كشف المعهد الأمريكي لدراسات الحرب (ISW) عن خريطة تفصيلية على موقعه الإلكتروني، تعرض مقترحًا لتقسيم المنطقة الجنوبية في سوريا، وذلك في سياق الترتيبات الأمنية المستقبلية على الحدود مع إسرائيل.
تُظهر الخريطة تقسيم المنطقة إلى ثلاث دوائر جغرافية وأمنية:
- المنطقة الأولى: توسيع المنطقة العازلة الحالية بين إسرائيل ومحافظة القنيطرة بمقدار كيلومترين داخل الأراضي السورية، لتعزيز الفصل بين القوات.
- المنطقة الثانية: تقع مباشرة بعد المنطقة العازلة وقريبة من الحدود الإسرائيلية، حيث يُمنع انتشار القوات العسكرية السورية أو الأسلحة الثقيلة، بينما يُسمح لجهاز الأمن العام السوري والشرطة بالدخول والعمل فيها.
- المنطقة الثالثة: تمتد من المنطقة الثانية حتى دمشق، وتُصنف كمنطقة حظر جوي، مع عدم وضوح القيود المفروضة على انتشار القوات العسكرية والأسلحة الثقيلة.
يأتي نشر هذه الخريطة في ظل نقاشات مكثفة حول مستقبل الترتيبات الأمنية في سوريا، خاصةً على الجبهة الجنوبية الحساسة لإسرائيل. وقد أثارت الخريطة جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية، حيث اعتبرها البعض مؤشراً على توجهات دولية جديدة لإعادة رسم التوازنات الأمنية في المنطقة.
يذكر أن معهد دراسات الحرب هو مؤسسة بحثية أمريكية مستقلة وغير ربحية، تهدف إلى تعزيز فهم أعمق للشؤون العسكرية من خلال الأبحاث والتحليلات، وتطوير برامج تعليمية مبتكرة.
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن تقديم إسرائيل مقترحاً مفصلاً للحكومة السورية الجديدة، يتضمن اتفاقاً أمنياً يعيد تحديد ترتيبات نزع السلاح وانتشار القوات في المنطقة الممتدة من جنوب غرب دمشق وحتى الحدود مع الجولان المحتل. ولم يصدر رد رسمي من دمشق حتى الآن، بينما التقى وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الأربعاء الماضي في لندن، بحضور المبعوث الأمريكي توم باراك، في الجولة الثالثة من المحادثات برعاية أمريكية.
يهدف المقترح الإسرائيلي إلى استبدال اتفاق فصل القوات الموقّع عام 1974، الذي أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو انهياره عقب سقوط حكم بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتقوم الخطة على تقسيم المنطقة إلى ثلاث دوائر أمنية، مع تحديد طبيعة القوات وحجم الأسلحة المسموح بانتشارها في كل منها.
أبرز البنود المقترحة:
- تقسيم جنوب غرب دمشق إلى ثلاث مناطق تحدد طبيعة القوات وأعدادها.
- توسيع المنطقة العازلة بمسافة كيلومترين داخل الأراضي السورية، مع منع انتشار الجيش والسلاح الثقيل، والسماح فقط بوجود قوات الشرطة.
- إعلان حظر جوي شامل أمام الطيران السوري على طول المنطقة حتى الحدود مع إسرائيل.
- الحفاظ على “ممر جوي” يسمح لإسرائيل بتنفيذ ضربات مستقبلية ضد أهداف إيرانية إذا اقتضت الحاجة.
- انسحاب إسرائيلي تدريجي من الأراضي السورية المحتلة، مع استثناء جبل الشيخ من الانسحاب.
على الرغم من التقدم النسبي، أشارت القناة 12 الإسرائيلية إلى أن التوصل إلى اتفاق نهائي يتطلب مزيداً من التفاهمات، خاصةً في ظل التوتر المستمر مع الحكومة السورية الجديدة، الذي تصاعد بعد القصف الإسرائيلي الذي استهدف دمشق في يوليو/تموز الماضي. وتتضمن الخطة أيضاً تعهد إسرائيل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية والاعتراف بحكومة الرئيس أحمد الشرع، إضافة إلى إبعاد السلاح الثقيل عن الحدود وإعادة ترسيم حدود منطقة العزل بين الطرفين.
وبحسب صحيفة “إندبندنت عربية”، توصل الجانبان إلى تفاهمات حول أكثر من 95 بالمئة من بنود الاتفاق، مع رغبة في توقيع الوثيقة رسمياً في 25 سبتمبر/أيلول، خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. غير أن خياراً آخر مطروحاً يقضي بعقد مراسم التوقيع في 29 سبتمبر/أيلول في البيت الأبيض، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس السوري أحمد الشرع، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفقاً للصحيفة.
تبقى العقبة الأساسية هي تردد الشرع في لقاء نتنياهو علناً بسبب استمرار الحرب في غزة، بينما تواصل الولايات المتحدة ممارسة ضغوط مكثفة لدفعه نحو إتمام الخطوة. ويرجّح أن يسعى ترامب إلى الإعلان عن الاتفاق شخصياً في حفل رسمي في واشنطن، بما يتيح له تسجيل إنجاز دبلوماسي بارز مع نهاية الشهر الجاري.
يقول البروفيسور إيال زيسر، الخبير في الشؤون السورية ونائب رئيس جامعة تل أبيب لبي بي سي، إن المقترح الأمني المطروح بين إسرائيل وسوريا ليس مجرد مبادرة سياسية، بل خطوة تعكس “توجهاً أمريكياً واضحاً” نحو إعادة صياغة العلاقات مع النظام السوري الجديد. وأوضح زيسر أن المخاطر على إسرائيل – في حال رفضت سوريا المقترح أو لم تلتزم به – ليست كبيرة، مضيفاً أن “المشكلة ليست في الجانب السوري، بل في كيفية تعاطي إسرائيل. فسوريا بعد سنوات الحرب ليست في وضع يمكّنها من خوض مواجهات عسكرية واسعة، بل على العكس، هي تبحث عن اتفاق يخدم مصالحها في ظل غياب جيش قوي”.
وبشأن مستوى التوتر القائم بين الجانبين، شدد زيسر على أنه لا يمكن وصفه بتوتر شامل، بل هو استمرار لعمليات إسرائيلية متفرقة. لكنه أشار إلى أن هذه التطورات لا تعيق فرص التوصل إلى اتفاق، لأن الحكومة السورية نفسها تعلن حاجتها إلى تفاهم أمني مع إسرائيل. وعن إمكانية تقديم سوريا تنازلات في ملف جبل الشيخ أو الأراضي السورية، رأى زيسر أن أي اتفاق يجب أن يعالج كل الملفات المرتبطة بالجنوب السوري، بما في ذلك الوضع في القنيطرة والسويداء، والاتهامات المتكررة بوجود دعم إسرائيلي لمسلحين في تلك المناطق. وأضاف أن “الاتفاق يجب أن يكون شاملاً ليعالج جميع هذه القضايا، وهذا جوهره الحقيقي”.
أما عن تأثير الاتفاق على الاستقرار الإقليمي، فأكد زيسر أن التوصل إليه سيمثل خطوة أساسية نحو تهدئة الأوضاع على طول الحدود وحتى داخل سوريا نفسها. لكنه شدد على أن المحرك الأساسي لهذا المسار هو الإرادة الأمريكية، قائلاً: “الولايات المتحدة اتخذت قراراً واضحاً بالتعامل مع النظام السوري الجديد، وإسرائيل لا تستطيع الوقوف في وجه هذا القرار، بل ستضطر إلى التكيف معه”.
وفيما يتعلق بإمكانية فشل المحادثات أو تأجيلها، اعتبر زيسر أن الاجتماعات مستمرة، وقد يتأخر الاتفاق أسبوعاً أو أسبوعين، لكنه في النهاية أمر حتمي بدفع أمريكي. ولم يستبعد احتمال ظهور مشهد يجمع نتنياهو مع الشرع في حال قررت الولايات المتحدة المضي بهذا الاتجاه، مشيراً إلى أن الأمر في نهاية المطاف مرهون بترامب. وأكد زيسر أن الاتفاق الأمني المقترح يهدف بالأساس إلى احتواء الفوضى في سوريا وتحويلها إلى عنصر استقرار بما يخدم مصالح جميع الأطراف.
(BBC)