بهمة عالية، يعمل الرئيس نواف سلام وفريقه المختص بالملف الفلسطيني على خطوات متسارعة لإعادة هيكلة الوجود الفلسطيني في لبنان، ولكن بمنهجية مختلفة جذرياً عن الوضع الراهن. وبينما يعيش أبناء المخيمات واللاجئون الفلسطينيون ظروفاً حياتية وإنسانية قاسية، فإنهم يدركون أن هذه التحركات لا تهدف إلى تحسين أوضاعهم، بل إلى دفعهم قسراً نحو هجرة نهائية، بعيداً عن فلسطين، حيث يتلاشى تدريجياً وجودهم وهويتهم.
يمكن تلخيص ما جرى حتى الآن في مسارين رئيسيين: الأول، يتعلق بالسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس وفريقه المقرب، الذين يسعون إلى استغلال الحرب الإسرائيلية ضد الدول العربية والإسلامية لفرض واقع جديد على ثلاثة مستويات: مؤسسات السلطة نفسها، وحركة «فتح»، والعمل السياسي الفلسطيني خارج فلسطين.
يدرك عباس وفريقه أن مصير السلطة بات مجهولاً، وأن المشروع الإسرائيلي يتجه نحو تصفية ما تبقى من هياكلها، لذا فإن انخراطهم في هذا المسار يعكس تبعيتهم لمنظومة المصالح الخاصة التي باتوا أسرى لها. ويبدو أنهم يعملون على تنظيم «تركة السلطة» لتؤول إلى مجموعة ضيقة مرتبطة بعائلة عباس ودائرته السياسية.
المسار الثاني، يتعلق بفريق لبناني يعمل على تهيئة الظروف المناسبة للتحالف الأميركي – السعودي – الفلسطيني في لبنان. ويتعامل هذا الفريق مع اللاجئ الفلسطيني كـ«عبء» يجب التخلص منه، وهو عبء يتوزع بين الدور السياسي للاجئين والتزامهم بقضية استعادة أرضهم، والمنظومة الاجتماعية والاقتصادية لتجمعات اللاجئين بهدف إسقاط كل الأشكال الاجتماعية والسكنية والديموغرافية التي تبقيهم مجتمعين.
وفقاً لمصادر مطلعة، فإن مشروع نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان مستمر من جانب تحالف عباس – سلام، بدعم من رئيس الجمهورية جوزيف عون وقوى لبنانية أخرى، لكل منهم دوافعه الخاصة. وتبدو الخطوات الحالية، على تواضعها، إنجازاً مهماً لا يفرض أعباء مثل ملف سلاح المقاومة.
تشير المصادر إلى أن الخطوات التي جرت حتى الآن، والتي تمثلت بتجميع مجموعات تابعة لحركة «فتح» أو لأجهزة السلطة الفلسطينية كميات من الأسلحة المصنفة ثقيلة ومتوسطة، لا تمثل قيمة كبيرة لأبناء المخيمات أو اللبنانيين أو حتى إسرائيل، إذ إن ما سُلّم حتى الآن لا يعدو كونه أسلحة خارج الخدمة.
بدأت الحكومة مرحلة الضغط على «حماس» وفصائل خارج منظمة التحرير، وعباس مستعد للتورط في الدم مقابل دعم من لبنان وإسرائيل!
رغم تواضع الخطوة، فقد كانت ضرورية لتحالف بيروت – رام الله، إذ انتقل النقاش إلى كيفية محاصرة فصائل المقاومة الفلسطينية، خصوصاً حركة «حماس». وقد تجسد ذلك في اجتماع السراي الكبير بين ممثل نواف سلام، السفير رامز دمشقية، وقيادة «حماس» في لبنان.
شدد دمشقية على ضرورة أن تبادر «حماس» والفصائل الأخرى إلى تسليم أسلحتها للجيش اللبناني. لكن وفد «حماس» أكد أن ملف السلاح يشمل جميع الفصائل، وأن ما تقوم به السلطة اللبنانية يقتصر على التنسيق مع حركة «فتح»، دون تشاور مع الفصائل الأخرى.
في ختام اللقاء، أبلغ وفد «حماس» دمشقية بأن أي نقاش جدي حول السلاح يجب أن يتم مع جميع الفصائل، ما دفع الأخير إلى الاتفاق على عقد اجتماع موسع. كما طُرح ملف الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين، لكن دمشقية اكتفى بالكلام العام وإعادة تدوير الوعود.
يبدو أن ما يجري حالياً يندرج ضمن مشروع متكامل تشرف عليه الولايات المتحدة والسعودية، ويجاري مطالب إسرائيل، وتوجهات حكومات عربية تسعى إلى التخفف من عبء اللاجئين. لكن الهدف الفعلي يتجاوز ذلك إلى التخلص من فكرة المقاومة نفسها. وتشمل خطوات المشروع نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وإعادة تشكيل قوة أمنية تابعة لسلطة رام الله، وربط المساعدات المالية بالتزام أبناء المخيمات بمشروع نزع السلاح، وإبعاد غير الفلسطينيين من المخيمات، وتقديم معلومات أمنية عن المعارضين، وتشجيع هجرة اللاجئين إلى دول غربية، وتسهيل إقامة وتملك اللاجئين المتزوجين من لبنانيين، وإغراء أبناء المخيمات بمساعدات مالية للانتقال إلى العيش خارج المخيمات، تمهيداً لإنهاء وجود المخيمات في لبنان.
يرى المعنيون أن مشروعاً بهذا الحجم يتطلب دعماً من جهات ذات قدرات كبيرة، ويتضمن تعهد إسرائيل بمواصلة تصفية الفلسطينيين المنخرطين في المقاومة، وتشديد الجيش اللبناني الإجراءات على المخيمات، وموافقة فريق عباس على مواجهة مسلحة مع المعارضين بدعم من السلطات اللبنانية.
تشير الوقائع إلى أن حاكم رام الله مستعد للتضحية بدماء شعبه لتعزيز موقعه لدى الأميركيين والإسرائيليين. ولكن، ما هي مصلحة السلطة في لبنان في الانخراط في هذه اللعبة؟
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار