في قلب الحقول المترامية الأطراف المحيطة بمدينة الرقة، تبرز قصة الشاب العشريني خلف الحسن كنموذج ملهم للتغلب على الصعاب بالإصرار والعمل الجاد. لم يأتِ خلف بمفرده، بل رافقه إخوته وعدد من رفاقه النازحين من قرية الشميطية بريف دير الزور، ليؤسسوا معًا مشروعًا يعكس روح التعاون في ظل الأزمات الاقتصادية والنزوح التي تثقل كاهل الأهالي.
ما يميز هذه المجموعة الشابة هو كسرهم للأساليب التقليدية في موسم الحصاد. فبدلًا من الاعتماد على العمالة اليدوية الشاقة والبطيئة، استخدموا ماكينات حديثة صغيرة الحجم، قادرة على إنجاز العمل بدقة وسرعة فائقتين. هذه النقلة النوعية لم تقتصر على تحسين إنتاجية المزارعين فحسب، بل غيرت أيضًا نظرتهم إلى عملية الحصاد برمتها.
المزارع عبد الله العويد من قرية الكسرات، أعرب عن إعجابه قائلاً: "لم أرَ شيئًا كهذا من قبل. الحصاد يتم بسرعة، والأدوات تحافظ على جودة المحصول. والأجمل أن الأسعار معقولة جدًا مقارنة بالعمل اليدوي."
لكن خلف الحسن يرى أن سر نجاحهم يتجاوز مجرد استخدام أدوات حديثة. فهو يؤكد أن التواصل المباشر مع المزارعين وتطوير الخبرة باستمرار هما أساس النجاح. ويضيف: "نحن لا نسعى لتحقيق الربح فقط، بل نحاول أن نكون عونًا للفلاحين. لذلك، حرصنا على تقديم أسعار منخفضة، واعتماد أسلوب يقلل من الخسائر التي تتسبب بها الطرق التقليدية."
ورغم حنينه إلى مسقط رأسه في دير الزور، يوضح خلف أنه لا يفكر في العودة حاليًا، فالوضع هناك لا يوفر فرصًا للعمل، بينما الرقة – رغم صعوبة الأوضاع فيها – منحتهم فرصة للحياة والعمل. هذه المفارقة تجسد وضع العديد من الشباب النازحين الذين وجدوا في الرقة ملاذًا وفرصة، بدلًا من انتظار المجهول.
لم يقتصر تأثير مبادرتهم على الحقول الزراعية، بل امتد ليشمل توفير فرص عمل لشباب آخرين من النازحين والمهجرين، مما ساهم في الحد من معدلات البطالة في المناطق الريفية. إنها ليست مجرد قصة حصاد، بل قصة عزيمة حولت أزمة النزوح إلى فرصة للإنتاج.
اليوم، تُعتبر تجربة خلف الحسن وإخوته مثالًا حيًا على أن الابتكار والمبادرة يمكن أن ينعشا الاقتصاد المحلي، حتى في ظل الظروف الصعبة. وإذا حظيت هذه الجهود بدعم ورعاية من الجهات المعنية، فإنها ستفتح الطريق أمام تطور كبير في قطاع الخدمات الزراعية، وتحمل بشائر أفضل للمزارعين والأسر الريفية في المنطقة.