في مسيرة شعرية بدأت مع "صلاة المطر" عام 1999، استمر الشاعر سامي أحمد في تقديم نصوص شعرية قصيرة ومكثفة على مدى عقدين، ضمن أكثر من ست مجموعات شعرية. تتميز هذه النصوص بشحنة عاطفية ووجودية قوية، وتعبر عن رؤية قاتمة لواقع مليء بالاغتراب والخيانة والفقد والعبثية.
يستخدم سامي أحمد لغة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة الدلالة، ليخلق عالماً شعرياً فريداً يعكس هموم الإنسان في زمن مضطرب. النصوص المختارة، وعددها 12 نصاً، تحمل عمقاً فلسفياً وإنسانياً يعبر عن واقع ثقيل ومتشعب، مما أدى إلى تأملات في الحياة والموت، الحب والوحدة، الحقيقة والزيف.
يُفعم الشاعر نصوصه بصور شعرية مكثفة ورمزية مثل "شربت دمعاً حتى بكيت" و "في هذه المدينة، مهما مشيت إلى الأمام فإن الوراء يتقدمك" و "ألوك أحلامي ببطء قبل أن أبصقها". تكرار عبارات مثل "على السكة.." و "بتوقيت.." يمنح النصوص إيقاعاً داخلياً ينقل إحساس الزمن الثقيل والمواقف المتداخلة.
استعارات مثل "العالم الخائن" و "لون الزجاج الذي يُنظر من خلاله" تعكس تعدد الرؤى وتشير إلى نسبية الحقيقة والواقع. وتشبيه الانتحار بأنه "صفة مزدوجة للموت" يضفي على الموضوع جدلية معقدة في فهم الموت والعيش.
على الرغم من أن النصوص لا تلتزم بالقافية التقليدية، إلا أن هناك إيقاعاً نثرياً شاعرياً يلتف حول التكرار والعبارات المختصرة والحوار الداخلي. استخدام تكرار العبارات التي تبدأ بـ "على السكة.." أو "بتوقيت.." ينتج بنية شعورية تعكس ثباتاً وتكراراً مادياً ومعنوياً.
معظم النصوص ذات طابع سردي تأملي، وتبرز موقفاً نفسياً وعاطفياً للشاعر تجاه موضوعات مثل الوحدة والفقد والعبث والحب. الأسلوب مقتضب، لا يعتمد على الوصف التفصيلي بل على الإيحاء المكثف. هناك لعب لغوي يخلق تناقضاً فلسفياً يدفع القارئ للتفكير، مثل "دائماً أشتري أشياء لا تباع، وأبيع أشياء لا تُشترى".
استخدام كلمات تحمل أكثر من دلالة في الوقت نفسه، مثل "الرحى" و "السباحة في السبع بحرات" و "مصرف سوريا المركزي"، يضفي أبعاداً ثقافية وسياسية. تظهر فكرة الوحدة واضحة، مثل قوله "بفضلكم جميعاً صرت وحيداً"، وهذا يتكرر في كل النصوص عبر شعور بالعزلة النفسية. فكرة أن الزمن لا يمضي كما نتوقع، بل الوراء يتقدمك، تعبر عن حالة من التشتت والضياع. التأكيد على أن الواقع غريب "إلى هذا الحدّ وصلت غربتنا أيُّها الواقع؟" يدل على شعور بالاغتراب الوجودي.
الحزن والقلق تجاه الوجود والمصير البشري، مع توظيف الانتحار والموت كموضوعات محورية، يساعد في فهم معاناة الإنسان. تناقش النصوص نسبية الحقيقة، حيث لا وجود للحقيقة المطلقة، بل تعتمد على "لون الزجاج الذي يُنظر من خلاله". يبدو الحب في النص مرتبطاً بالألم والحنين، ولكنه أيضاً يحمل رائحة الحياة "رائحة الحبق".
يستخدم الشاعر سامي أحمد لغة شعرية غنية بالصور والتكرار لتوصيل إحساس بالاغتراب والضياع في عالم متناقض ومتغير. يمزج أسلوبه بين التأمل الفلسفي والوجداني، مع توظيف مكثف للرموز والتشابيه التي تعبر عن قضايا الإنسان العربي في زمن الصراعات والخيبات.
من تداعيات السكة نفسها، تقدم النصوص قراءة عميقة للذات وللوجود، وتدفع القارئ للتفكير في معاني الحياة والهوية والحقيقة من زاوية شاعرية وشخصية. يتحدث سامي أحمد من هامش مشبع بالتجربة اليومية والمعاناة والمراقبة الدقيقة، وهذا ما يميزه في ديوان الشعر السوري. في بيئة تشهد تكلساً لغوياً أو تجريداً مفرطاً، يستخدم لغة بسيطة لكن مشحونة بالأسى والرمز، ما يجعله أقرب إلى الشارع والمقهى والبيت.
هذه الكتابة تقاوم كل أشكال الرقابة والكبت ومختلف القوالب الجمالية المتكررة. يكتب من خندق الألم السوري، كتابة متماسكة شعرياً وأكثر تجريبية في البنية حيناً، وطوراً يبدو أكثر تفككاً – عمداً – كأنه يعكس التفكك النفسي والاجتماعي الداخلي في صيغة شعرية لا تهدف إلى الاكتمال.
غالباً ما نشعر بأن سامي أحمد يكتب عن المنفى والهوية، ولكن ليس من خارج الحدود بل من داخلها، وهنا تكون أكثر حدة وحرقة. من هنا نجد تركيزه على يوميات الإنسان العادي (ناشر، عامل، عاشق، مفجوع..). نجد في النصوص صدى حقيقياً لحياته: "أشياء لا تُشترى، ولا تُباع"، "بتوقيت الرحى"، "سكة الحجاز" حيث تخاطب النصوص السورية من مكان معيشته، ولا تنظر عليه ولا تقدم شعارات، بل تصوغ قلقه بلغة مألوفة لكن مشرّعة على الشعر.
في هذه النصوص، يستخدم الشاعر "توقيتات" غير متوقعة: (مصرف سوريا المركزي، سكة الحجاز، السباحة في السبع بحرات) هذا نوع من تفكيك التاريخ الرسمي والمكان السياسي. يعيد ترتيب الجغرافيا السورية لتكون خريطة وجدانية، لا خرائط السلطة الرسمية ولا الحرب. في نصه "من يوميات ناشر لا تنتهي"، يضع اليومي في قلب الشعر. في هذه النزعة إلى "تفجير اليومي" بالشعر توازي ما قام به شعراء مثل محمد الماغوط في زمنهم، لكن بنبرة أكثر وجعاً وأقل سخرية. وذلك بثيمات مركزية تتكرر: الغربة، الزمن، الفقد، الزيف، الشك. الأسلوب متسق: لغة نثرية مكثفة، صور غير مكتملة، تكرار زمني/مكاني. الاستعارات تحمل دلالة رمزية متراكبة: من الحبق، إلى الرحى، إلى المئذنة التي تصبح جرساً.
هذا الشعر يمثل تياراً جديداً في الشعر السوري المعاصر منذ ربع قرن، يدمج اليومي بالشعري، والخاص بالعام، والسياسي بالوجودي، من دون أن يتحول إلى خطاب مباشر أو شعاراتي. هو جزء من تحوّل ثقافي كامل في سوريا، حيث بات الشعر وسيلة للتنفس بعد أن ضاقت اللغة في التعبير، ومن هنا كانت هذه المواربة الشعرية المدهشة.