الإثنين, 8 سبتمبر 2025 05:39 PM

تهميش وإهمال: المكفوفون في حلب يواجهون البطالة وغياب الدعم

تهميش وإهمال: المكفوفون في حلب يواجهون البطالة وغياب الدعم

عنب بلدي – حلب: يواجه المكفوفون في مدينة حلب تحديات معيشية واجتماعية قاسية، تتفاقم بسبب البطالة ونقص الدعم وفرص الاندماج في سوق العمل. وعلى الرغم من جهود بعض الجمعيات الخيرية لتوفير برامج التأهيل والتدريب، يضطر العديد منهم للبحث عن سبل بديلة لتأمين احتياجاتهم الأساسية وإعالة أسرهم، وغالبًا ما تكون هذه السبل متواضعة أو تتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا.

"الابتهال" مصدر رزق

في منطقة "أدونيس"، يجلس عمر هنداوي، وهو كفيف يبلغ من العمر 60 عامًا ويسكن في حي الصالحين، منشغلًا بإنشاد الابتهالات الدينية وتلاوة القرآن في المناسبات والتجمعات الصغيرة، مقابل أجر يساعده في إعالة أسرته المكونة من خمسة أفراد. وأوضح عمر لعنب بلدي أنه لا يجد خيارًا آخر، حيث حالت إعاقته دون حصوله على وظيفة ثابتة، فاختار الاعتماد على صوته كوسيلة وحيدة لتلبية احتياجات عائلته.

بالقرب من قلعة حلب، يمتهن سمير أعرج مهنة مختلفة، حيث يتجول يوميًا حاملًا لوحًا خشبيًا يتدلى من رقبته، ويضع فوقه قطع "الكاتو"، ويجذب المارة بصوته العالي مرددًا: "أربعة بعشرة". يواصل سمير عمله لساعات طويلة، متحملًا صعوبة الحركة وفقدان البصر، ليتمكن من بيع ما يكفي لتغطية نفقاته اليومية ونفقات أسرته المكونة من ثلاثة أفراد.

ضرورة الدمج

أكد رئيس الجمعية البصرية لثقافة المكفوفين، محمد كردي، على ضرورة معاملة المكفوفين كأعضاء فاعلين ومؤسسين في المجتمع، وليسوا مجرد عناصر مكملة. وشدد على أهمية دمجهم في سوق العمل والحياة العامة، لأن الكفيف ليس عبئًا على مجتمعه. ووصف كردي أوضاع المكفوفين بأنها "سيئة ويرثى لها"، مشيرًا إلى أن أبرز المشاكل التي يواجهونها هي نقص فرص العمل، فعلى الرغم من دراستهم وجهودهم، تظل قضية "التوظيف" هي العقبة الأكبر أمامهم. هذا النقص يدفع الكثيرين إلى التسول، حتى بين حملة الشهادات، حيث يظهر عدد من المكفوفين خريجي الثانوية في أسواق مدينة حلب، مثل الجميلية، دون فرص حقيقية.

وأضاف أن الظروف المعيشية الصعبة تجعل الكفيف، إذا لم يحصل على فرصة للإنتاج، عرضة للإهمال والإصابة بأمراض نفسية تؤدي إلى سلوك عدواني تجاه المجتمع أو إلى الانعزال عنه. لذلك، يلجأ بعض الشباب المكفوفين، عندما يفشلون في العثور على عمل أو تكوين أسرة، إلى التسول كوسيلة وحيدة لتأمين قوت يومهم. وأشار كردي إلى أن المطلوب هو توفير فرص عمل تتناسب مع مؤهلات المكفوفين، معتبرًا أن الشهادة الدراسية بدون وظيفة لا قيمة لها. أما في سوق العمل الخاص، فإن معظم أصحاب المصانع والورش لا يقبلون بتوظيف المكفوفين، وإذا فعلوا ذلك، فإنه يكون بدافع عاطفي وليس بناءً على قدراتهم، على الرغم من أن الكفيف قد يكون أكثر إنتاجية من غيره. هذا الواقع، بحسب كردي، يثير اليأس في نفوسهم، مما يستدعي من الجهات المعنية تقديم مشاريع صغيرة أو دعم مباشر يساهم في تحسين ظروفهم. كما أشار إلى أن اهتمام الجهات الرسمية غالبًا ما يقتصر على وعود تطلق في المناسبات، مثل زيارات وزراء الشؤون الاجتماعية لحفلات أو أنشطة تخص المكفوفين، حيث يقتصر الحضور على الإعلام، وما إن يغادر الوزير حتى تتوقف المتابعات.

الاستثمار في طاقات المكفوفين

يمتلك المكفوفون طاقات إبداعية يمكن استثمارها، مثل الموشحات والقدود الحلبية والتراث الموسيقي، إلا أن تكاليف التدريب ونقص الدعم المادي يعيقان استمرار هذه المبادرات، بحسب ما ذكره رئيس الجمعية البصرية لثقافة المكفوفين، محمد كردي، لعنب بلدي. وأوضح أن بعض الأساتذة تبرعوا في السابق لتدريب مكفوفين دون مقابل، لكن لم تتوفر بيئة كافية للاستمرار. ويستشهد كردي بحالة الموسيقار سيد مكاوي، الذي رغم إعاقته البصرية لمع اسمه في العالم العربي ولحن لكبار الفنانين، معتبرًا أن وجود فئة متخصصة في التراث الحلبي بين المكفوفين ليس أمرًا مستبعدًا. وأضاف أن تقديم معونة اجتماعية بسيطة لا يكفي، فالمطلوب النظر إلى الكفيف كإنسان قادر على الإبداع والإنتاج، داعيًا وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات المعنية إلى تقديم دعم حقيقي ومستمر، بما يتيح للمكفوفين المشاركة في المجتمع بدور كامل.

معهدان فقط

أوضح كردي أنه يوجد في سوريا معهدان فقط مخصصان لتعليم المكفوفين، أحدهما في دمشق والآخر في حلب، متسائلًا عما إذا كان المكفوفون في باقي المدن والقرى لا يستحقون التعليم، على الرغم من أن عددهم بالآلاف. وأشار إلى أن قلة هذه المعاهد تجبر الطلاب على الإقامة في المبيت الداخلي، مما يفرض تحديات إضافية، حيث يحتاج الكفيف إلى متابعة دائمة من ذويه، وفي غيابها يتعرض لمشاكل تصل إلى حد الإهمال. ولفت إلى أن نظرة المجتمع إلى الأنثى الكفيفة تمثل "الطامة الكبرى"، حيث غالبًا لا يسمح لها بالخروج إلا بوجود مرافق، مما يجعل الكثير من النساء المكفوفات حبيسات المنازل ينتظرن العطف أو الصدقات، على الرغم من أن عددًا منهن أنهين دراستهن الجامعية. وطالب بضرورة أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في تمكين الكفيفة ومنحها الشعور بقيمتها ونشاطها، عبر توفير مبادرات خاصة تراعي احتياجاتها، إضافة إلى تأمين مصروف يومي ووسائل نقل، مشددًا على ضرورة تعميم هذه الخطوات بشكل رسمي ومنظم.

مطالب وتوصيات

لخص كردي مجموعة من المطالب التي يراها أساسية لتحسين أوضاع المكفوفين وضمان مشاركتهم الفاعلة في المجتمع، وتتضمن:

  • توظيف الخريجين وأصحاب المهارات منهم.
  • تفعيل اتحاد ذوي الإعاقة الرياضي.
  • تخصيص تعويض خاص للعاطلين عن العمل.
  • توفير وسائل نقل تراعي احتياجات المكفوفين وذوي الإعاقة.
  • إشراك الكفيف في الفعاليات والأنشطة المجتمعية بوصفه صاحب خبرة، وعدم تهميشه.
  • دعم التعليم وتأمين مستلزماته.
  • تطوير الجانب الثقافي عبر فتح المجال أمام أنشطة أدبية وفنية وتراثية خاصة بالمكفوفين.
  • تخصيص الجمعيات أعمالًا تتناسب مع اختصاصات المكفوفين لتقديم الدعم الأمثل لهم.
  • أن يكون لهم صوت يمثّلهم داخل مجلس الشعب، بما يعبّر عن قضاياهم وينقل همومهم.
  • سن قانون شامل لذوي الإعاقة، ينظم علاقتهم بالمجتمع ويضمن حقوقهم على نحو واضح ومستدام.

خلال زيارة وزيرة الشؤون الاجتماعية، هند قبوات، إلى مدينة حلب، في 14 من تموز الماضي، طُرحت مطالبات بإنصاف المكفوفين عبر تصريحات لرئيس جمعية رعاية المكفوفين، محمود زمرلي. وأوضح زمرلي حينها أن آلاف المكفوفين في سوريا، بينهم مئات من أصحاب الشهادات الجامعية، ما زالوا يواجهون صعوبات كبيرة في إيجاد فرص العمل والاندماج، داعيًا إلى عقد نقاش خاص يركز على شؤونهم وإصدار قوانين واضحة وثابتة تضمن حقوقهم. وفي ردها، أكدت الوزيرة أن الوزارة ستعقد في أيلول المقبل مؤتمرًا مخصصًا لبحث قضايا ذوي الإعاقة، لافتة إلى وجود مساعٍ لتعديل القانون الذي يحدد نسبة توظيف ذوي الإعاقة في القطاع الحكومي بـ2%، بحيث ترفع النسبة إلى 5% في القطاع الحكومي و4% في القطاع الخاص. ووصفت قبوات هذه الشريحة بأنها "الركيزة الأساسية" لعمل الوزارة.

مشاركة المقال: