عندما صرّح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن كل من يمتلك هاتفاً ذكياً "يضع قطعة من إسرائيل في يده"، لم يكن ذلك مجرد تعبير بلاغي، بل تأسيس لرسالة سياسية وأمنية ذات أبعاد مدروسة. تكشف هذه الرسالة عن رؤية تهدف إلى استخدام التكنولوجيا كأداة للدعاية، بالاعتماد على قدرات تقنية واستخباراتية كبيرة.
توضح نانسي بدران، مهندسة حلول الحوسبة للمشاريع السحابية في الحكومة الفيدرالية الكندية بأوتاوا، لـ"النهار" أن لإسرائيل مساهمة كبيرة في مجال الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، خاصة في التطبيقات المتعلقة بالهواتف الذكية. وتشير إلى وجود تقنيات متقدمة في التعلّم الآلي لرصد السلوكيات الرقمية، وتحليل البيانات الضخمة المستخدمة في المراقبة والتجسس، بالإضافة إلى تطوير برمجيات تستغل الثغرات للوصول إلى الهواتف عن بعد.
لقد طورت إسرائيل خبرات واسعة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة من خلال شراكات مع شركات كبرى مثل "إنتل" و"أبل" و"مايكروسوفت"، وعبر مراكز أبحاث أنتجت شرائح ومعالجات أساسية، مما منحها نفوذاً ملحوظاً في وادي السيليكون. كما ساهمت شركات ناشئة في ابتكار برمجيات للتصوير والأمن السيبراني والاتصالات، والتي أصبح الكثير منها جزءاً من صناعة الهواتف الحديثة.
تضيف بدران أنه علمياً، لا يمكن القول إن كل هاتف يحوي "قطعة من إسرائيل" بالمعنى المادي، ولكن ما يوجد هو بصمة وظيفية وتقنية في مجالات البرمجيات الأمنية، وشرائح الاتصالات، وأدوات المراقبة الرقمية. وتؤكد أن هذه البصمة جزئية وليست شاملة، وهي نتاج بيئة ابتكار قوية ربطت بين الوحدات العسكرية المتخصصة والقطاع التكنولوجي المدني.
لا يمكن تجاهل دور صناعة برمجيات التجسس والاستخبارات الرقمية على الساحة الدولية. فهناك برمجيات تجسسية تجارية متطورة قادرة على اختراق الهواتف التي تعمل بنظامي أندرويد و iOS سراً. كما ظهرت شركات تقدم أدوات تستغل ثغرات نادرة وتنفذ هجمات "Zero-Click". وقد استخدمت برامج أخرى أحياناً من قبل جهات حكومية لفحص الأجهزة عند نقاط العبور، مما أثار جدلاً حول حدود الاستخدام وحقوق الخصوصية. هذه الأدوات قادرة على استخراج الرسائل والمكالمات وجهات الاتصال وكلمات المرور، وتشغيل الميكروفون والكاميرا وتحديد الموقع في الوقت الحقيقي، بل وإخفاء نفسها أو الانقضاء التلقائي عند الحاجة.
ميدانياً، تجلى هذا التفوق في توظيف أنظمة تتبع متقدمة ونظم ذكاء اصطناعي لتحليل البيانات وتحديد الأهداف، إلى جانب أدوات مراقبة مكنت من تتبع أشخاص بدقة لافتة في غزة أو في لبنان، حتى داخل مواقع كان يعتقد أنها محمية وفي غاية السرية. لذا يصعب اختزال تصريح نتنياهو في خانة المبالغة وحدها، فبصمات التكنولوجيا الإسرائيلية تمتد في البنية التحتية الرقمية العالمية، وفي الأدوات والبرمجيات التي يطورها مهندسون نشأوا في أطر استخباراتية.
لذلك تكتسب عبارة "قطعة من إسرائيل" قدراً من المصداقية، دون إغفال البعدين الخطابي والسياسي، إذ سعى نتنياهو إلى تحويل الإنجاز التقني إلى درع سياسي يذكر الخصوم والحلفاء بمدى تغلغل إسرائيل في الاقتصاد والابتكار العالمي.