الضرائب غير المباشرة، كضريبة القيمة المضافة، وهو ما يُنتقد كونه يُحمل الفئات محدودة الدخل العبء الأكبر.

وبحسب الخبير عبد الحكيم المصري، فإن العدالة الضريبية في سوريا لن تتحقق إلا عبر نظام تصاعدي واضح يوازن بين الإيرادات وتشجيع الاستثمار، مع إعفاء قطاعات الإنتاج والزراعة. في حين يشدد الدكتور معروف الخلف على أن النموذج الأمثل لسوريا هو الذي يُركز على الأرباح وعناصر الإنتاج، لا على المستهلكين، بحيث تتحمل المشاريع ورؤوس الأموال العبء الأكبر، في انسجام مع ظروف التعافي الاقتصادي.

نظام ضريبي سوري متوازن

وبذلك، يرى الخبراء أن سوريا تحتاج إلى مزيج يجمع بين التصاعدية الأوروبية والمرونة الأمريكية، لكن مع تجنب النموذج النامي المعتمد على الضرائب غير المباشرة، لما يسببه من ظلم اجتماعي. أي أن النظام الضريبي الأنسب لسوريا هو الذي يُعيد توزيع الدخل بعدالة، ويمنح في الوقت نفسه حوافز للاستثمار في القطاعات الإنتاجية.

مشاركة المقال: