في مجموعتها القصصية "وجوه من سوريا"، تسلط الكاتبة السورية هيفاء بيطار الضوء على الآثار الإنسانية والاجتماعية المدمرة التي خلفتها الحرب في سوريا. يتضمن الكتاب، الصادر عن دار "الساقي للنشر والتوزيع" عام 2013، مجموعة قصص قصيرة تجسد شهادات حية على التحولات العميقة التي ألمت بالسوريين خلال سنوات الحرب، وتكشف عن هشاشة العلاقات الإنسانية في ظل الصراعات والولاءات السياسية.
تبدأ بيطار مجموعتها بقصة مؤثرة من حي بابا عمرو في حمص، حيث يُقتل والد حسام، أحد الشخصيات، وهو يقاتل في صفوف جيش النظام، بينما يتلقى صديقه إياد خبر وفاة والده الذي قيل إنه كان يقاتل في صفوف "الجيش الحر". هذه المفارقة المأساوية بين حسام وإياد تبرز احتمال أن يكون والداهما قد تقاتلا في معركة فاصلة، تاركين وراءهما أبناءهما يواجهون عبثية الحرب وتساؤلاتها الصعبة.
تتناول بقية القصص حكايات شخصيات أخرى تعكس واقعًا مشابهًا لمعاناة أي مواطن سوري عادي. تتطرق الكاتبة إلى حالات الخوف التي تنتاب السوريين عند استدعائهم من قبل أجهزة الأمن والمخابرات، كما هو الحال مع شخصية هيثم الذي يعاني من ذعر شديد بعد استدعائه. بالإضافة إلى ذلك، تقدم الكاتبة نموذجًا للمرأة السورية التي تسعى للتحرر من الاستبداد، ممثلة بشخصية رلا ومعاناتها مع زوجها المتسلط بعد سنوات طويلة من القهر. وفي المقابل، تعيش أم كفاح رعب الانتظار لعودة ابنها المجند، متسائلة بمرارة: "ألا يحق للإنسان أن يكون جباناً؟ ألا يحق لشاب أن يرفض حمل السلاح؟".
لا تقتصر القصص على سرد أحداث الحرب، بل تتعمق في التحولات النفسية والوجودية التي طالت الأفراد، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا. تسعى بيطار من خلال قصصها إلى التعبير عن الزمن الذي تفجر فيه العنف في كل جوانب الحياة، حتى أصبحت الحكايات الشخصية تجسيدًا لمصير وطن بأكمله. ومن خلال شخصياتها البسيطة، تمكنت بيطار من رسم صورة معقدة للمأساة السورية، بكل ما تحمله من خوف واغتراب وأمل مفقود.
من الكاتبة؟
هيفاء باسيل بيطار هي كاتبة وروائية سورية ولدت عام 1960. تعمل كطبيبة متخصصة في طب وجراحة العيون، وتخرجت من كلية الطب البشري بجامعة "تشرين" في اللاذقية عام 1982. ألفت العديد من الكتب والروايات، حيث وصل إنتاجها إلى 39 كتابًا، من بينها "وجوه من سوريا"، و"امرأة في الخمسين"، و"امرأة من هذا العصر"، و"فضاء كالقفص". كانت عضوًا في اتحاد الكتاب العرب عام 1994، وحصلت على جائزة "أبي القاسم الشابي" عن مجموعتها القصصية "الساقطة" عام 2002.