يشهد موسم جني القطن في مدينتي رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا تأخيراً ملحوظاً، وذلك بسبب الخلافات المستمرة بين المزارعين والعمال حول أجور الحصاد.
يعود سبب هذا التأخير إلى عدم رضا العمال بالمبالغ المحددة لأجرة الطن الواحد من القطن، والتي تم تحديدها بموجب تعميمات صادرة عن المجالس المحلية في المدينتين.
ووفقًا لرصد "عنب بلدي"، تتراوح أجرة جني القطن بين 60 دولارًا للطن الواحد إذا كان سعره 600 دولار، وتزداد تدريجيًا لتصل إلى 70 دولارًا إذا كان سعر الطن 700 دولار، و80 دولارًا إذا وصل سعره إلى 800 دولار، مع استمرار الأسعار بالتصاعد بنفس النسبة.
يؤكد المزارعون والعمال على وجود خلاف سنوي حول أجور جني القطن، حيث يتم الاتفاق على المبلغ بين صاحب الأرض ومسؤول الورشة. ويتطلب جمع الطن الواحد من القطن ما بين أربعة إلى خمسة عمال خلال فترة تصل إلى خمسة أيام.
حميد العرادي، وهو عامل من مدينة تل أبيض يشارك في جني القطن كل عام، أوضح أن الأجرة الجديدة المحددة لا تتناسب مع المجهود البدني الكبير الذي يبذله العمال.
وأضاف حميد لـ"عنب بلدي" أن هذا المبلغ يعتبر منخفضًا جدًا مقارنة بما يحصل عليه العمال عادةً، مما يجعلهم يشعرون بالضغط والتعب دون تقدير كافٍ لجهودهم. وأشار إلى أن جمع الطن الواحد من القطن يتطلب تضافر جهود أربعة إلى خمسة عمال على مدى أيام متواصلة، وهو ما يزيد من شعورهم بالظلم بسبب الأجور المتدنية.
وأعلن حميد عن قراره بعدم العمل في جني القطن هذا العام، مفضلاً العمل على دراجته النارية في نقل البضائع، لما فيه من توفير أكبر للجهد.
من جهتها، اعتبرت دعاء السلوم أن العمل بهذه الأجور في مدينة رأس العين يشكل "استغلالًا" للعمال، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وعدم استقرار العملة السورية. وأضافت أن ما تجنيه هي وبناتها الثلاث اللاتي يعملن في جني القطن يوميًا بهذه الأسعار لا يكفي حتى لتغطية المصروف اليومي. وأكدت دعاء أن جني القطن بأقل من 100 دولار للطن يصل إلى "حد التجويع"، وأنها وبناتها لن يعملن هذا العام إلا إذا تم تحديد أجرة الطن بـ100 دولار لتغطية احتياجاتهن.
وفي سياق متصل، هددت "دودة اللوز" المعروفة بـ"دودة القطن" محصول القطن في رأس العين وتل أبيض هذا العام، وأثرت بشكل متفاوت في المحاصيل، حيث وصلت نسبة الضرر في بعض الأراضي إلى 40%. وتتغذى هذه الحشرة الصغيرة على أوراق وثمار القطن، ما يؤثر على نموها وجودتها، ويرجع انتشارها إلى تقلبات الطقس التي وفرت بيئة مثالية لتكاثرها.
اشتكى مزارعون في مدينتي رأس العين وتل أبيض من التكاليف المرتفعة وأمراض الأقطان، حيث أدت إصابة المحصول بدودة القطن إلى تلف جزء منه، ما أجبرهم على تحديد تسعيرة لجني القطن تتناسب مع التكاليف التي تكبدوها.
المتحدث باسم المزارعين في تل أبيض، عمران قريط، قال لـ"عنب بلدي" إنهم حددوا أجور جني القطن وفق أسعار المحصول في السوق، بالتشاور مع المجالس المحلية في تل أبيض ورأس العين. وأوضح أن ما يقارب 40% من المحصول تعرض لضرر شديد بسبب الدودة، ما أثر على جودة الإنتاج وحجمه، وزاد من صعوبة تحقيق أجور مرتفعة للعمال هذا الموسم. وأضاف أنهم هذا العام وضعوا تسعيرة لجني القطن بما يتناسب مع سعر المحصول في السوق، بحيث ترتفع التسعيرة تلقائيًا مع أي زيادة في سعر القطن، لضمان أن يحصل العمال على أجر عادل يعكس تكلفة الجهد الذي يبذلونه في جني المحصول.
وأشار إلى أن زراعة القطن تتطلب مصاريف كبيرة تشمل تكاليف الزراعة والأسمدة ومكافحة الآفات، إضافة إلى قلة الدعم، ما يجعل من الصعب دفع أجور مرتفعة لجني المحصول.
من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم المجلس المحلي في رأس العين، زياد ملكي، لـ"عنب بلدي" إنه في العام الحالي تم تحديد تسعيرة جني القطن بالتشاور بين مجلسي تل أبيض ورأس العين، لضمان حق العامل وحماية مصالح المزارعين. وأوضح أن التسعيرة تم اعتمادها وفق الأسعار السائدة في السوق المحلية، بما يحقق العدالة للعمال ويضمن للمزارعين عائدًا مناسبًا يغطي تكاليفهم. وأضاف أن غياب التسعيرة الرسمية في السنوات السابقة كان يسبب خلافات دائمة بين المزارعين والعمال، ما يؤثر على سير العمل والإنتاجية. وأشار إلى أن الهدف من تحديد التسعيرة الرسمية هذا العام هو الحد من النزاعات وتحقيق توازن واضح بين حقوق العمال والمزارعين، وضمان سير موسم القطن بسلاسة وكفاءة.
وأكثر ما يؤرق قطاع الزراعة في رأس العين وجارتها تل أبيض هو التصحّر الذي ضرب مئات آلاف الدونمات، إلى جانب أراضٍ طالتها تكهفات وانهيارات أخرجتها عن الخدمة، وعززتها عوامل اقتصادية من ارتفاع تكاليف الاستصلاح واستخراج المياه، وعوامل بشرية من استنزاف للمياه الجوفية وتقصير الجهات المسؤولة، وعدم اهتمامها بالتربة والفلاح والمحصول.
تقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتسيطر عليهما الحكومة السورية، بينما تحيط بهما جبهات القتال مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إذ يعتبر منفذها الوحيد نحو الخارج هو الحدود التركية.