الجمعة, 5 سبتمبر 2025 10:55 PM

ميلوني ونساء إيطاليا ضحايا صور مفبركة: تكنولوجيا بلا رقابة تستهدف الكرامة

ميلوني ونساء إيطاليا ضحايا صور مفبركة: تكنولوجيا بلا رقابة تستهدف الكرامة

في عام 2023، انفصلت رئيسة وزراء إيطاليا عن شريكها أندريا جيامبرونو بعد علاقة دامت نحو 10 سنوات، وذلك عقب تصريحات أدلى بها الأخير واعتبرت متحيزة جنسياً وتنطوي على "تمييز ضد المرأة". يسعى الإنسان من خلال الذكاء الاصطناعي إلى اختصار الحياة في كبسة زر، وجعل كل شيء متاحاً أمام الشاشة. وعلى الرغم من أهمية هذا التطور، فإن التداعيات السلبية التي تصل إلى حد الكارثة تثير تساؤلات حول مستخدم هذه الأداة ونيته ومعرفته.

ما حدث في إيطاليا الأسبوع الماضي كان صادماً بكل المقاييس. صور مزيفة وإباحية ومهينة، ومقاطع فاحشة تستهدف مئات النساء، بل طالت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني نفسها! يثير هذا المشهد مجدداً التساؤلات حول أهداف نشر هذه الصور وتوقيتها، خاصة وأنها تعتبر سلاحاً افتراضياً مهماً بين الخصوم السياسيين وفي مجالات ثقافية وفنية واقتصادية مختلفة. المواجهة تحتدم لتصل إلى تشويه سمعة الخصم أو المنافسة الشخصية وإثارة الصدمة وتشتيت الانتباه، مما يخرج المنافسة عن الإطار الشرعي.

صفحات ومتابعون وصور…

عاش المجتمع الإيطالي صدمة بسبب صفحات على "فايسبوك" نشر فيها آلاف الرجال صوراً حميمية لشريكاتهم وأخواتهم ونساء معروفات ومجهولات، دون موافقتهن، مع تعليقات تنتهك كرامتهن. هذا ما حصل مع الكاتبة كارولينا كابريا مع صفحة تُدعى "ميا موغلي" (زوجتي بالإيطالية)، التي تجاوز عدد أعضائها 30 ألفاً عند إغلاقها في 20 آب/ أغسطس. وقد ندّدت الكاتبة عبر "إنستغرام" بـ"الرجولة التي تغزو وتقتحم وتحتل".

أما منصة "Phica" الناشطة منذ عام 2005، فقد ضمت أكثر من 700 ألف مشترك، وانتشرت عليها صور لنساء ملتقطة في البحر أو عارية الصدر أو في مواقف حميمة أخرى. الصدمة تكمن في اسمها، الذي يشير إلى تحريف لفظي لكلمة عامية تعني "المهبل" بالإيطالية. ولم تقتصر الصفحة على نشر الصور، بل انتشرت معها دعوات للعنف، وفقاً لتقارير إعلامية إيطالية. وكان من بين الضحايا سياسيون وصحافيون وفنانون بارزون، إذ لفتت صحيفة "الغارديان" إلى أن قائمة المستهدفات شملت عضو حزب الرابطة اليميني المتطرف أليسندرا موسوليني، حفيدة الديكتاتور الفاشي بينيتو موسوليني، ووزيرة السياحة الإيطالية دانييلا سانتانكيه. وكانت الصور المعدلة للنساء البارزات تُعرض في قسم "VIP" بالمنصة. ووجدت تحت المنشورات تعليقات جنسية من الرجال، قال بعضهم إنهم يريدون "اغتصاب" المرأة، بينما أشاد آخرون بالطبيعة السرية لبعض الصور. وقالت فيوريلا زاباتا، من حزب الخضر الأوروبي: "الأمر ليس مجرد متعة بريئة بل هو اغتصاب افتراضي".

جورجيا ميلوني
جورجيا ميلوني. (مواقع)

صرخة… ضحايا وتجارب

تقنياً، إنه "التزييف العميق" (deepfakes). يتم الحصول على مقاطع الفيديو أو الصوت أو الصور التي تجعل الناس يبدون كأنهم يفعلون أو يقولون أشياء لم يفعلوها بالفعل، أو في مكان ما لم يكونوا فيه. السياسيون وقادة الأعمال والمشاهير هم الأكثر عرضة لخطر هذه التقنية، نظراً إلى عدد التسجيلات التابعة لهم. تجعل هذه التكنولوجيا ما يسمى "الإباحية الانتقامية" ممكنة حتى لو لم تكن هناك صورة أو مقطع فيديو عارٍ بشكل فعلي.

أطلقت النائبتان الإيطاليتان عن الحزب الديموقراطي فاليريا كامبانيا وأليساندرا موريتي الصرخة. وفي فيديو عبر "إنستغرام"، قالت موريتي: "اكتشفت أنني كنت ضحية لموقع إباحي يرتاده آلاف الرجال، حيث نُشرت مئات من صوري منذ عام 2014. صور عُدّلت ثم أُطعمت لهؤلاء المتطفلين الذين علّقوا عليها بعبارات بذيئة مليئة بالعنف والوحشية". أما ميلوني، التي طالتها هذه الحملة فقالت لصحيفة "إل كورييري ديلا سيرا": "أشعر بالاشمئزاز مما حدث. إنه لأمر محبط أن نلاحظ أنه في عام 2025، لا يزال هناك من يعتبرون أن من الطبيعي والمشروع انتهاك كرامة المرأة واستهدافها بإهانات جنسية وبذيئة، متخفين وراء إخفاء الهوية أو لوحة المفاتيح".

ولم تسلم شقيقة ميلوني، أريانا، السياسية البارزة في حزب "إخوة إيطاليا" من حملة الصور أيضاً. بدورها، أعلنت زعيمة المعارضة أمينة الحزب الديموقراطي إلي شلاين وسياسيات إيطاليات وقوعهن ضحايا هذه الصور والمواقع، مصحوبة بـ"تعليقات جنسية وبذيئة وعنيفة". ومن بين المستهدفات أيضاً الممثلة باولا كورتيليسي، التي حقق فيلمها "الغد لا يزال باقياً" نجاحاً كبيراً عام 2023، وكان محوراً رئيسياً في توعية الناس على العنف الأسري.

بين التعليقات ورأي الخبراء…

عبّر كثيرون من المتابعين عن صدمتهم من هذه المواقع، معتبرين أن هذه النماذج يجب ألا تكون موجودة. في المقابل، قال أحد المتابعين: "رأيتُ إحداها بملابس السباحة عبر منصّة إكس. يا إلهي، جسدها كجسد إلهة رومانية". أما خبراء الرقمنة فأشاروا إلى خطورة التطوّر التكنولوجي في إنتاج صور مزيّفة يصعب تمييزها. وأوضحت أستاذة الهندسة الصناعية في جامعة نابولي فيديريكو الثاني والمتخصصة في التحقيقات الرقمية وكشف التلاعب بالصور لويزا فيردوليفا أن تقنيات الذكاء الاصطناعي باتت قادرة على توليد صور جنسية مزيفة بجودة تكاد تخدع العين، مشددة على أن المختبرات المتخصصة طورت أدوات قادرة على رصد "الأثر الخفي للتلاعب" وتحديد مصدر الصورة الأصلي.

من جهته، رأى خبير التواصل الرقمي والذكاء الاصطناعي ماركو كاميساني كالزولاري أن المشكلة لا تكمن فقط في سرعة انتشار هذه الصور، بل أيضاً في ضعف وعي الجمهور بقدرات التكنولوجيا، وقال: "اليوم أصبح من الضروري أن نكون واعين تماماً لقدرات الذكاء الاصطناعي – بإمكان أي شخص استبدال صوت أو وجه من دون أن يملك خبرة تقنية متقدمة. الخداع عبر الـDeepfake لا يحتاج عبقرية، بل يكفي غياب الوعي العام".

ورأى الخبيران أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب مقاربة مزدوجة: من جهة تطوير أدوات كشف التلاعب وتحويلها إلى أدلة جنائية، ومن جهة أخرى الاستثمار في التثقيف الرقمي، حتى يتمكن المواطنون من إدراك طبيعة المخاطر الجديدة بدل الوقوع ضحية حملات التشويه المنظمة.

لدى إيطاليا قانون "الإباحية الانتقامية"، أقر عام 2019، ويعتبر فيه "النشر غير القانوني للصور الجنسية الصريحة" جرماً يعاقب عليه بالسجن لمدة تصل إلى 6 سنوات. عام 2024، رفعت ميلوني دعوى قضائية ضد أب وابنه متهمَين بإنشاء مقطع فيديو مزيف لها، ومن المقرر عقد جلسة هذا الشهر. وقد تعهدت رئيسة الوزراء بالتبرع بأي مكاسب مالية لصندوق حكومي يساعد النساء ضحايا العنف.

فهل تكفي الضوابط القانونية والإلكترونية لكبح هذه الظاهرة في ظل غياب الضوابط الأخلاقية والإنسانية؟

مشاركة المقال: