كشف تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" بعنوان "هل سيغضب يوماً ما بما يكفي ليفعل شيئاً حيال ذلك؟" عن جوانب من العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفقاً للصحيفة، فإن ترامب قد أبلغ مساعديه في الأسابيع الأخيرة أن نتنياهو يفضل استخدام القوة العسكرية لإجبار حماس على الاستسلام، بدلاً من التوصل إلى وقف إطلاق نار تفاوضي، وهو الأسلوب الذي يفضله ترامب. وذكرت الصحيفة أن إحباط ترامب وصل إلى ذروته بعد ساعات من الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف مفاوضي حماس في الدوحة، واعتبر أن هذه العملية تهدد بعرقلة محادثات السلام الهشة.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين قولهم إنهم سمعوا ترامب يقول عن نتنياهو: "إنه يعبث بي"، وأشاروا إلى أن ترامب كان يتحدث مع كبار مساعديه، بمن فيهم وزير الخارجية ماركو روبيو، حول كيفية الرد على ما وصفه بـ "الضربات الوقحة".
ترى الصحيفة الأميركية أن مشاعر ترامب المتوترة تجاه نتنياهو قد أثارت حيرة واشنطن في بعض الأحيان. والسؤال المطروح هو: لماذا يسمح ترامب، الذي يفضل الهيمنة في العلاقات، لنتنياهو بالعمل في تحد مباشر لرغباته؟
شالوم ليبنر، الذي خدم 7 رؤساء وزراء إسرائيليين على مدى ربع قرن ويعمل الآن في المجلس الأطلسي، يرى أن الأمر محير ويخالف البديهة. وأضاف ليبنر أن تحركات نتنياهو أدت إلى إطالة أمد حرب غزة، وتسببت في مشاكل لترامب مع حلفاء أميركيين آخرين في المنطقة، وجعلت توسيع اتفاقيات إبراهيم أمراً بالغ الصعوبة.
في وقت سابق، استخدم ترامب لغة قاسية ضد نتنياهو، خاصة بعد تهنئة الأخير لجو بايدن على فوزه الرئاسي عام 2020، حيث وصفه بـ "الخائن". ومع ذلك، لم تثنِ انتقادات ترامب نتنياهو أو تضعفه. ويقول إيتامار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة خلال إدارة كلينتون: "أنا مُتحير، وكذلك كثير من الإسرائيليين الآخرين. إنه مُحاصر ويرتكب أخطاء. والشيء الوحيد الذي يُفيده حقا هو دعم ترامب".
لم يتحول غضب ترامب إلى ضغط علني، حيث رفض الاستفادة من الدعم العسكري والسياسي الأميركي لإسرائيل، بالإضافة إلى علاقته الشخصية الوثيقة بنتنياهو. بل اختار الوقوف مكتوف الأيدي بينما تشن إسرائيل هجوماً واسعاً على غزة، وتتلاشى احتمالات اتفاق السلام الذي يطمح إليه.
وصف مسؤول إسرائيلي كبير العلاقة بين نتنياهو وترامب بأنها ممتازة، وأن التقارير التي تشير إلى عكس ذلك هي "أخبار كاذبة". وأضاف أن مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وقيمهما الأساسية متوافقة تماماً. وأحد الأسباب هو الصداقة التي تربط ترامب ونتنياهو، حيث يعتقد كلاهما أنهما واجها اضطهاداً من نخب بلديهما، بما في ذلك المحاكمات الجنائية، ويعتبران نفسيهما من الخارج يصلحان نظاماً فاسداً.
ووصف المتحدث السابق باسم نتنياهو، عومر دوستري، العلاقات بين ترامب ونتنياهو بأنها "وثيقة للغاية"، معتبراً التقارير الإخبارية عن التوتر بينهما "تحركات إعلامية مُخطط لها لأسباب استراتيجية". ويعزو البعض استمرار العلاقات الودية إلى نفوذ الزعيم الإسرائيلي في الكونغرس وفي وسائل الإعلام ذات التوجه الجمهوري.
وقال أفنير غولوف، المدير الأول السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ونائب رئيس منظمة "مايند إسرائيل": "يريد الجمهوريون رؤية قصة نجاح ضد حماس".
في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر بعض التصدعات في الدعم القوي لإسرائيل من الجمهوريين، حيث انتقد أعضاء تحالف "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" التابع لترامب إسرائيل علناً، معتبرين أن استمرار الحرب في غزة يهدد بجر الولايات المتحدة إلى صراع أعمق.
واتهمت النائبة مارجوري تايلور غرين إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة.
في المقابل، لا يريد ترامب أي قطيعة علنية مع نتنياهو، إذ يقول مسؤولون أميركيون إنه فخور بعلاقاته الوثيقة مع نتنياهو ودعمه لإسرائيل، وكثيراً ما يتباهى بالاتفاقيات الإبراهيمية، ويواصل السعي لتجديد العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
يجد نتنياهو طرقاً للتقرب من الدائرة المقربة من ترامب ومغازلة الرئيس مباشرة. وقد شارك نتنياهو، إلى جانب السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي، في حفل وضع حجر الأساس لتسمية ممشى في مدينة بات يام باسم ترامب.
في الواقع، بنى نتنياهو علاقة تمكنه من المخاطرة مؤقتاً بغضب ترامب، مدركاً أنه لن يدوم. وقد وصف نتنياهو ترامب مراراً بأنه "أفضل صديق حظيت به إسرائيل في البيت الأبيض".
وقال داميان مورفي، المدير السابق لشؤون الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: "يعلم نتنياهو أنه على الرغم من أن البيت الأبيض قد يتذمر قليلا، إلا أنه لا يوجد أي جانب سلبي لنهج ‘طلب المغفرة لا الإذن”.
بعد غارة قطر، أجرى ترامب مكالمتين هاتفيتين مع نتنياهو، الأولى للتعبير عن استيائه والثانية لإجراء محادثة ودية حول مدى نجاح الهجوم الإسرائيلي. وفي وقت لاحق، تحدث ترامب مع قادة قطر، مشيداً بقطر لتوسطها في المفاوضات بين إسرائيل وحماس، وكونها حليفاً قوياً للولايات المتحدة، وتستضيف وجوداً عسكرياً أمريكياً كبيراً في الشرق الأوسط.
يصر نتنياهو على أن الحرب لا يمكن أن تنتهي إلا بعد أن تُلقي حماس سلاحها وتُطلق سراح الرهائن الـ 48 المتبقين، وأن تُغادر قيادة الجماعة، التي تُصنفها الولايات المتحدة إرهابية، غزة. وإذا لم تستجب حماس لهذه المطالب، فستُجبر إسرائيل الحركة على الاستسلام الكامل بهجمات جوية وبرية، وهي استراتيجية لا تتماشى مع رؤية ترامب لإنهاء الصراع المستمر منذ ما يقرب من عامين عن طريق التفاوض.
ومع ذلك، تقول وول ستريت جورنال، كان الضغط العلني الوحيد لترامب مُنصباً على حماس، التي هاجمت إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، مما أشعل فتيل الحرب. وقد أصدر تحذيرات متكررة من أن الحركة ستواجه المزيد من العنف.
سافر وزير الخارجية ماركو روبيو إلى إسرائيل هذا الأسبوع للتواصل مباشرة مع نتنياهو، لكنه لم يُوجه أي انتقاد جديد لإسرائيل على خلفية هذه الضربة. ورفض نتنياهو رفضا قاطعا استبعاد توجيه ضربات إلى الدول المجاورة في المستقبل لاستهداف حماس، التي تضم أعضاء مشاركين في مفاوضات وقف إطلاق النار في مصر وتركيا.
وقال نتنياهو إن بلاده استهدفت منذ فترة طويلة على الأراضي الأجنبية أشخاصا تُحملهم مسؤولية الهجمات الإرهابية على إسرائيل: "هذا هو المبدأ الذي أرسيناه. إنه مبدأ نتبعه. لم يتغير".
وجاءت ضربة قطر في وقت غير مناسب للولايات المتحدة.
في نهاية المطاف، ربما كانت المشكلة الأكبر في ضربة قطر هي عدم نجاحها، كما قال مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة في عهد نتنياهو. وأوضحت الحركة أن إسرائيل استهدفت كبار مفاوضي حماس، لكنها قتلت ستة ممثلين من المستوى الأدنى.
وقال أورين: "على الأرجح، لو نجحت عمليتنا في الدوحة، لما أدانها ترامب، بل كان سينسب إليها الفضل. إنه يُحب الفائزين". وينطبق المنطق نفسه على غزة. وقال أورين: "لا بد من وجود شخص يقف رافعا علم إسرائيل، مُعلنا أننا انتصرنا. أعتقد أن بيبي يفهم هذا الأمر بشأن ترامب".