الإثنين, 1 سبتمبر 2025 06:17 AM

مستقبل الدراما السورية: كيف ستعكس الأعمال الفنية ذاكرة الثورة وتطلعات الشعب؟

مستقبل الدراما السورية: كيف ستعكس الأعمال الفنية ذاكرة الثورة وتطلعات الشعب؟

يقف المشهد الفني السوري، وتحديدًا الدرامي، على أعتاب مرحلة جديدة ومهمة. السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه الآن: هل ستتمكن الدراما السورية من تجسيد ذاكرة الثورة السورية وبطولاتها بشكل يعكس الواقع؟ وهل ستنجح في نقل الأمل الذي سعى القمع إلى إخماده؟

هل تستطيع الدراما استحضار صور المظاهرات، الاعتقالات، وانتهاكات الحريات الدينية والشخصية، وإعادة صياغتها برؤية إنسانية فريدة؟ لطالما كانت الدراما السورية نافذة مهمة تعكس صورة البلاد للعالم الخارجي، وبوابة عبورها إلى العالمية. وقد حققت على مر السنين نسب مشاهدة عالية على المستويين الإقليمي والعربي، مما يستدعي ضرورة الاستثمار فيها وتسخير الخبرات والطاقات لدعمها وتطويرها.

اليوم، تواجه الدراما مسؤولية كبيرة: إعادة تشكيل هويتها لتكون صوتًا لمن أُسكتوا. يجب عليها أن تتعمق في الذاكرة، وتعيد قراءتها بإنصاف وعمق، وتقديمها في قوالب درامية تعالج الجروح وتخاطب الوجدان. الثورة السورية تستحق أن تُعرض بأسلوب بصري درامي يليق بتضحيات الصامدين وأرواح الشهداء.

بالمقارنة مع التجارب الغربية، وخاصة الأوروبية، نجد أن العديد من الأعمال لا تزال تسلط الضوء على الحربين العالميتين، وتتناول بطولات الجيوش، وتضحيات العائلات، وآلام الضحايا والمفقودين. هذه الأعمال تحولت إلى وثائق فنية عظيمة. فكيف لا تكون الثورة السورية، بكل ما حملته من بطولات ومآس، جديرة بمعالجة درامية أعمق وأكثر إبهارًا؟

الدراما القادمة مطالبة بتقديم قصص إنسانية لا تقيدها الحسابات السياسية أو الأيديولوجية، بل تروي ذاكرة السوريين بصدق وإنصاف. هذا يتطلب شجاعة كبيرة، خاصة وأن الدراما السورية عانت لعقود طويلة من هيمنة الرقابة والتدخل السلطوي. كانت النصوص تخضع لمراجعة دقيقة قبل السماح بظهورها، ليصبح الفن أداة في خدمة النظام، لا في خدمة الناس.

الفن الحقيقي ليس مجرد ترفيه، بل هو وسيلة للتفكير والتغيير. من هنا، تقع على عاتق صناع الدراما مسؤولية جسيمة: أن ينطقوا بلسان الشعب، ويجسدوا معاناة الضحايا، ويشفوا الجراح. لقد اكتفت الشاشة من دراما الإغراء والخيانة والسيارات الفارهة والقصور الباذخة، وحان الوقت للعودة إلى الدراما التي تلامس حياة المواطن وتعبر عن همومه وآلامه.

تبرز أيضًا الحاجة إلى توثيق الفساد الذي تفشى في مؤسسات الدولة خلال حكم النظام البائد، من رشاوى ومحسوبيات وتسلط، وإلى استلهام آلاف القصص التي أفرزتها عقود طويلة من الاستبداد. فالمجتمع السوري غني بالحكايات التي تنتظر أن تُروى.

في الختام، يجب إيلاء الدراما اهتمامًا أكبر، رسميًا ومجتمعيًا، مع توفير التمويل والدعم اللازمين. بينما يبحث رأس المال التجاري عن الربح السريع، تبقى مهمة الفن الحقيقية أسمى: توثيق الانتهاكات، مواساة أهالي المفقودين والمغيبين، وتضميد جراح الوطن. والكتاب الذين طالما كتبوا من خارج الواقع، مطالبون اليوم بالاقتراب من جمهورهم، والغوص في قضاياه، ونسج حكايات تعكس وجعه وحلمه معًا. بقلم: مصعب أيوب

مشاركة المقال: