عنب بلدي ـ عمر علاء الدين
بينما كان السائحون وأهالي المنطقة يقصدون نبع بردى للاستمتاع بجماله وبحيرته الشهيرة، يصف محمد مظلوم، الرجل الستيني القاطن على مقربة من هذا المعلم السياحي المعروف بـ"نبع بردى"، كيف تحولت البحيرة إلى "أرض قاحلة تبعث على الأسى".
يشير التقرير إلى أنه خلال السنوات التي سبقت نهاية عام 2024، أقيم على جانبي النبع مركزان عسكريان، أحدهما تابع لـ"جيش التحرير الفلسطيني" والآخر لـ"حزب الله" اللبناني. وقد تأثرت المنطقة بشكل ملحوظ بالعمليات القتالية التي نفذتها قوات النظام السوري وعناصر المركزين منذ عام 2011.
تقع بحيرة نبع بردى جنوب غرب الزبداني في ريف دمشق، في قلب منطقة حرجية واسعة تم استثمارها وتحويلها إلى منتجع في عام 1982، وكانت تعتبر من أبرز المعالم السياحية في المنطقة قبل الثورة.
قامت عنب بلدي برصد أوضاع النبع وإجراء جولة ميدانية، والتقت بالأهالي والعاملين والمسؤولين للوقوف على حقيقة الوضع وخطط إعادة تأهيل النبع.
التعديات على النبع
تظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 7 حزيران 2024 عبر "جوجل إيرث"، جفاف البحيرة بشكل كامل، بينما كانت ممتلئة بالمياه في 21 أيار 2011.
أرجع مدير مياه دمشق وريفها، أحمد درويش، سبب الجفاف إلى وجود 36 بئرًا حول نبع بردى تسحب المياه لأغراض الشرب من أعماق تتراوح بين 60 و100 متر، وبغزارة تصل إلى 1.6 متر مكعب في الثانية.
وأوضح درويش أن هذا السحب يؤدي إلى جفاف البحيرة ومنع تدفق المياه إلى السطح، بالإضافة إلى استفادة آبار المزارعين المحيطة بالمنطقة من حوض النبع. وأكد أنه في حال توقفت مؤسسة المياه عن سحب المياه من هذه الآبار، "فمن المؤكد أن المياه ستتدفق من جديد".
كما أشار درويش إلى أن السبب الرئيسي لعدم جريان النبع هو الجفاف، وقلة الأمطار والثلوج، والاستجرار القسري للمياه من باطن الأرض، لافتًا إلى وجود معسكرين (قديم وجديد) يضمان آبار مياه ضمن الـ 36 بئرًا المستخدمة لاستجرار مياه الشرب.
لا توجد معلومات دقيقة حول المساحة الحقيقية للبحيرة بسبب ردمها واقتطاع أجزاء منها في فترات مختلفة، لكن بعض المصادر تشير إلى أنها كانت تصل إلى 6000 متر مربع.
نتيجة للوضع الحالي للنبع، يفضل السياح التوجه إلى بحيرة "زرزر" القريبة من طريق دمشق- بيروت، بحسب ما ذكره الأهالي.
"حزب الله" يحتل النبع
أفاد أهالي المنطقة لعنب بلدي بأن "حزب الله" اللبناني اتخذ من نبع بردى منطقة عسكرية ومنع الدخول والخروج إليها. وأكد أحد العاملين في النبع، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن "حزب الله" حول بعض مرافق النبع إلى مخازن للأسلحة، وكان يعقد اجتماعات دورية فيه.
كما أشار العامل إلى أن عناصر "الحزب" قاموا بزراعة أشجار في محيط النبع وحتى على أطراف أرضيته، معتبرين أنهم "مقيمون هنا للأبد"، وقام بعضهم بالإقامة مع عائلاتهم، وتحول النبع إلى مركز لأنشطتهم.
وأكد العامل أن عناصر "حزب الله" كانوا يتدخلون في عمل المنشأة، مثل قطع المياه عن دمشق أو تعيين وفصل الموظفين، وهو ما أكده محمد مظلوم المقيم بالقرب من النبع.
مقترح للتوسيع
ذكر رئيس بلدية الزبداني، سمير درويش، أن جزءًا كبيرًا من البحيرة قد اقتطع عند إنشاء "معسكر الطلائع"، وأن النظام قام بردم جزء كبير من البحيرة وأقام "ردميات" حولها، كما ضيق أسوارها لبناء المعسكر الثاني، مما أدى إلى انسداد بعض العيون التي كانت تغذي النبع.
ونتيجة لهذه التعديلات، تجف البحيرة في فصل الصيف وتتحول إلى مكان لتجميع المياه في الشتاء، دون أن تكون مصدرًا لها بسبب انسداد الينابيع.
واقترح درويش، كحل إسعافي للبحيرة، إقامة سد صغير في الطرف المنخفض منها وزيادة عمقها، مما سيرفع منسوب المياه ويعيد للبحيرة خاصية تجميع الأمطار ويجعلها مصدرًا للمياه في حالات الطوارئ.
رصدت عنب بلدي وجود خراطيم مياه مبعثرة في الأرض تخرج منها المياه، بالإضافة إلى الينابيع الموجودة حول البحيرة التي تظهر على شكل عيون صغيرة بين الأرصفة ومن تحت الأسفلت، في مشهد وصفه الأهالي والقائمون على النبع بـ"المؤسف".
يرى محمد مظلوم أن النبع يمكن إعادته إلى سابق عهده بالتعاون بين المحافظة وبلديات الزبداني ومضايا والروضة، بالإضافة إلى أهالي المنطقة، معتبرًا أنه "ثروة للجميع وبالتالي فالجميع مسؤول عنه".