الإثنين, 1 سبتمبر 2025 05:22 AM

حلب: عناد الهوية واللهجة في وجه التحديات

حلب: عناد الهوية واللهجة في وجه التحديات

استخدم الأخوان الرحباني في أغنية "بحبك يا لبنان" مصطلح "الشعب العنيد". ورغم أن العناد قد يُنظر إليه كصفة سلبية، إلا أنه يشير، في سياق الرحابنة، إلى تمسك الشعب بكرامته، ودولته، وتلاحمه.

يثير ذلك تساؤلاً حول إصرار نظام الأسد على تسمية فريق كرة القدم الحلبي بـ "الاتحاد". وهل استسلم أهالي حلب لهذه التسمية؟ الإجابة هي النفي، إذ لم يسمع متابعو مباريات الفريق من جمهوره سوى هتاف "أهلي، أهلي".

يشتهر أهل حلب بتحويل حرف القاف إلى همزة، وعندما يتمازحون يقولون: كلامنا "قَبَا". هذه الكلمة، لمن لا يعرف، أصلها تركية (Kaba)، وتعني الخشن، ومنها الكلمة الشعبية "قبضاي"، وهي في التركية (Kabadayı)، وتعني الخال الخشن.

وعلى الرغم من الخشونة المزعومة في لهجة حلب، فإنهم يلفظون البطاطا "بَتَاتِة"! ومن طرائف اللهجة الحلبية أنهم يسمون البندورة "افرنجي". تعود قصة التسمية، وفق إحدى الروايات، إلى أيام الحكم العثماني، حيث عُرفت باسم "باتنجان افرنجي". واليوم، يسمع المرء الحلبي يقول: طبخنا رز وافرنجي، أو امرأة تعلم ابنتها كيف تصنع الـ"دبس افرنجي".

هذا التباين في اللهجات والتسميات يخلق قصصًا مسلية. منها قصة صديق إدلبي اسمه "أبو الجود"، والدته حلبية. عندما انتقلت للعيش في إدلب خلال أربعينيات القرن الماضي، كانت تواجه سوء فهم لغوي مع أسرة زوجها، بسبب استخدامها كلمات حلبية غير مألوفة لديهم، مثل "افرنجي". ومع مرور الوقت، بدأت تترجم هذه الكلمات إلى ما يقابلها من كلمات مفهومة.

وذات يوم، عاد أبو الجود من عمله، وبدأت والدته تسرد عليه الأخبار السياسية التي شاهدتها في التلفزيون أو سمعتها في الراديو، وقالت له: يَمَا يَيْ، هادا البندوراية إشو جية يعمل عند حافظ الأسد؟ وبالتدقيق، أدرك أبو الجود أنها تقصد بـ"البندوراية" الرئيس اللبناني سليمان فرنجية!

الشعب العربي مولع بالسجع والقوافي، كما في حكاية الخليفة الذي قال للوالي: أيها الوالي بِقُمْ. قد عزلناك فـ قُمْ. ويُروى أن الخليفة لم يكن ينوي عزله، لكنها جاءت على القافية، ففعل!

لذا نجد ثلاث أو أربع كلمات تتردد في الأمثال والأغاني الحلبية، مثل: حلب، الذهب، الكبب، الرتب. مع العلم أن الثقافة الشعبية الحلبية أكثر غنى وتنوعًا من هذه المفردات. فإذا دخل المرء عالم موسوعة حلب المقارنة، للعلامة خير الدين الأسدي، لقال إن تراث حلب الحضاري قلعة ليست أقل من قلعة حلب.

تحدثتُ، أنا محسوبكم، مرارًا عن الغبن الذي لحق بالأسدي، هذا المؤرخ الكبير، وكيف أُهمل، إلى درجة أن البلدية أخذت جثمانه للدفن، لعدم وجود أحد في تشييعه. ولكنني هنا، أريد أن أسجل فكرة أخذتها من الباحث الأمريكي من أصل عراقي، زاك هارفي، وهي أن الشعوب التي لا تاريخ لها قادرة على التقدم أكثر من الشعوب ذات التاريخ العريق. لماذا؟ لأن الشعب ذا التاريخ العريق، عندما يدخل في سباق حضاري، يُكثر من الالتفات إلى الخلف!

مشاركة المقال: